الاقتصاد العالمي 2016

Author

الطاقة الشمسية في السعودية.. فرصة أصبحت حتمية

|
انطلق عام 2016، ولدى السعودية فرصة كبيرة لتطوير صناعة جديدة، فرصة أصبحت شيئا حتميا. واسمحوا لي أولا بفحص الفرصة، ثم الحتمية. الفرصة تشمل الطاقة الشمسية، التي تتجه بسرعة نحو أن تصبح أرخص وسيلة غير مدعومة للطاقة على كوكب الأرض. في العام الماضي، تم في دبي وكولورادو بناء محطات توليد الكهرباءبالطاقة الشمسية التي كانت أرخص من محطات الغاز. شركة سعودية، ACWA للطاقة، هي التي بنت محطة دبي. يمكننا أن نتوقع أن نرى المزيد من هذه المعامل في جميع أنحاء العالم في عام 2016، وغيرها كثير فيما وراء ذلك. السبب الرئيس هو الانخفاض المذهل في تكاليف الطاقة الشمسية. منذ عام 2008، متوسط ??تكلفة محطة للطاقة الشمسية، سواء كان ذلك على الأرض أو على سطح أحد المباني، انخفض بأكثر من 80 في المائة. وقد سمى محللون هذا الانخفاض “قبة الرعبالأرضية التي لا مفر منها”، لأنه يشبه الهبوط السحيق في الرسوم البيانية (المتعلقة بالتكاليف)، ولأن من شأنه بث الرعب في قلب أي تنفيذي في محطة توليد الكهرباء الذي يسعى إلى التمسك بالطرق القديمة لتوليد الطاقة. تكلفة الطاقة الشمسية آخذة في النزول. حتى في وطني المليء بالغيوم، حيث نادرا ما تشرق الشمس، ستكون الطاقة الشمسية أرخص من الغاز في غضون ثلاث سنوات أو نحو ذلك. بمجرد أن يتم بناء محطة للطاقة الشمسية، سيصبح الوقود مجانا. المستثمرون يدركون بشكل متزايد أن التحول سوف يتكشف في أسواق الطاقة في السنوات المقبلة. في عام 2015، على سبيل المثال، أنتج بنك أبوظبي الوطني تقريرا خلص إلى أن الغالبية العظمى من الاستثمار العالمي للطاقة سيكون في مصادر الطاقة المتجددة في السنوات المقبلة، مع اعتبار الطاقة الشمسية لاعبا رئيسا. تقرير آخر، من دويتشه بانك، يقول إن تكاليف الطاقة الشمسية تقترب بسرعةمن الكهرباء التي يتم توليدها بحرق بالفحم وأن الأسعار قد تنخفض أكثر بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2020، مستحدثة 4 تريليونات دولار من حيث القيمة في السنوات العشرين المقبلة. هذه تطورات لم يتوقعها أي شخص تقريبا، حتى المتحمسون للطاقة الشمسية مثلي. وكالة الطاقة الدولية، على سبيل المثال، فهمت الأمر على نحو خاطئ بشكل فظيع. فقد أعطت الوكالة تقديرات للنمو المستقبلي لسوق الطاقة الشمسية العالمية في عام 2000، 2002، 2005 و 2007. ولم تكن أي من توقعاتهم تتجاوز 20 جيجاواط بحلول عام 2014. وكان الواقع قريبا من 180 جيجاواط. وقد بدأت شركات محطات الطاقة الكبرى في تنفيذ منعطفات تحول تامة في نماذج أعمالها في مواجهة ذلك. في عام 2014 و 2015، أعلنت كل من شركةEON،و GDFوسويس، واينل، وRWE أنها سوف تركز في النمو على الطاقة الشمسية، ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى، وخدمات الطاقة، وتقليص استخدام الوقود التقليدي. شتات أويل، الشركة الرائدة للنفط والغاز لم تنضم حتى الآن إليهم، ولكنها أنشأت قسما للطاقة المتجددة، ولدى توتال استثمارات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية. شركات النفط الكبرى الأولى تسير في الاتجاه نفسه الذي تسلكه شركات الكهرباء لأن الثورة ليست فقط حول الطاقة، ولكن النقل. في شباط (فبراير)2015، علمنا أن أبل تعتزم أن تكون منتجة على نطاق واسع للسيارات الكهربائية المشحونة بالطاقة الشمسية في غضون أربع سنوات. في أيار (مايو)، رأينا تسلا موتورز تتحول إلى تسلا الطاقة، الشركة المصنعة لبطاريات ليس فقط للسيارات ولكن لأصحاب المباني، والمحطات. في غضون أسبوع، كانت قد أخذت طلباتلشراء بطارياتها بقيمة 800 مليون دولار، يأتي60 في المائة منها من الصناعة. أنا أصف تطورات مذهلة أخرى من هذا القبيل، في 2014 و 2015، في كتابي “الفوز في حرب الكربون”، الذي نشر للتو. الفرصة المتاحة للمملكة العربية السعودية، بما لديها من موارد الوقود (الشمس) ورأسمالها من عائدات النفط، لتصبح لاعبا رئيسا في صناعة الطاقة الشمسية العالمية الجديدة: حيث ستكون مركزا في ما يحتمل أن تصبح أكبر صناعة في العالم، بعد عقود قليلة من الآن. اسمحوا لي أن أنتقل إلى الحتمية. هناك في الواقع نوعان منها: الأول هو الاستهلاك المحلي من النفط لتوليد الطاقة الكهربائية. ليس هناك عدد كبير من رجال الأعمال السعوديين من الذين يحتاجون إلى تذكيرهمبهذه المشكلة، والحكومة بالتأكيد تدرك جيدا هذا الأمر. يجري أيضا سحب كثير من النفط من إمكانيات التصدير من خلال حرقه للحصول على الكهرباء. الطاقة الشمسية، كما قال كبار المسؤولين الحكوميين بأنفسهم، يمكنها القيام بهذه المهمة على نحو أفضل، والحفاظ على الدخل القومي في المستقبل.الأمر الثاني هو أن المجتمع الدولي قد بدأ للتو في تراجع منظم عن كثير من استخدامات النفط في العقود المتبقية من هذا القرن. في كانون الأول (ديسمبر)، شاهدت ما يعتبره كثيرون معلما فريدا في تاريخ البشرية في قمة باريس للمناخ. تم اعتماد معاهدة في ذلك المؤتمر، وهي اتفاقية باريس، التي تنطوي على قوة تحويلية ضخمة. هناك ثلاثة أسباب لهذا التفكير: المخاطر، والحجم، والنطاق.من الواضح أنه لم يكن هناك قط من قبل تجمع لزعماء العالم لمناقشة المخاطر من النوع الذي كان قيد المناقشة في باريس: تهديد لمصادر الغذاء العالمي وإمدادات المياه، وفقا لمعظم المشاركين، الخطر الذي يخيم على كل أمة على هذا الكوكب. لم يسبققط في تاريخ البشرية قمة للتفاوض بشأن معاهدة تشتمل على هذا النطاق الضخم: أحد الأمور هو أن جميع الدول لديها التزامات بموجبها. شاركت 195 حكومة، وهي كل دولة مستقلة على كوكب الأرض، حسب القوائم من قبل بعض الوكالات. هذه الحكومات انتخبت لتضع جانبا كافة المجالات الأخرى التي يختلفون عليها، ليواجهوا تهديدا عالميا مشتركا، وأخيرا، بنوايا جدية. وكان عرض للتعاون العالمي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ.
إنشرها
Author

