يمثل ارتفاع معدلات السمنة، وتقلص المساحات المنزلية، المحركات الرئيسية لنمو سوق الصالات الرياضية أو ما بات يعرف باقتصاد اللياقة البدنية، وفق ما ذكره لـ"الاقتصادية" خبراء وأكاديميون.
في العقد الأخير، شهد مفهوم "الجيم" أو صالة الألعاب الرياضية تحولا جذريا، من مجرد مكان لممارسة التمارين الرياضية إلى مكون رئيس لهذه الصناعة، التي تعد من أكثر قطاعات اقتصاد الرفاهية نموا وجذبا للاستثمارات، بفضل التغيرات العميقة في أنماط الحياة وتطور التقنيات الرقمية.
يعود هذا التحول إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها تزايد الوعي الصحي، وتنامي الاهتمام بالمظهر الجسدي بين مختلف الفئات العمرية، خصوصا الشباب، إلى جانب التطور التكنولوجي الذي نقل الرياضة من نشاط بدني محلي إلى صناعة اقتصادية متكاملة.
سوق ضخمة تحقق معدلات نمو مرتفعة
وفقا لتقديرات دولية، فقد بلغت قيمة سوق اللياقة البدنية العالمية العام الماضي نحو 300 مليار دولار، مدفوعة بتوسع الصالات الرياضية، وانتشار التطبيقات الرقمية، وارتفاع الطلب على التدريب الشخصي وبرامج الصحة الشاملة.
تشير التوقعات إلى أن معدل النمو السنوي للقطاع سيراوح بين 4.5 و7.5 % خلال السنوات المقبلة.
ورغم غياب إحصاءات دقيقة عن عدد الصالات الرياضية في العالم، فإن أغلب التقديرات تشير إلى وجود نحو 200 ألف صالة وناد صحي على مستوى العالم.
سوق مرشحة لجذب رؤوس أموال ضخمة
يقول أوبراين بريينجتون، الأستاذ المساعد في علوم التدريب الرياضي، لـ"الاقتصادية" إن "المحركات الرئيسية لنمو سوق الصالات الرياضية تتمثل في ارتفاع معدلات السمنة عالميا، ما جعل النشاط البدني وسيلة للوقاية وليس للرفاهية فقط، إضافة إلى تقلص المساحات المنزلية المخصصة للرياضة، وهو ما جعل من الصالات الرياضية خيارا عمليا.
كما أن صعود تطبيقات اللياقة الرقمية جعل التجربة أكثر تخصيصا وجاذبية، بينما أسهم انتشار العلامات التجارية للنوادي الرياضية في توسيع نطاقها وجذب استثمارات جديدة".
من جانبها، ترى الدكتورة بام أيريس، أستاذة الاقتصاد الاجتماعي، أن "اقتصاد اللياقة البدنية سيواصل تحقيق نجاحات لافتة خلال السنوات المقبلة، وسيكون من أكثر القطاعات جذبا لرؤوس الأموال، خاصة المتوسطة منها".
وأضافت لـ"الاقتصادية": "اقتصادات اللياقة البدنية أصبحت اليوم عنصرا رئيسيا في اقتصاد الرفاهية الذي يتجاوز حجمه 5 تريليونات دولار عالميا، ويتميز هذا القطاع بتعدد مصادر الدخل من اشتراكات الأعضاء، وخدمات التدريب الشخصي، والمنتجات الغذائية، والتطبيقات الرقمية، والرعاية الإعلانية من العلامات التجارية الكبرى".
الأسواق الناشئة تملك مستقبل القطاع
أما فيما يتعلق بالتوجهات المستقبلية، فتشير المؤشرات إلى أن الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان وصلت إلى مرحلة من التشبع النسبي، ما يفتح المجال أمام توسع الشركات والعلامات التجارية الكبرى في الأسواق الناشئة بالشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
إلا أن تلك الفرص الاستثمارية الواعدة لا تنفي أن الصناعة تواجه تحديات تتعلق بارتفاع تكاليف التشغيل والإيجارات، ومخاطر الاعتماد المفرط على التطبيقات الرقمية التي قد تقلل من ولاء العملاء. كما أن المنافسة المتصاعدة بين العلامات التجارية العالمية والمحلية تفرض ضغوطا على هوامش الربح، ما يدفع بعض المستثمرين إلى ابتكار نماذج تشغيل واشتراك أكثر مرونة واستدامة.
في ظل تلك التحديات يراهن بعض الخبراء على أن يواصل التطور التكنولوجي القيام بدور المحرك الأهم للقطاع مستقبلا، خاصة مع استمرار دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، وإنترنت الأشياء في أجهزة التدريب والخدمات. كما تسهم الصالات "الهجينة" التي تجمع بين التدريب الميداني والافتراضي في توسيع قاعدة العملاء وخلق نماذج أعمال أكثر مرونة وربحية.
فرصة واعدو في منظومة اقتصاد الرفاهية
وباتت صناعة الصالات الرياضية اليوم فرصة استثمارية واعدة ضمن منظومة اقتصاد الرفاهية العالمي، إذ لم تعد اللياقة البدنية نشاطا فرديا لتحسين المظهر أو الحفاظ على الصحة فحسب، بل أصبحت قطاعا اقتصاديا متكاملا يبرز التحولات العميقة في بنية الاقتصاد العالمي وقيم الحياة العصرية.
فمن اقتصاد الإنتاج المادي إلى اقتصاد التجربة، انتقل المستهلكون من شراء السلعة إلى شراء الإحساس بالعافية والانتماء، وأصبحت الصالات الرياضية تجسد هذا التحول بامتياز.
فالصالات الرياضية لم تعد مجرد فضاء للتدريب، بل مرآة لمجموعة من قيم العصر الحديث من أبرزها الفردية والبحث عن التوازن بين العمل والحياة.
في هذا السياق، تتحول العافية والرفاهية من كماليات شخصية إلى مكونات أساسية في معادلة النمو الاقتصادي العالمي.

