يتزايد انخراط مستثمري العقارات التجارية في طفرة الذكاء الاصطناعي، ما يتيح لهم جني أرباح كبيرة، لكن في المقابل، استثماراتهم أكثر عرضة للمخاطر في حال حدوث تصحيح في سوق الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراجع الطلب على مراكز البيانات.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، تشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن الإنفاق على بناء مراكز البيانات مرشح ليتجاوز الإنفاق على تشييد مباني المكاتب بحلول العام المقبل.
تفوق العوائد على المخاطر
حتى الآن، تفوق العوائد المخاطر، فعائدات مراكز البيانات تفوق معظم العقارات الأخرى. فقد سجلت هذه الأصول عائدًا بلغ 11.2% العام الماضي، وفقًا للمجلس الوطني لمؤشرات الائتمانات العقارية، وهو أعلى من جميع القطاعات الأخرى باستثناء المساكن الجاهزة.
نمو الطلب على القدرة الحاسوبية
ومن غير المرجح أن يتراجع التحول نحو مراكز البيانات في المدى القريب، مع استمرار نمو الطلب على القدرة الحاسوبية. فما زالت المدن الأمريكية تعاني فائضًا في المعروض من المكاتب تراكم على مدى عقود، ما كبح وتيرة البناء الجديد وأبقى معدلات الشغور قرب مستويات قياسية. كما تسعى شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "ميتا" و"أمازون" و"أوراكل" إلى تسريع بناء مراكز للذكاء الاصطناعي، ما يدفعها إلى استئجار مساحات من مراكز البيانات.
ووفق تقديرات "ماكينزي"، تم استئجار 40% من طاقة مراكز البيانات التابعة لشركات الحوسبة فائقة النطاق في الولايات المتحدة هذا العام، مقارنة بنحو 35% في 2023. وتتوقع شركة "جيه إل إل" أن تبني أمريكا الشمالية مراكز بيانات جديدة بقيمة تصل إلى تريليون دولار بين 2025 و2030.
طفرة الذكاء الاصطناعي تغير طبيعة استثمار العقارات التجارية
هذا السعي للاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي يغير طبيعة الاستثمار في العقارات التجارية. فالأبراج المكتبية والمجمعات السكنية ومراكز التسوق كانت تعد تقليديا بدائل مستقرة وآمنة مقارنة بقطاع التكنولوجيا. وخلال انهيار مؤشر "ناسداك" بنحو 80% بين عامي 2000 و2002، ظلت قيم العقارات التجارية مستقرة نسبيًا أو تراجعت بشكل محدود. أما اليوم، فإن التوسع السريع في بناء مراكز البيانات يثير مخاوف من فقاعة متنامية في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية، قائمة على افتراضات بتحقيق التكنولوجيا لإيرادات هائلة مستقبلًا.
شركات العقارات تزيد استثماراتها في مراكز البيانات
وقد زادت شركات إدارة الأصول الكبرى مثل "بلاكستون" و"بروكفيلد" من انكشافها على هذه الأصول، كما رفعت شركات العقارات المدرجة استثماراتها في مراكز البيانات بنسبة 15% في 2024، في حين قلصت استثماراتها في القطاعات التقليدية. كذلك يخطط 95% من كبار المستثمرين، في استطلاع شمل 92 مستثمرا، لزيادة استثماراتهم في هذا المجال، بحسب مسح أجرته "سي بي آر إي".
لكن الاعتماد المتزايد على الطلب المرتبط بالذكاء الاصطناعي يجعل مراكز البيانات أكثر تركزا على فئة مستأجرين محددة. ورغم أن عقود الإيجار الطويلة التي تمتد 15 أو 20 عامًا، التي يلزمون بموجبها دفع كامل المبلغ، توفر حماية نسبية، فإن المخاطر التشغيلية والتكنولوجية، مثل الكهرباء والتبريد وسلاسل الإمداد، قد تؤدي إلى تأخيرات أو إلغاء عقود، ما يسلط الضوء على تعقيدات هذا القطاع وحدود جاذبيته لبعض المستثمرين.
عدة تحديات تواجه القطاع
تعتزم "أوراكل" لاستئجار أكبر مساحات من مراكز البيانات من بين شركات الحوسبة العملاقة، إذ تظهر إفصاحات حديثة أنها تتحمل التزامات إيجار مستقبلية بقيمة 248 مليار دولار لم تدرج بعد في ميزانيتها العمومية.
وبحسب شارون هاران، المديرة التجارية لشركة "باراميتريكس" للتأمين، فإن المشكلات في الكهرباء أو التبريد أو الاتصال قد تؤدي إلى إلغاء العقد بالكامل، ما قد يسبب خسائر مالية جسيمة.
وفي محاولة لإدارة هذه المخاطر، يصمم الملاك والممولون عقودا أعقد. فمثلا، يمتد عقد "ميتا" لمركز بيانات "هايبرين" في لويزيانا لمدة 20 عامًا، مقسمة إلى 5 فترات، بحيث يلزم الشركة في حال الإنهاء المبكر بسداد الديون القائمة ودفع تعويضات إضافية، وقد أصدرت أكثر من 27 مليار دولار من السندات لتمويل المشروع.
ورغم أن مراكز البيانات تدفع عجلة البناء، فإن القطاع يواجه تحديات مثل نقص العمالة، وضغوط سلاسل الإمداد، وصعوبة تأمين الكهرباء، وهي عوامل قد تؤدي إلى تأخيرات في التسليم وتفعيل بنود إنهاء العقود.