دور المملكة في الاقتصاد العالمي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ينظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها إحدى الدول الأكثر أهمية وتأثيرا في الاقتصاد العالمي. هي صاحبة أكبر اقتصاد عربي، وهي العضو العربي الوحيد ضمن مجموعة الاقتصادات “العشرين” الأكثر حجما على مستوى العالم. وهذه العضوية زادت من دور المملكة في الاقتصاد العالمي. وتشغل المملكة منذ زمن بعيد عضوية دائمة في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي. علام وكيف صارت هذه المكانة؟ نتج دور المملكة في الاقتصاد العالمي وسيستمر في أهميته من عدة عوامل، أذكر ما يُرى أنه أبرزها. وجود الحرمين الشريفين في المملكة الحرمان الشريفان وتتشرف بخدمتهما. ويأتي للحج والعمرة الملايين سنويا من مختلف دول العالم، وهذا له تأثير لا ينكر فهو يعطيها مركزا دينيا وحضاريا خاصا لدى المسلمين لا يمكن لغيرها أن يدعيه. وتبعا لذلك، بها مقر منظمة المؤتمر الإسلامي منذ تأسيسها عام 1972. النفط أهمية المملكة ودورها النفطي معروف للقاصي والداني. ولنا أن نلخصه بكونها صاحبة أكبر احتياطي نفطي مقارنة بتكلفة إنتاج منخفضة، وكونها المصدر الأكبر له، وتبعا لهذين فهي القائد غير الرسمي لـ”أوبك” وهي المؤثر الأكبر في سعر النفط. وقوة هذا الدور لكون النفط أهم سلعة خام، وكون تأثيرات إنتاجه وأسعاره واستثماراته على غيره كبيرة لا يجاريها في القوة تأثير أي سلعة خام أخرى. وهذا “الغير” يشمل كل شيء تقريبا وكل سوق وكل دولة. الشكل التالي يوضح أهم التطورات النفطية منذ اكتشاف النفط في بلادنا العزيزة. صحيح حدثت تطورات في السنوات الأخيرة ربما كان أشهرها إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وهي تطورات حدت من دور وتأثير سياسات المملكة النفطية خصوصا و”أوبك” عموما، لكنها ما زالت المؤثر الأكبر في سوق الطاقة والنفط العالمي. المال بغض النظر عن التسمية، تعد المملكة صاحبة أحد أكبر الاستثمارات السيادية في العالم التي تجاوزت تريليون ريال، حيث تدير مؤسسة النقد العربي السعودي أصولاً للمملكة موزعة على مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة على حد سواء، ولدى المملكة واحد من أكبر الاحتياطات النقدية في العالم، حيث تبلغ قرابة 2.5 تريليون ريال، وهو واحد من أعلى المستويات في العالم. كما أن المملكة من كبرى الدول في حجم الاستيراد والتصدير. والمملكة ثاني دولة في العالم من حيث حجم التحويلات (المالية) إلى الخارج. الأولى الولايات المتحدة. ولهذا فإن السياسات المالية التي تتخذها المملكة لا تؤثر في اقتصادها فقط، إنما لها تأثير واضح واسع في المستوى العالمي، حيث تؤثر في نشاط الاقتصاد العالمي من خلال تأثيرها في التجارة العالمية ومن خلال التحويلات إلى الخارج وسياسة الاستثمار في الأوراق المالية العالمية. توظيف غير السعوديين المملكة من أكبر الدول الموظفة للجنسيات الأخرى، حيث يعمل في المملكة قرابة عشرة ملايين غير سعوديين ينتمون إلى عشرات الجنسيات. ولا قيود تقريبا على تحويلات هؤلاء التي تشكل جزءا معتبرا من مصادر دخول بلادهم. خصخصة أو طرح اكتتاب جزئي لأرامكو نقلت الأنباء النية في خصخصة كل أو بعض أعمال “أرامكو السعودية”، عبر طرحها في اكتتاب عام. والخصخصة من حيث هي قد تتناول الملكية كلها أو بعضها أو تقتصر على التشغيل كله أو بعضه. وأرجو أن يعرف أن التسمية حيادية لا تعني لذاتها مدحا ولا ذما، ولا تعني تقرير حدود وتفاصيل بعينها لعملية الخصخصة. تغطي عمليات “أرامكو” حسب علمي كل الخطوات من الاستكشاف حتى تسليم النفط مكررا لشاحنات نقل الوقود، مرورا بعمليات التنقيب والتصفية والتكرير. وبني على هذه العمليات قائمة طويلة من المنشآت والمرافق والمحميات والخدمات. بغض النظر عن التفاصيل التي أجهلها عن فكرة ونية طرح الشركة، فإنها، أعني “أرامكو السعودية” المملوكة بالكامل للحكومة تعد أكبر شركة في العالم. ولا تقاربها في القيمة شركة أخرى. فعلى سبيل المثال، الاحتياطيات النفطية المعلنة قرابة 260 مليار برميل، وهو رقم أكبر بعشر مرات من احتياطيات إكسون موبيل، أكبر شركة نفط خاصة. وهذا يعني أن الطرح على المستوى العالمي سيزيد من أهمية ودور المملكة في الاقتصاد العالمي. وتبعا لقيمة “أرامكو” ودورها عالميا، الناتجين من قيمة وأهمية ما تنتجه وتأثيراته وتأثيرات متغيراته على الاقتصاد العالمي، فإن الطرح يكتسب أهمية كبيرة على المستوى العالمي، ومن المهم جدا أن نستغل هذه الأهمية، بما يحقق أعلى مصلحة لاقتصادنا على المدى البعيد. كيف؟ أرى أن المفتاح هو الاستفادة من تجربة “سابك” في هذا المقام تذكرت تجربة تأسيس “سابك”، وكلاما للدكتور غازي القصيبي عن تأسيسها قبل نحو 40 عاما، بعد تعيينه وزيرا للصناعة بفترة قصيرة. من المناسب جدا أن نستفيد من تلك التجربة لمساعينا في طرح “أرامكو”. كانت رؤيته عن ولادة شركة صناعية كبرى على مستوى العالم في مجال البتروكيماويات، شركة تسهم مساهمة فعالة في نقل التقنية ونقل الخبرات والمهارات الإدارية والفنية والتسويقية للبلاد، شركة تسهم بوضوح في تنويع مصادر الدخل. كانت أفكار وطموحات القصيبي وزملائه الذين عملوا معه موضع تندر كثيرين في الداخل والخارج. دخل القصيبي وزملاؤه في مواجهة عنيفة مع عدة شركات كانت تطمع فى الحصول على عقود لبناء المصانع دون أن تتحمل أي مسؤولية عن أداء هذه المصانع . كانت الفلسفة قائمة على مبدأ “ المشاركة “ ولم تكن هذه الفلسفة تتيح لنا أن نتعامل إلا مع شركاء. تم تأسيس مشاريع “سابك” الكبرى بالاشتراك مع شركات عالمية حيث يملك كل فريق 50 في المائة من المشروع. لم الإصرار على المشاركة؟ يقول القصيبي “نحن نتعامل مع هذه الشركات لأننا بحاجة إلى ثلاثة أشياء تملكها هذه الشركات ونحن لا نملكها: هى تملك التكنولوجيا ونحن لا نملكها، وهى تملك وسائل التدريب ونحن حتى الآن لا نملكها، وهى تملك منافذ التوزيع ونحن لا نملكها”. بشكل أو بآخر، نريد أن يسهم طرح بعض “أرامكو” للاكتتاب، نريده أن ينتج لنا أكثر من سابك، نريده أن يوفر لنا تقنية وتدريبا وتوزيعا في أنشطة ومجالات إنتاجية نفتقر إليها خاصة في المجال الصناعي. ويحضرني في هذا صناعة المعدات الثقيلة ووسائل النقل والسيارات والصناعات الأساسية غير المعتمدة على النفط والغاز والصناعات المعتمدة على تقنية عالية. وبصفة عامة نريد من فرصة الاكتتاب أن تسهم في زيادة وتمتين القاعدة الصناعية في بلادنا، ليصبح نصيبها في الناتج المحلي لا يقل عن 20 في المائة، بينا هي نحو نصف هذا الرقم حاليا. نريد من الطرح أن يزيد من دور المملكة الاقتصادي عالميا، نظرا لضخامة “أرامكو” وأهمية أعمالها، نريدها فرصة ذهبية في تنويع مصادر دخل الاقتصاد وتنويع مصادر دخل الدولة وزيادة نفوذنا وعلاقاتنا الاقتصادية مع دول العالم في مجالات أخرى غير النفط وبيعه. تحقيق الطموحات السابقة يتطلب جهادا وتضحيات وصبرا. لا بد أن عند الآخرين مرئياتهم وما يرونه نقاط ضعف، ولكن علينا بذل كل جهد للتغلب عليها بما يحقق الطموحات. وقد فعل ذلك القصيبي وزملاؤه قبل 40 عاما.
إنشرها
موازنة التحدي .. «الإنفاق الذكي»
موازنة التحدي .. «الإنفاق الذكي»

“موازنة التحدي .. هيكلة وكفاءة وشفافية”، بهذا العنوان اختصرت صحيفة “الاقتصادية” في عددها الصادر في الـ29 من...

أزمة الإسكان .. هل تكون رسوم الأراضي نقطة التحول؟
أزمة الإسكان .. هل تكون رسوم الأراضي نقطة التحول؟

في مسعى لتحليل تطور أزمة الإسكان في المملكة وأسباب نشوئها خلال العقود الثلاثة الماضية، وللإلمام بجوانب...

