تنهال الاتصالات على المدير الأول لتطوير الأعمال في شركة "سي إن إم واي" للخدمات الهندسية في ماليزيا إريك يونغ، ولا يعد ذلك إلا نقطة من بحر الطلب الهائل على الاستثمار في مراكز البيانات في ولاية جوهور من مستثمرين أجانب يتطلعون إلى السوق.
وأضاف يونغ، وهو يقف أمام مجموعة من مواقع إنشاء مراكز البيانات في جنوب ماليزيا، لصحيفة "نيكاي آسيا": "هذه بداية عقود مشرقة لجوهور ولماليزيا ككل، صعدنا الآن إلى قطار النجاح السريع".
وأشار إلى أن غابات النخيل المحيطة "محجوزة كلها تقريباً وستطور كمراكز بيانات جديدة"، موضحاً أنه قبل خمس سنوات لم يكن هناك أي مركز بيانات في جوهور.
وأوضح أن شركات من قطاعات متعددة، من مراكز البيانات والبناء إلى أشباه الموصلات والمواد، تتسابق لاغتنام "فرصة التحول الجذري".
الطلب على الذكاء الاصطناعي يرسم خريطة مراكز البيانات في آسيا
ويأتي التحول السريع في ظل اضطرابات عالمية وإقليمية، إذ تدفع التوترات الجيوسياسية شركات التكنولوجيا إلى تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين، بينما أعاد الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي التوليدي منذ أواخر 2022 رسم خريطة مراكز البيانات في آسيا، متحدياً الهيمنة التقليدية لليابان وسنغافورة.
تدفق الاستثمارات من شركات الحوسبة
ونتيجة لذلك، تدفقت الاستثمارات إلى دول مثل ماليزيا والهند وإندونيسيا وتايلاند، من شركات الحوسبة السحابية ومشغلي مراكز البيانات إلى منصات التجارة الإلكترونية.
لكن سباق بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي ليس للجميع. فقد اجتذبت مراكز التكنولوجيا الرئيسية مثل تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية عددًا أقل بكثير من مرافق حوسبة الذكاء الاصطناعي الجديدة من حيث عدد المشاريع المخطط لها وقدرتها، ويعود ذلك جزئيًا إلى قيود الأراضي والطاقة.
التنافس مع سنغافورة في مراكز البيانات
وصرح ديدي إسكندر، المدير الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة "داتا سنتر هوك"، لـ "نيكاي آسيا": "إذا نظرنا إلى جوهور، فسنجد أن قدرة مراكز بيانات وصلت 900 ميجاواط خلال ثلاث سنوات"، وهو ما استغرق من سنغافورة أكثر من عقد لبنائه.
ويؤكد جابيز تان، رئيس قسم الأبحاث في "ستركتشر ريسيرتش"، أن استضافة تجمعات حوسبة قوية تعزز الأهمية الاستراتيجية للدول، حتى إن لم توفر أعداداً كبيرة من الوظائف.
وصرح هوانغ للصحيفة: "فيما يتعلق بمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في آسيا، فإن المثلث الذهبي الذي نتطلع إليه هو جوهور وسنغافورة وباتام (إندونيسيا)".
ماليزيا وجهة جديدة للاستثمار الرقمي
فخلال فترة قصيرة، تحولت ماليزيا من لاعب هامشي إلى إحدى أكبر وجهات الاستثمار الرقمي في المنطقة، حيث جذبت ما لا يقل عن 210.4 مليار رينجت (نحو 51.4 مليار دولار) خلال عامي 2023 و2024، وكان النصيب الأكبر من هذا النمو في جوهور، إلى جانب كوالالمبور وسيبرجايا.
ويعزى صعود جوهور بدرجة كبيرة إلى قربها الجغرافي من سنغافورة، إذ يمكن الربط بينهما براً، مع خطط لتحسين النقل عبر قطار عابر للحدود ومنطقة اقتصادية خاصة تهدف إلى تسهيل حركة الأعمال والاستثمار.
الشركات العالمية تستغل انخفاض تكاليف البناء وتوافر الأراضي والطاقة
وقد اختارت شركات تايوانية وأمريكية وصينية جوهور موقعا لمصانع ومراكز بيانات تخدم سلاسل توريد الذكاء الاصطناعي عالمياً، مستفيدة من انخفاض تكاليف البناء وتوافر الأراضي والطاقة.
لكن التوسع السريع لا يخلو من تحديات. فمراكز البيانات توفر وظائف أقل مقارنة بالصناعات التحويلية بسبب الأتمتة، كما تفرض ضغطاً كبيراً على موارد الكهرباء والمياه. وقد بدأت حكومة جوهور برفض بعض الطلبات الجديدة التي تعتمد على أنظمة تبريد سائلة بسبب قيود إمدادات المياه.
وأفاد مسؤولون في الولاية بوجود 15 مركز بيانات تعمل حالياً، و11 قيد الإنشاء، و25 مشروعاً معتمداً، بطاقة إجمالية تبلغ 5.3 جيجاواط. وتعمل الحكومة على إنشاء مرافق مياه جديدة، لكنها أقرت بأن البنية التحتية تحتاج إلى وقت.
جوهور رابحة من قيود سنغافورة واليابان وتايوان
ويرى محللون أن توافر الأرض والطاقة هو العامل الحاسم عند اختيار مواقع مراكز البيانات، وهو ما يجعل جوهور الرابحة من القيود التي تواجهها سنغافورة واليابان وتايوان.
مخاطر القيود الأمريكية على تصدير الرقائق
في المقابل، تبرز مخاطر جيوسياسية، أبرزها القيود الأمريكية على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي فيما تسعى ماليزيا إلى الحفاظ على موقف محايد بين الولايات المتحدة والصين.
كما يبرز خطر فائض المعروض، إذ إن عديدا من مشغلي مراكز البيانات المحايدين يبنون منشآت ضخمة قبل تأمين طلب كافٍ من المستأجرين.
ويرى بعض الخبراء أن الطلب لا يزال أقل من القدرة المتاحة محلياً، فيما يؤكد آخرون أن العالم ما زال يعاني نقصا في القدرة الحاسوبية، مع استمرار نمو الطلب على الذكاء الاصطناعي.