Author

الخصخصة في المملكة.. ردة فعل أم مشروع استراتيجي؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
الاقتصاد الحديث يعني بيئة استثمارية جاذبة تتميز بالمرونة، والتنافسية، وسهولة حركة الأموال والحصول عليها. وأي اقتصاد حديث يتمكن من تحقيق هذه البيئة الاستثمارية سيكون قادرا على اجتذاب الابتكار ورؤوس الأموال ويستطيع احتضان المبادرين. هذه الشروط صعبة التحقق في ظل الاقتصاد الذي يدور حول الحكومة. فالاقتصاد الموجه هو اقتصاد غير تنافسي بطبيعته، كما أن التحكم في حجم المنافسة ونوعيتها وإغلاق الأسواق واحتكار الحكومة لعناصر الإنتاج يجعل من الصعب إيجاد البيئة الاستثمارية القادرة على جذب رؤوس الأموال، والأهم من رؤوس الأموال هو جذب الابتكار والمغامرين، ذلك أن الأفكار والابتكارات تبحث عن حاضنات والاقتصاد الذي يتمكن من توفير البيئات الحاضنة سيتمكن حتما من المنافسة العالمية وبناء اقتصاد مستدام، حتى إذا لم تتوافر لها المقومات التقليدية للاقتصاد فلم يعد ذلك هما في عالم يرتكز على تعظيم القيمة باستخدام أقل الموارد، وهكذا فإن الشروط تضع نفسها إذا كنا نريد الانتقال إلى اقتصاد حديث مستدام، فلابد من بيئة تنافسية تتخلى الحكومة فيها عن كثير من عناصر الإنتاج التي لديها. وإذا كنا نؤكد دوما أن الحكومة السعودية قد تنبهت إلى هذا الوضع العالمي الجديد منذ وقت طويل فوضعت عددا من الأهداف لتحسين بيئة الاستثمار حتى تصبح من بين الدول الأكثر قدرة على جذب الاستثمارات العالمية، فلم يكن انخفاض النفط ـــ طبقا لواقع الأمر ـــ هو الذي جعل الحكومة تجدد النظر في موضوع خصخصة كثير من القطاعات التي تسيطر عليها الحكومة، ونعم الوقت مناسب ويشجع على المضي قدما في هذا الطريق لكن لم نكن بحاجة إلى انخفاض أسعار النفط حتى نسير في هذه الطريق، ولو عادت الأسعار إلى مستوياتها القياسية العليا، فيجب أن نستمر في مشروع الخصخصة هذا نظرا لأنه المسار الصحيح الذي يجب أن يسير فيه الاقتصاد. فالخصخصة بهذا التصور تعد مشروع تحول في الاقتصاد الوطني نحو الاقتصاد الحر، الذي يرتكز على التنافسية، التي بدورها تعمل على توزيع الموارد بطريقة صحيحة وكفؤة على عوامل الإنتاج المختلفة وتوجد القيمة من خلال الابتكار، والخصخصة تحل مشكلة الملكية العامة التي تحدثت عنها مرارا في أكثر من مقال وهي ترتكز في عدم وجود حقوق ملكية تفرض توزيعا عادلا للدخل الناتج من استخدام عوامل الإنتاج، والتوزيع العادل لا يعني بالضرورة التساوي في التوزيع بل أن يحصل على النصيب الأكبر من الدخل من يسهم بشكل أكبر في إيجاد القيمة. دون حقوق ملكية واضحة لا يصبح التوزيع عادلا، خاصة إذا كان علينا أن نعطي الابتكار العائد الأكبر. فالخصخصة تعيد هيكلة حقوق الملكية وبهذا تمكن من فتح المجال للابتكار في المساهمة في إيجاد القيمة على أن يحصل على العائد الأكبر. وعلى هذا فإن توجه المملكة نحو الخصخصة لم يكن وليد الظروف الاقتصادية الراهنة ـــ كما يحاول البعض أن يروج لذلك ـــ بل خطة اقتصادية وسياسة قديمة بدأت بقرار مجلس الوزراء رقم  60 وتاريخ 1/4/1418هـ بزيادة حصة القطاع الخاص وتوسيع مساهمته في الاقتصاد الوطني باتباع أفضل الوسائل المتاحة بما في ذلك تحويل بعض أنواع النشاط الاقتصادي إليه، ثم صدرت موافقة المجلس الاقتصادي الأعلى الذي كان برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير عبد الله بن عبد العزيز ـــ في حينه ـــ على استراتيجية التخصيص في المملكة التي تهدف إلى تحقيق ثمانية أهداف يهدف كل هدف إلى تحقيق عدد من السياسات، التي من أهمها ـــ كما أشرت أعلاه ـــ رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية وإلى توسيع نطاق مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة وتشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار محليا (وهو ما نعني به هيكلية حقوق الملكية)، وكان من أهم السياسات التي وضعتها الخطة لتحقيق الهدف من الخصخصة: العمل على تخصيص المشاريع والمنشآت والخدمات العامة المناسبة لمشاركة القطاع الخاص وإفساح المجال للمنافسة. العمل على أن يؤدي التخصيص إلى زيادة حجم الاستثمارات المباشرة القادرة على الاستمرار الذاتي. العمل على مشاركة شريحة كبيرة من المواطنين في أنواع النشاط المختلفة المحولة للقطاع الخاص من خلال اتباع أسلوب الاكتتاب العام كوسيلة للتخصيص كلما أمكن ذلك. - تسهيل مشاركة الاستثمارات الأجنبية في ملكية المشاريع وأنواع النشاطات الإنتاجية المخصصة وفق الضوابط المنظمة لذلك. - التطوير المستمر للسوق المالية لإتاحة الفرصة لمزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، مع توفير مزيد من القنوات لاستقطاب المدخرات. - تعزيز القوى الوطنية العاملة وزيادة معدلات السعودة وتوفير فرص تأهيل وتدريب العمالة الوطنية على رأس المال مقابل احتياجات التوسعة. - المعالجة العادلة لأوضاع العمالة الفائضة الناتجة عن تحويل النشاط إلى القطاع الخاص. - العمل على إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة للتعامل مع المسائل الاجتماعية والتنظيمية والإشرافية لمراعاة مصالح المستهلكين كتوفير الخدمات وجودتها وتكلفتها. إضافة إلى عدد كبير آخر من السياسات، ولهذا تباعا لهذه الاستراتيجية عملت المملكة بشكل هادئ طوال السنوات الماضية على دراسة تلك القطاعات التي من المرجح أن تكون هدفا واعدا للخصخصة، فبدأت بإنشاء هيئات خاصة لتلك القطاعات المستهدفة وإلغاء الوزارات التي كانت تشرف عليها، وتم إنجاز أهداف تتعلق بالسوق المالية وفتح المجال للاستثمارات الأجنبية، وكانت لدينا تجربة رائدة بخصخصة قطاع الاتصالات وفقا لقرار مجلس الوزراء رقم (135) الصادر في 15/8/1418هـ الذي تمت فيه الموافقة على تحويل مرفق الاتصالات (البرق والهاتف) بما في ذلك الهاتف الثابت ونظام نقل المعلومات والنداء الآلي والهاتف الجوال والهواتف العمومية والشبكة العامة إلى شركة مساهمة سعودية تنشأ باسم (شركة الاتصالات السعودية)، وقد تضمن القرار عدة فقرات متنوعة لعل أهمها نقل جميع حقوق وممتلكات الدولة واستثماراتها المحلية والدولية فيما يتعلق بالاتصالات إلى الشركة الجديدة، إضافة إلى الرسوم والعوائد المالية التي تحصلها الدولة من الشركة. وقد تم بعد ذلك فتح السوق للتنافس ودخلت السوق شركات خليجية بمشاركة مستثمرين سعوديين، ويسهم قطاع الاتصالات اليوم بنحو 2.7 في المائة من الناتج المحلي. اليوم وبعد نجاح تجربة الاتصالات تعلن هيئة الطيران المدني وفقا للخطة الاستراتيجية للخصخصة أنها ستبدأ في تنفيذ استراتيجيتها نحو التوجه للخصخصة بتحويل جميع المطارات في المملكة، وبعض قطاعاتها إلى شركة قابضة مملوكة للهيئة باسم “شركة الطيران المدني السعودي القابضة”، حيث تتملك الوحدات المخصصة والإشراف عليها وتحقيق التكامل بينها بما يضمن خفض النفقات وتعظيم الإيرادات وتحسين الخدمات مع المحافظة على جميع معايير السلامة والأمن وأنظمة الطيران المدني. وأن مطار الملك خالد الدولي سيتم تخصيصه بالربع الأول من 2016، في حين سيتم الانتهاء من هذا البرنامج عام 2020. إذا نحن نسير في طريق رسمه الاقتصاد السعودي منذ ما يقرب من 20 عاما، تم خلاله بناء السوق المالية التي لا يمكن النجاح في مشاريع الخصخصة دونها، وتم فتح السوق للاستثمار الأجنبي كما كان مخططا، كما تم اختيار القطاعات التي سيتم خصخصتها، وبدأت هذه الخطوة من خلال إنشاء هيئات إشرافية مثل هيئة الاتصالات التي نجحت في خصخصة قطاعات الاتصالات ثم تم إنشاء هيئة الطيران المدني التي عليها الآن تنفيذ استراتيجيتها في الخصخصة، وهكذا فليست الخصخصة خطوة مستعجلة لانخفاض أسعار النفط لكن يجب ألا نغفل عن أن مشروعنا في الخصخصة رغم دقته وجديته إلا إننا نعاني بطئا لا يتناسب مع التغيرات الاقتصادية التي تحدث في العالم، فـ 20 عاما على الخطة الاستراتيجية ليس بالقليلة وكان علينا أن ننجز أكثر، ولعل الظرف الاقتصادي الراهن والتغيرات الهيكلية وفي صناعة القرار الحكومي تسهم في تسارع عجلة الخصخصة في المملكة.
إنشرها
خصخصة قطاع الطيران في المملكة.. إيرادات أعلى وجودة أكبر
خصخصة قطاع الطيران في المملكة.. إيرادات أعلى وجودة أكبر

كشف لـ«الاقتصادية» الدكتور فيصل بن حمد الصقير مستشار رئيس الهيئة العامة للطيران المدني، ورئيس مجلس مديري...

Author

كينز ووايت..وخطة تأسيس صندوق النقد والبنك الدوليين

|
في صيف عام 1944 وفي شهر تّموز (يوليو) بالتحديد، اجتمع ممثلو أربع وأربعين دولة ليناقشوا فكرة تصميم نظام جديد للنقد العالمي. اللقاء جاء في وقت كانت فيه رحى الحرب العالمية الثانية تدور في أوجها، وتستعر في أماكن مختلفة في كل من أوروبا وآسيا، وكان الحلفاء يحققون تقدما بعد آخر على عدد من الجبهات. الفكرة هي كيف سيتم تنظيم النظام النقدي العالمي الذي سيقود الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الحرب، وسيمهد لمرحلة من النمو الاقتصادي المستقر والمستدام بعد أن تحقق دول الحلفاء الانتصار على دول المحور التي يمثلها كل من ألمانيا بقيادة هتلر، وإيطاليا بقيادة موسوليني، واليابان التي كانت تتراجع في ظل الخسائر الكبيرة التي واجهتها في جنوب شرق آسيا. والسبب الذي دعا إلى عقد هذا المؤتمر في خضم الحرب العالمية الدائرة هو قناعة المسؤولين في وزارتي الخزانة ووزارة الخارجية الأمريكية بأن عدم قدرة الدول الكبرى على تأسيس نظام اقتصادي عالمي قائم على التعاون بين الدول العظمى لتأسيس مرحلة جديدة من السلام والانتعاش الاقتصادي في أعقاب الحرب العالمية الأولى هو السبب الذي أدى إلى اندلاع الحرب مرة أخرى. ولذلك كانوا أكثر إصرارا على تأسيس نظام نقدي جديد، أطلق عليه المستشار في وزارة الخزانة الأمريكية هاري ديكستر وايت (اتفاق جديد لعالم جديد)، وذلك لتأسيس مرحلة تحقق السلام والتعاون الاقتصادي بعد الحرب، ويكون النظام النقدي العالمي هو أحد المكونات الرئيسة لهذا السلام العالمي. وفي الوقت نفسه كان لدى المسؤولين الأمريكيين قناعة بأهمية أسبقية الولايات المتحدة في تصميم ورعاية هذا النظام النقدي العالمي بما يسهم في تعزيز تفوق الولايات المتحدة السياسي والاقتصادي على حد سواء. نتيجة هذا المؤتمر تأسيس مؤسستين ماليتين دوليتين – هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير (الذي تحول فيما بعد إلى مجموعة البنك الدولي) – واللتين تقومان حاليا بمهام رئيسة في إدارة دفة الاقتصاد العالمي. فصندوق النقد الدولي معني باستقرار النظام النقدي الدولي إضافة إلى سياسات الاقتصاد الكلي والقطاع المالي المؤثرة على الاستقرار العالمي. ويقوم الصندوق بتحقيق هذا الهدف من خلال تأدية ثلاث وظائف رئيسة: الرقابة على اقتصاديات الدول الأعضاء فيه، والمساعدة المالية للدول التي تعاني مشاكل في ميزان المدفوعات، والمساعدة الفنية للدول الأعضاء. في حين يعمل البنك الدولي على تشجيع التنمية الاقتصادية طويلة الأجل والحد من الفقر من خلال توفير الدعم الفني والمالي لمساعدة البلدان الأعضاء في إصلاح قطاعات معينة أو تنفيذ مشروعات استثمارية محددة. وتحصل المؤسستان على مواردهما من مساهمات الدول الأعضاء من خلال الحصص، أو من خلال الاقتراض من الدول الأعضاء ذات الأوضاع المالية الجيدة. ومن خلال هذه المهام تسهم هاتان المؤسستان في وضع الأطر التنظيمية التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين الدول بحيث لا يكون هناك تنافس يؤدي إلى تضارب في هذه السياسات، وتفاوت كبير في المصالح. وبمعنى آخر، فإن صندوق النقد والبنك الدوليين يعملان على وضع المصالح والمنافع الاقتصادية للدول في إطار مشترك يحقق الفائدة للجميع، وكذلك يقسم المسؤوليات حسب الإمكانات الاقتصادية للدول. وهذا يتم من خلال إطار للتفاهم والتفاوض بين الدول الأعضاء في المؤسستين في إطار مجالس الإدارة التي تمثل فيها جميع الدول الأعضاء، وتسهم في اتخاذ القرارات اليومية لهما. كذلك تلعب هاتان المؤسستان دورا مهما في لفت الانتباه إلى المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي، واقتراح السياسات اللازمة للتعامل معها. وقد نبعت فكرة تأسيس هاتين المؤسستين من خلال خطة وضعها الاقتصادي المعروف جون ماينارد كينز حينما كان مستشارا للحكومة البريطانية التي كانت تعاني تراكم ديون الحرب عليها وتحتاج إلى تمويل من الولايات المتحدة لمساعدتها على مواجهة متطلبات الحرب، والمستشار هاري ديكستر وايت الذي كان يعمل مستشارا في وزارة الخزانة الأمريكية. كينز ووايت اعتقدا أن هناك حاجة إلى وضع عملية التمويل الدولي – وخصوصا الإقراض للدول – تحت إطار تتحكم فيه الدول وليس المؤسسات المالية التي يملكها القطاع الخاص. ولذلك قدم كل منهما خطة لتأسيس نظام نقدي جديد تقوم فيه المؤسسة الجديدة – فيما بعد أصبحت صندوق النقد الدولي – بدور رئيس في عملية تمويل عجوزات المدفوعات للدول. ودون الدخول في تفاصيل التفاوض التي تمت كان بطلاها كينز ووايت، فقد أثمرت هذه الجهود عن تأسيس صندوق النقد الدولي ليكون له دور مركزي في تنظيم النظام النقدي العالمي. وهناك جدل كبير في أوساط المهتمين بصندوق النقد والبنك الدوليين حول هاتين المؤسستين – خصوصا صندوق النقد الدولي للتأثير الكبير لسياسته على الدول - من حيث سيطرة الدول المتقدمة وبالتحديد الولايات المتحدة والدول الأوروبية على قرارات هاتين المؤسستين، حيث تمثل القوة التصويتية لها ما يقارب الـ50 في المائة. ما يعني أن السياسات التي تتبناها أجهزة القرار في الصندوق والبنك تمثل بشكل أكبر مصالح هذه الدول بالدرجة الأولى. وهذا ظهر جليا في تجارب كثيرة لتعامل صندوق النقد الدولي مع سياسات أسعار الصرف وحركة رؤوس الأموال وسياسة مشروطية القروض التي تقدمها المؤسستان. لكن الكل يجمع أن هذه النظرة تغيرت كثيراً خلال العقد الأخير عندما أصبح صندوق النقد والبنك الدوليين أكثر اهتماما ومراعاة لمصالح الدول النامية والاقتصادات الصاعدة بالنظر إلى تزايد دورها وتأثيرها في الاقتصاد العالمي. وكالعادة فإنه خلال الأزمات يبرز دور صندوق النقد الدولي بشكل أكبر ويصبح تحت الأضواء، وهذا ظهر جلياً في التعامل مع الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في عام 2008حيث أسهم الصندوق خلال هذه الأزمة في تمويل كثير من الدول التي عانت تبعاتها، إضافة إلى دعم دور مجموعة العشرين للتوصل إلى تحرك مشترك من أهم الاقتصادات وأكثرها تأثيرا في العالم بتقديم المشورة لأفضل الطرق للتعامل مع الأزمة والحد من انتشارها. على سبيل المثال، قدم الصندوق فكرة تأسيس خطوط ائتمان للدول التي تتمتع بسياسات اقتصادية جيدة ولكنها تعاني تداعيات الأزمة عليها، كالمكسيك وبولندا وكولومبيا، بحيث توفر ضمانة تلجأ إليها عندما تزيد الضغوط المالية الخارجية. إضافة إلى ذلك، أسهم الصندوق في دعم دول منطقة اليورو جراء تداعيات الأزمة في اليونان والبرتغال وإيرلندا وقبرص. وهذا الأخير أدى إلى انتقادات كبيرة لدور الصندوق في منطقة اليورو الذي كان محكوما برؤية وتوجهات الدول الرئيسة في المنطقة كألمانيا بالنظر إلى أن المساهمة المالية للصندوق أقل بكثير مما قدمته دول منطقة اليورو، ما أثار تساؤلات كثيرة في أوساط المهتمين حول قدرة الصندوق على تقديم رأي أكثر استقلالا وممثلا للدول الأعضاء فيه. التحدي الأكبر بالنسبة لصندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي هو استمرار المرجعية أو الأهمية بالنسبة لهاتين المؤسستين في ظل دخول لاعبين جدد في مجال التمويل الدولي الرسمي، ما يشكل منافسة لدور هذه المؤسسات، ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأنها يمكن أن تحل مكانها. ومن هذه المؤسسات تدابير التمويل الإقليمية الناشئة كآلية الاستقرار الأوروبية ESM ، وبنك البريكس، وعدد من التدابير الائتمانية الإقليمية الأخرى. وكذلك بروز دور منافس أيضا لصندوق النقد الدولي من خلال خطوط الائتمان التي تقدمها البنوك المركزية، وتأسيس صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يعتقد البعض أنه سيشكل منافسا كبيرا لدور البنك الدولي في هذا المجال. لكن ما يميز هاتين المؤسستين – صندوق النقد والبنك الدوليين – هو العضوية الشاملة لأغلب دول العالم تقريبا فيها، ما يعطيها دورا متميزا في وضع السياسات التي تتبعها الدول على المستوى الدولي كتلك المتعلقة بسياسات سعر الصرف، أو المتعلقة بتدفقات رأس المال، أو السياسات والممارسات المتعلقة بالاستثمار. لذلك، لن يكون لهذه المؤسسات الجديدة دور منافس لصندوق النقد والبنك الدوليين في هذا المجال. أما في مجال التمويل، فإنها ستشكل منافسا إلى الحد الذي يقلل من دور صندوق النقد والبنك الدوليين في رسم السياسات المرتبطة بعمليات التمويل. لكن حتى الدول التي تسهم في هذه المؤسسات الناشئة وترعى تأسيسها، فإنها حريصة على وجود الصندوق والبنك لتمويل العمليات بشكل مشترك نظرا للخبرة التي يمتلكانها في رسم السياسات المرتبطة بالتمويل. لذلك، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للصندوق والبنك الدوليين هو كيفية العمل في إطار مشترك مع لاعبين آخرين في مجال التمويل الدولي الرسمي بما يكفل بقاء دورهما المركزي في هذا المجال.
إنشرها
مكاسب الدولار في 2016 .. 10 % أمام اليورو واليوان

مكاسب الدولار في 2016 .. 10 % أمام اليورو واليوان

يتوقع تحليل لـ”الاقتصادية” صعود الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسة خلال العام الجاري 2016، وهي اليورو...

رفع الفائدة الأمريكية .. بداية النهاية لعصر «النقود الرخيصة»

رفع الفائدة الأمريكية .. بداية النهاية لعصر «النقود الرخيصة»

أخيرا اتخذ القرار الذي ترقبته الأسواق والمؤسسات المالية والبنوك المركزية لسنوات طويلة، فقد عزمت جانيت يلين...

2016 .. هيكلة سوق العملات الدولية
2016 .. هيكلة سوق العملات الدولية

بكل المعاير يعد عام 2015 عاما مفعما بالأحداث الجسام في سوق العملات الدولية، فالأمر لم يتوقف عند تراجع...

Author

البنك الآسيوي للاستثمار .. لاعب جديد بمهارات متخصصة

|
يعد الإطلاق التاريخي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية في الأسابيع المقبلة حدثا مرتقبا للغاية ــ وهو يستحق كل هذا الاهتمام. فمع بدء العمليات، ينضم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية إلى أسرة المؤسسات المالية المتعددة الأطراف في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية على نطاق واسع في آسيا. وسوف يؤدي الاستثمار السليم المستدام في البنية الأساسية إلى نتائج أفضل في مجال التنمية، فضلا عن تحسين حياة المواطنين الآسيويين وسبل معيشتهم، وتوليد تأثيرات جانبية إيجابية في أجزاء أخرى من العالم. على مدى العام الماضي، التقيت بأناس من مختلف أنحاء العالم وكل مناحي الحياة، وكثيرا ما طلب مني أن أفسر لماذا نحتاج إلى بنك تنمية آخر متعدد الأطراف، وكيف قد يكون البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية مختلفا عن البنك الدولي أو بنك التنمية الآسيوي على سبيل المثال. الواقع أن الإجابات واضحة. فقد تزايدت أهمية آسيا والدور الذي تلعبه على الساحة الدولية، ولكن المنطقة تواجه ثغرات شديدة واختناقات شائكة في البنية الأساسية. وقد تنامت احتياجات الاستثمار في البنية الأساسية في آسيا بشكل كبير، وسوف تعمل موارد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية ببساطة على زيادة مجمع الموارد المتعددة الأطراف المتاحة للمساعدة في تلبية هذه الاحتياجات. وهناك فضلا عن ذلك مساحة كبيرة يستطيع البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية من خلالها مساعدة البلدان الأعضاء في تحديث الطرق والسكك الحديدية والموانئ؛ وتعزيز فرص الحصول على الكهرباء؛ وتوسيع خدمات الاتصالات؛ وتحديث التخطيط الحضري؛ وتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي. وسوف نقوم بكل هذا بشكل جيد وتعاوني وعلى الوجه الصحيح، بوصفنا شريكا يعتمد عليه في التنمية المتكاملة. ويتمتع الأعضاء المؤسسون برؤية إدارية واضحة: فسوف نحدد مستوى واضحا عاليا للأداء التنظيمي والحوكمة، من خلال دعم مبادئ الانفتاح، والشفافية، والمساءلة، والاستقلال باعتبارها المبادئ المؤسسية الأساسية للبنك. ويفرض ميثاقنا المساءلة المباشرة على إدارة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية لضمان تحول هذه المبادئ إلى قيم عضوية أساسية وليس مجرد شعارات. وأنا شخصيا أتبنى هذا التحدي، وألتزم بشدة بتعزيز ثقافة مؤسسية ترتكز على أعلى المبادئ والمعايير الأخلاقية. ولكن كيف سنفعل كل هذا؟ في صياغة النظام الأساسي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية وإطار سياساته العامة، عملنا مع مجموعة متنوعة من الخبراء الدوليين لاستخلاص الدروس من المؤسسات المتعددة الأطراف القائمة ومن شركات القطاع الخاص الناجحة. وقد عقدنا جولات مكثفة من المناقشات الفنية مع المساهمين في البنك لضمان قدرته على عكس أهداف مالكيه وتطلعاتهم في كل من أنشطة الإقراض والعمليات الداخلية. وأنا على يقين من تلبية الأسس السياسية التي يقوم عليها البنك للمعايير العالمية. ونحن نعمل الآن على تجنيد فريق من الإداريين والمختصين على أعلى مستوى لضمان التنفيذ الفعال لهذه الأسس. وسوف يتأكد المساهمون في البنك، من خلال تنفيذنا لتفويضنا، من قدرة البنك على التعلم من الماضي وإدراك احتمالات المستقبل ــ لإدارة الأمور على نحو مختلف والقيام بأمور مختلفة. وسوف تعمل عديد من السمات التي تميز البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية على تيسير هذه المهمة. فبادئ ذي بدء، تعكس هياكل الملكية والمساهمة الفريدة التي يتبناها البنك الشخصية الإقليمية للمؤسسة وتزود الأعضاء بقدرة تصويتية أكبر في توجيه السياسات واتخاذ القرار. ويشهد الحوار الثري بين الأعضاء المؤسسين أثناء وضع النظام الأساسي للبنك وإطاره السياسي على ملكية المساهمين القوية لتفويض البنك ومهمته والتزامهم بها. علاوة على ذلك، سوف يعمل تفويض البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية الجغرافي والقطاعي المتخصص على تمكينه من تقديم مهارات متخصصة، وخبرات مركزة، ومعرفة مكثفة بالسوق، كما ستضعه بنيته التنظيمية ومرونته في اختيار موظفيه في موقف يسمح له بالاستجابة الرشيقة لطلب العميل والاحتياجات الناشئة. وسوف يكون نهجنا في البحث انتقائيا واستراتيجيا، وسوف يسمح لنا نموذج العمل الذي يركز على النتائج بتقديم أحدث المعارف والخدمات المالية المصممة خصيصا لكل عميل. وسوف يلعب البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية دورا محفزا. فسوف نوظف ونحشد التمويل العام والخاص، بما في ذلك المستثمرون المؤسسون، ونساعد العملاء في تحسين ربحية المشاريع من خلال تشجيع الشفافية والكفاءة والالتزام بالمعايير المقبولة ــ بما في ذلك المعايير البيئية والاجتماعية ــ وبالتالي الحد من المخاطر. وسوف يضمن تصميم البنك وإدارته التنظيمية المتكاملة كفاءة العمليات وفعاليتها بما يتماشى مع أهدافه الاستراتيجية وقيمه التنظيمية. وسوف يعمل مجلس إدارته غير المقيم على تعزيز المساءلة والكفاءة والفعالية من حيث التكلفة، في حين يلعب دورا أكبر في تحديد الاستراتيجية، ووضع السياسة العامة، وممارسة الرقابة والإشراف. في نهاية المطاف، سوف تعتمد سمعة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية ومصداقيته على مكانة موظفيه وقدراتهم. وسوف نوظف أفضل المواهب في السوق من خلال عملية تنافسية قائمة على الجدارة، من دون اعتبار لجنسية المرشحين. وعلى نحو مماثل، لن تعمل الجنسية على تقييد معاملات شراء السلع والخدمات لمصلحة العمليات التي يمولها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية. وسوف تكون عملياتنا رشيقة ونظيفة وخضراء. وهذا يعني السيطرة على البيروقراطية والحفاظ على بنية تنظيمية ثابتة تقريبا؛ وإدارة التكاليف واستخدام التكنولوجيا الحديثة بفعالية؛ وتجنب الازدواجية والتداخل الوظيفي. وسوف يبني البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية هيئته المهنية تدريجيا، فيكمل الخبرات الداخلية بالمهارات الاستشارية المتخصصة. وسوف تحدد صلاحيات العاملين بعناية لتجنب العمالة الناقصة والعمالة الزائدة عن الحاجة في المستقبل. وهذا يعني أيضا تعزيز ثقافة مؤسسية تقوم على النزاهة المهنية والإدارة المثالية التي لا تتسامح مع الفساد. ذلك أن أفضل السياسات على الورق تصبح بلا قيمة أو معنى ما لم يتم تنفيذها بدقة ونزاهة وشفافية. كما يعني أخيرا، الحرص على الاستدامة. فسوف يعمل البنك على إعلاء مبادئ التنمية المستدامة في تحديد المشاريع والإعداد لها وتنفيذها. وتمثل إدارة المخاطر والتأثيرات البيئية والاجتماعية عنصرا أساسيا في ضمان نتائج التنمية الناجحة. وسوف ندعم عملاءنا في إدارة هذه المخاطر على النحو اللائق من خلال المعرفة والخبرة والموارد. إن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية مؤسسة واعدة إلى حد عظيم في منطقة عظيمة الاحتياجات. وأنا على يقين تام من قدرته، عندما يفتح أبوابه للعمل في عام 2016، على تحقيق إمكاناته وتلبية الأهداف والمعايير التي يحددها مساهموه ــ والسعي إلى التفوق على هذه الأهداف والمعايير وترقيتها. حقوق النشر خاصةبصحيفة «الاقتصادية»
إنشرها
50 % من المديرين التنفيذيين في العالم مستعدون لمخاطر أمنية تقنية
50 % من المديرين التنفيذيين في العالم مستعدون لمخاطر أمنية تقنية

نشرت “كي بي إم جي” دراسة كانت قد أجرتها، التي تتبعت بها التنبهات حول السنوات الثلاث المقبلة، حيث جاء فيها...

تاريخ المصارف.. من «حضارة بابل» إلى «قلاع سويسرا»
تاريخ المصارف.. من «حضارة بابل» إلى «قلاع سويسرا»

التقنيات الجديدة التي لا تتوقف عن النمو، غيَّرت، بل تُغيِّر في كل ساعة وقائع العالم الصغيرة، ومثلما غيَّرت...

Author

الاقتصاد العالمي وآلام المخاض

|
قد يتطلب التباطؤ الاقتصادي الكوكبي الحالي، الذي بدأ عام 2008 بالأزمة المالية في الولايات المتحدة، معدلات تحمل قياسية جديدة. ولكن المؤكد هو أنه مع تباطؤ النمو في اليابان وكذلك في الصين، ومع الأزمة العميقة في روسيا ومع التعافي الهزيل في منطقة اليورو، لا يمكن القول إن الاقتصاد العالمي قد خرج من دائرة الخطر. إن هذا "الركود المستمر" فضلا عن بعض النزاعات السياسية العالمية ليست سوى تجليات لتحول أعمق في الاقتصاد الكوكبي ــ تحول يقف خلفه نوعان من الابتكارات: توفير الأيدي العاملة وربط أوصال العمل بعضها بعضا. ورغم أننا نعرف منذ زمن طويل ابتكار توفير الأيدي العاملة، فقد ازداد مع الوقت رسوخا. فالمبيعات الكوكبية للإنسان الآلي الصناعي، على سبيل المثال، بلغت 225000 عام 2014 أي بنسبة زيادة تبلغ 27 في المائة كل سنة مقارنة بالسنة السابقة عليها. على أن التحول الأعمق يتمثل في توسع تكنولوجيا "ربط العمل": فالاختراعات الرقمية طوال العقود الثلاثة المنصرمة مكنت الناس الآن من العمل لصالح أرباب عمل أو شركات في بلدان مختلفة دون الحاجة للهجرة إليها. وتحولت هذه التغييرات إلى نزعة إحصائية ملحوظة في البلدان مرتفعة ومتوسطة الدخل. هذا بينما ينخفض إجمالي دخل العمل كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في جميع المجالات وبمعدلات نادرا ما حدثت. فقد هبط دخل العمل من عام 1975 إلى 2015 من 61 في المائة إلى 57 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وفي أستراليا من 66 في المائة إلى 54 في المائة، وفي كندا من 61 في المائة إلى 55 في المائة، وفي اليابان من 77 في المائة إلى 60 في المائة، وفي تركيا من 43 في المائة إلى 34 في المائة. وفي الاقتصادات الناشئة يجري تخفيف وطأة ابتكار توفير الأيدي العاملة على المدى المتوسط بالاستعانة بتكنولوجيات ربط العمل. ويمكن للاقتصادات الناشئة أن تستفيد للغاية من هذا التغيير البنيوي الكوكبي ــ حيث العمالة بها رخيصة الأجر وبوسعها تنظيم صفوفها جيدا بالقدر الكافي لتشييد البنية التحتية الأساسية وتوفير الأمن. ويتجسد هذا بالأرقام. ففي عام 1990 كان 5 في المائة فقط من الشركات على قائمة "فورتشن 500" من الاقتصادات الناشئة، بينما بلغت هذه النسبة الآن 26 في المائة. وتحتل الشركات الصينية مكانة بارزة في القائمة، وفي الهند انطلق قطاع تكنولوجيا المعلومات منذ تسعينيات القرن المنصرم ليرفع معه معدل نمو الاقتصاد بأكمله. وتعد الشركة الماليزية بتروناس للنفط والغاز، التي أسست عام 1974، بمشاريعها في 35 دولة، واحدة من "الشقيقات السبع" الجديدات ــ أي شركات الطاقة التي تهيمن الآن على السوق الكوكبية. لا شك أن عديدا من الاقتصادات الناشئة تعاني الفساد وهبوط أسعار السلع الأساسية، والبرازيل، حيث من المتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 3 في المائة عام 2015، هي مثال ساطع لهذه الظاهرة. ومع ذلك، فالبلدان الوحيدة التي تسجل معدلات عالية لنمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي هي بلدان الاقتصادات الناشئة بما في ذلك فيتنام (6.5 في المائة) والهند والصين وبنجلادش ورواندا (قرابة 7 في المائة) وإثيوبيا (أعلى من 9 في المائة). وما نحن من المرجح أن نراه عام 2016 وما بعده هو الأداء المتباين، مع مضي الاقتصادات الناشئة، القادرة على التكيف مع العالم الجديد، قدما إلى الأمام. وحتى بينما هذا يحدث، ستعاني البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط ضغوطا، حيث سيخوض عمالها منافسة للحصول على وظائف في سوق عمل تحول إلى سوق كوكبية، بينما سيميل التفاوت في دخولهم إلى الزيادة، وستزداد أيضا وتيرة وشدة الصراع السياسي. وسيكون من الخطأ الرد على هذا، كما يقترح بعض السياسيين، منع الاستعانة بمصادر خارجية، إذ قد تفضي التكلفة العالية للإنتاج في هذه البلدان إلى خروجها من المنافسة في الأسواق الكوكبية. ومع استمرار الزحف التكنولوجي، ستستفحل في نهاية المطاف هذه الضغوط لتغطي أرجاء العالم، ومع تقلص مكتسبات العمال، سيتفاقم التفاوت الكوكبي ــ الذي بلغ بالفعل حدا لا يطاق. وبينما هذا يحدث، سيتمثل التحدي في ضمان ألا ينتهي كل النمو في الدخل إلى خزائن أولئك الذين يملكون الآلات والأسهم. إنه تحد مماثل للتحدي الذي واجهته المملكة المتحدة إبان الثورة الصناعية في مطلع القرن التاسع عشر. ففي ذلك الحين تفشت ظاهرة عمالة الأطفال وكانت تعد أمرا طبيعيا، وكان العمال يعملون بشكل روتيني 14 ساعة أو أكثر في اليوم، بينما كان المحافظون يزعمون أن الكدح المستمر يساعد على بناء الشخصية (ومن نافلة القول إنهم لا يعنون بذلك شخصياتهم هم بل شخصيات أناس آخرين). وكان نشاط الجماعات التقدمية وكتابات المثقفين والجهود المضنية التي بذلت هي التي أفضت إلى صياغة قوانين المصانع التي قضت على هذه الممارسات الكريهة، ومكنت المملكة المتحدة من تجنب الكارثة والتحول إلى طاقة للنمو والتنمية. ويمكننا بالعودة إلى سجلات الأرشيف معرفة عمق التغير الذي طرأ على تفكيرنا. ففي عام 1741 أشار جون وايت أثناء ترويجه لآلة غزل جديدة تعمل بالبكر من اختراعه، إلى الكيفية التي سيمكن بها اختراعه ملاك المصانع من استبدال 30 من العمال البالغين بـ"عشرة من العجزة والأطفال". وذهب المدعي العام الذي منح جون وايت براءة الاختراع أبعد من ذلك قائلا: "حتى الأطفال في أعمار الخامسة أو السادسة" يمكنهم تشغيل هذه الآلة. والآن، آن الأوان للمضي في جولة أخرى من الإصلاح الفكري والسياسي. إن أحد أشكال الظلم المروع في عالمنا هذا هو أن أشد أشكال الظلم الإنساني تقع مباشرة مع الولادة، حيث يعاني أطفال يولدون في أسر معدمة سوء التغذية والتقزم منذ اللحظة الأولى لولادتهم، بينما عدد قليل من الأطفال يرون النور كورثة لمخازن ضخمة من الدخل والثروة المكدسة. وسيتعمق هذا التفاوت مع انخفاض دخل العمل مسببا أزمات اقتصادية وسياسية متنوعة. وسيتطلب التصدي لهذه الأزمات، في المقام الأول، بذل جهد أكبر لنشر التعليم وبناء المهارات وتوفير الرعاية الصحية الشاملة. وسنكون بحاجة إلى تفكير ابتكاري لتحقيق هذه الأهداف. بيد أننا بحاجة أيضا إلى التفكير في سبل جديدة لتعزيز دخل العمل. ومن الأمثلة على ذلك أشكال معينة لتقاسم الأرباح، فإذا امتلك العاملون حصة في شركاتهم، لن تكون الابتكارات التكنولوجية مصدرا للقلق لأنه سيتم تعويض الخسائر في الأجور بالزيادة في صافي عائد المساهمة في رأس المال. ولقد تناول هذا الموضوع اقتصاديون وباحثون قانونيون بما في ذلك مارتن ويتزمان وريتشارد فريمان وروبرت هوكيت. ولكن، ومثلما هو الحال مع كل الابتكارات، يتطلب الأمر أبحاثا كثيرة لكي نسير على الطريق الصحيح. وما علمنا عام 2015 هو أننا لا نملك رفاهية ألا نفعل شيئا. نائب أول لرئيس البنك الدولي ورئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك، وأستاذ الاقتصاد بجامعة كورنيل.
إنشرها
Author

الوعكة الكبرى تستمر

|
كان 2015 عاما صعبا من كل الجهات وعلى المستويات كافة. فقد انزلقت البرازيل إلى الركود. وشهد الاقتصاد الصيني أولى عثراته الخطيرة بعد ما يقرب من أربعة عقود من النمو السريع. وتمكنت منطقة اليورو من تجنب الانهيار بسبب اليونان، ولكن حالة من شبه الركود استمرت هناك، وتسهم في قدوم ما سيعد بعد ذلك عقدا ضائعا بكل تأكيد. أما عن الولايات المتحدة، فكان المفترض أن ينتهي بنهاية عام 2015 آخر فصول أزمة الركود العظيم التي بدأت في عام 2008؛ ولكن ما حدث هو أن التعافي الأمريكي كان متواضعا. الواقع أن كريستين لاجارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي، أعلنت الحالة الراهنة للاقتصاد العالمي بوصفها “الاعتيادي الجديد”. ويخشى آخرون، من أولئك الذين يعودون بذاكرتهم إلى التشاؤم العميق الذي ساد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أن ينزلق الاقتصاد العالمي إلى الكساد، أو على الأقل الركود المطول. في أوائل عام 2010، حذرت في كتابي “السقوط الحر”، الذي يصف الأحداث التي أدت إلى اندلاع أزمة الركود العظيم، من أن العالم يخاطر في غياب الاستجابة اللائقة بالانزلاق إلى ما أسميته “الوعكة الكبرى”. ومع الأسف، كنت على حق: فنحن لم نقم بالعمل المطلوب، وانتهت بنا الحال إلى ما خشيت أننا كنا في الطريق إليه على وجه التحديد. الواقع أن الحسابات الاقتصادية لهذه الحالة من الجمود يسهل فهمها، وسبل العلاج متاحة بسهولة. إن العالم يواجه نقصا في الطلب الكلي، الذي كان ناجما عن تركيبة تألفت من اتساع فجوة التفاوت وموجة هوجاء من التقشف المالي. ولأن أصحاب أعلى الدخول ينفقون أقل كثيرا مما ينفقه أصحاب أدنى الدخول، فإن الطلب يتجه إلى الانخفاض مع تحرك المال إلى الأعلى. وتسهم بلدان مثل ألمانيا، التي تحافظ بشكل ثابت على فوائض خارجية، إلى حد كبير في تفاقم مشكلة عدم كفاية الطلب الكلي. ومن ناحية أخرى، تعاني الولايات المتحدة بشكل أخف التقشف المالي السائد في أوروبا. فكان عدد العاملين الذين عينهم القطاع العام في الولايات المتحدة أقل بنحو 500 ألف شخص مقارنة بالعدد قبل الأزمة. ومع التوسع الطبيعي في التوظيف الحكومي منذ عام 2008، فإن العدد كان ليزيد بنحو مليونين. وعلاوة على ذلك، يواجه قسم كبير من العالم ــ وبصعوبة ــ الحاجة إلى التحول البنيوي: من التصنيع إلى الخدمات في أوروبا وأميركا، ومن النمو القائم على التصدير إلى الاقتصاد المدفوع بالطلب المحلي في الصين. وعلى نحو مماثل، فشلت أغلب الاقتصادات التي تعتمد على الموارد الطبيعية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية في اغتنام الفرصة التي وفرتها طفرة أسعار السلع الأساسية التي استندت على صعود الصين لإنشاء اقتصاد متنوع؛ وهي الآن تواجه العواقب المترتبة على انخفاض أسعار صادراتها الرئيسة. ولم تكن الأسواق قادرة قط على إحداث هذه التحولات البنيوية بسهولة من تلقاء ذاتها. هناك احتياجات عالمية ضخمة لم تلب بعد ومن الممكن أن تساعد في حفز النمو. فمشاريع البنية الأساسية وحدها قادرة على امتصاص تريليونات من الدولارات في الاستثمار، وليس في العالم النامي فقط، بل وأيضا في الولايات المتحدة التي كانت مقصرة في الاستثمار في بنيتها الأساسية لعقود من الزمن. وعلاوة على ذلك، يتعين على العالم بأسره أن يعدل ممارساته حتى يتمكن من مواجهة واقع الانحباس الحراري الكوكبي. ورغم عودة مصارفنا إلى مستوى معقول من الصحة، فقد أظهرت عدم صلاحيتها لتلبية الغرض منها. فهي تتفوق في الاستغلال والتلاعب بالسوق؛ ولكنها فشلت في أداء وظيفتها الأساسية المتمثلة في الوساطة. فبين المدخرين لآجال طويلة (على سبيل المثال، صناديق الثروة السيادية وأولئك الذين يدخرون للتقاعد) والاستثمار الطويل الأجل في البنية الأساسية يقف قطاعنا المالي المختل القصير النظر. ذات يوم، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق بن برنانكي إن العالم يعاني “تخمة ادخار”. وربما كانت الحال لتصبح هكذا بالفعل لو كان الاستخدام الأفضل للمدخرات العالمية هو الاستثمار في مساكن رديئة في صحراء نيفادا. أما في العالم الحقيقي، فهناك نقص في الأموال؛ حتى المشاريع ذات العوائد الاجتماعية المرتفعة كثيرا من تعجز عن الحصول على التمويل. يتلخص العلاج الوحيد للوعكة العالمية في زيادة الطلب الكلي. وقد يسهم في ذلك إعادة التوزيع البعيدة المدى للدخل، وكذا الإصلاح العميق لنظامنا المالي ــ ليس من خلال الاكتفاء بمنعه من إلحاق الضرر ببقيتنا، بل أيضا بحمل المصارف وغيرها من المؤسسات المالية على القيام بما يفترض أن تقوم به: التوفيق بين المدخرات الطويلة الأجل واحتياجات الاستثمار الطويلة الأجل.بيد أن بعض مشاكل العالم الأكثر أهمية سوف تتطلب استثمارات حكومية. فمثل هذه النفقات مطلوبة في مجال البنية الأساسية، والتعليم، والتكنولوجيا، والبيئة، وتيسير التحولات اللازمة في كل ركن من أركان الأرض.الواقع أن العراقيل التي يواجهها الاقتصاد العالمي لا ترجع إلى أسباب اقتصادية، بل سياسية وإيديولوجية. فقد أوجد القطاع الخاص التفاوت بين الناس وتسبب في تدهور البيئة، وهو ما بات لزاما علينا اليوم أن نتعامل معه. ولن تتمكن الأسواق من حل هذه المشاكل الحرجة وغيرها من المشاكل التي أوجدتها، أو استعادة الازدهار، من تلقاء ذاتها. والحاجة واضحة إلى سياسات حكومية نشطة. وهذا يعني بالضرورة التغلب على الهوس بالعجز. فمن المنطقي أن تلجأ الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا القادرة على الاقتراض بأسعار فائدة حقيقية سلبية إلى الاقتراض لتنفيذ الاستثمارات اللازمة. وعلى نحو مماثل، في أغلب الدول الأخرى، تجاوزت معدلات العائد على الاستثمار العام تكاليف الأموال إلى حد كبير. أما عن الدول حيث الاقتراض مقيد، فهناك سبيل إلى الخروج يستند إلى مبدأ معمول به منذ فترة طويلة ويتمثل في مضاعف الميزانية المتوازنة: فالزيادة في الإنفاق الحكومي التي تصاحبها زيادة مماثلة في الضرائب تعمل على تحفيز الاقتصاد. ولكن من المؤسف أن عديدا من البلدان، بما في ذلك فرنسا، منشغلة بتقلصات الميزانية المتوازنة. يقول المتفائلون إن عام 2016 سوف يكون أفضل من عام 2015. ولعل هذه النبوءة تصدق حقا، ولكن بدرجة غير ملحوظة. لذا، فما لم نعمل بجدية على معالجة مشكلة نقص الطلب الكلي العالمي، فسوف تستمر الوعكة الكبرى.
إنشرها
Author

التضامن الأوروبي .. اختبار شديد القسوة

|
تعد نهاية العام دوما وقتا مناسبا لمراجعة الحقائق والتثبت من الأمور. وفي نهاية العام الماضي، نستطيع أن ننظر إلى الوراء إلى عام شهد صمود التضامن الأوروبي ــ الذي كان عرضة لخطر الظهور بمظهر مسرحي مبتذل ــ في وجه ما قد يمكننا اعتباره أعظم المحن التي ربما واجهها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد خضع التضامن الأوروبي لاختبار شديد القسوة طيلة القسم الأعظم من العام بفعل الأزمة اليونانية ــ التي لا تزال عواقبها الاقتصادية والاجتماعية محسوسة في منطقة اليورو ومختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي. فمنذ بداية العام، اختبرت المحادثات بشأن اليونان صبرنا جميعا. وقد خسرنا قدرا كبيرا من الوقت والثقة. وأحرقت الجسور، وقيلت كلمات لا يمكن سحبها بسهولة. ورأينا الديمقراطيات في أوروبا تنقلب على بعضها بعضا. وفي مجمل الأمر، كانت أوروبا تحدق في الهاوية. ولم نتمكن من التراجع عنها إلا عندما أصبحنا على الحافة. وفي نهاية المطاف وقفت بلدان الاتحاد الأوروبي بجانب اليونان، وبذلت التعهدات، والتزم بها الجميع ونفذوها، والآن أصبح لدينا منهاج جديد. وكانت الغلبة للتضامن الأوروبي، وبدأت الثقة تتعافى. وتتلخص الضرورة الأساسية الآن في تنفيذ الإصلاحات، واستمرار المفوضية الأوروبية في دعم اليونان من خلال هيئة دعم الإصلاح البنيوي الجديدة، فضلا عن تقديم المساعدة الفنية في كل خطوة على الدرب الذي لا يزال طويلا. ومن ناحية أخرى، يظل التضامن الأوروبي خاضعا لاختبار أزمة اللاجئين. في وقت سابق من هذا العام، دفعت المفوضية الأوروبية بسياسة شاملة في التعامل مع الهجرة واتخذت خطوات فورية لإدارة الأزمة. وقد ضاعفنا وجودنا في البحر الأبيض المتوسط إلى ثلاثة أمثاله، فساعدنا في إنقاذ الأرواح. وقد قاومنا شبكات التهريب والمتاجرة في البشر الإجرامية. وأثبتنا تضامننا من خلال الاتفاق على إعادة توزيع أولئك الذين هم في أشد الاحتياج إلى الحماية الدولية بين البلدان الأعضاء. وقد بدأنا الآن إعادة توطين اللاجئين من خارج أوروبا، كما نعمل بشكل وثيق مع تركيا، التي تلعب دورا حاسما في المنطقة. وأطلقنا أيضا شراكة جديدة مع إفريقيا لمعالجة الأسباب الأساسية التي تدفع الناس إلى الهجرة. وتواصل وكالات الاتحاد الأوروبي مساعدة السلطات المحلية المثقلة بالأعباء غالبا في البلدان الأعضاء الأشد تضررا بالأزمة لتحديد وغربلة وتعيين هوية المهاجرين الوافدين، وتسريع إجراءات فحص طلبات اللجوء، وتنسيق إعادة أولئك غير المؤهلين. وإذا بدا الأمر وكأن الاتحاد الأوروبي توصل إلى كل الحلول لمشاكله، فالسبب هو أننا من الناحية النظرية نفعل ذلك دوما. بيد أن حقيقة الأمر بعيدة عن ذلك كثيرا. وقد أبدو وكأنني أشبه بأسطوانة مشروخة، ولكني ما زلت في حيرة من أمري، فلماذا كان الوفاء بتعهدات بذلت على أعلى مستوى سياسي صعبا إلى هذه الدرجة؟ على سبيل المثال، في قمة تلو الأخرى، يقول الزعماء إنهم يعتزمون إرسال حرس الحدود لمساعدة اليونان في حماية حدودنا الخارجية، أو الإعانات المالية لمساعدة جيراننا في الأردن ولبنان وتركيا في التعامل مع الأعداد الضخمة من اللاجئين هناك. وفي كل مرة تمر الأسابيع ولا تتحقق الأهداف ولا تلبى التعهدات. بل إننا بدلا من ذلك ننخرط في لعبة تبادل اللوم التي تؤلب بلدان الاتحاد الأوروبي على بعضها بعضا، في سباق نحو القاع حيث تتعمد الحكومات الوطنية خفض مستوى أنظمة اللجوء لجعلها أقل جاذبية من تلك لدى البلدان المجاورة؛ ويحرص الساسة من اليسار إلى اليمين على تغذية النزعة الشعبوية التي لا تجلب سوى الغضب وليس الحلول. والآن حان وقت التحلي بقدر أكبر من الثقة في قدرة أوروبا على توفير الحلول الجماعية للمشاكل التي باتت محسوسة بشدة وبشكل مستقل من قبل كل بلد عضو في الاتحاد الأوروبي. والتخلص من قوانين اللجوء في الاتحاد الأوروبي لن يلغي الالتزامات الوطنية بالتقيد بالمبادئ الإنسانية والالتزام بموجب القانون الدولي بتقديم حق اللجوء لأولئك الذين يحتاجون إليه. بل على العكس من ذلك، كان المعيار المشترك للطريقة التي تتعامل بها بلدان الاتحاد الأوروبي مع طلبات اللجوء هو الذي يوجد نظاما عادلا ويمنع الناس من التدفق إلى مكان واحد. وعلى نحو مماثل، لن نتمكن من استعادة النظام وإدارة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بفعالية إلا من خلال قوات حرس الحدود والسواحل الأوروبية التي لا تعتمد على استعداد البلدان فرادى أو توافر الفرصة السياسية لتخصيص الموارد. وإذا كان لي أن أقارن بين الجداول الزمنية لأزمة اللاجئين والأزمة المالية، فبوسعي أن أقول إننا الآن في شباط (فبراير) 2010، عندما كانت البلدان الأوروبية لا تزال تتصور أن الأدوات التي تملكها على المستوى الوطني كافية لمعالجة المشاكل التي بتنا نعلم الآن أنها كانت تتطلب استجابة أوروبية منسقة. في نهاية المطاف، لابد أن تكون الغلبة للتضامن الأوروبي. صحيح أن الهجمات الوحشية التي شهدتها باريس في تشرين الثاني / (نوفمبر) كانت موجهة إلى طريقة الحياة الأوروبية، ولكننا لن نسلم بالهزيمة. ولن نستسلم للخوف بإعادة بناء الجدران التي هدمت منذ عهد قريب. ولن نخلط بين مرتكبي هذه الجرائم البشعة وأولئك الذين يفرون منها. أوروبا هي المكان الذي ينظر إليه العالم كله باعتباره ملاذا آمنا عادلا. وسوف نرقى إلى مستوى هذه السمعة. وسوف نثبت قدرتنا على الصمود. إن التكامل الأوروبي شأن متعدد الأوجه معقد في كثير من الأحيان. ونحن لا نحسن فهمه والتعامل معه على النحو الصحيح من أول مرة. ولكن إذا كان لي أن أصف أوروبا بكلمة واحدة، فهي “المثابرة”. ونحن على المستوى الجمعي أقوى من التحديات التي تواجهنا. ومعا سوف نتوحد في مواجهة تلك التحديات التي تسعى إلى تقسيمنا. وسوف نثابر في عام 2016، وسوف ننجح.
إنشرها