سابع جار

أكتب باستمرار في موضوعي هذا لأنني أعتقد أن هناك أملا في استعادة بعض ما فقدناه من ألق الماضي وجماله. يدعم توجهي هذا ما ألاحظه من استياء الناس من الحال التي أصبحت عليها العلاقة بين الجيران، حتى وإن اجتمعوا في المساجد أو تقابلوا في الشوارع.
تستمر علامات التقدير التي يرسلها كل شخص لجاره محصورة في السلام والسؤال عن الحال لدى بعض الجيران، لكننا نفتقد الكثير مما تميز به مجتمعنا أيام البساطة والابتسامة وانعدام التكلف. يتمنى كثير من الجيران التقارب مع جيرانهم، لكن يبقى عازل الخوف من اكتشاف أو حال جديد يعوق هذا التقارب المطلوب، الذي نص عليه الدين الحنيف.
فالرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ذكر في أحد أحاديثه أن جبريل ما زال يوصيه بالجار، لدرجة توقع معها أن يورثه، لفرط تنبيهه وحرصه على أن تنتقل الرسالة لعباد الله. لعل القصص التي حملها تراثنا وتراث الأمم الأخرى عن أهمية هذه العلاقة والحاجة الماسة إليها في أحيان كثيرة تتبادر لأذهان الجميع، ولست في وارد سردها.
إنما المهم أن نتذكر أن العلاقة بين الجيران تنمو مع التقارب. حين يحاول الجار أن يتقرب ممن يسكنون حوله، فهو يسير على منهج الطبيعة الإنسانية، لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، كما أنه يؤدي واجبا شرعيا وأخلاقيا يميز الأمم التي تهتم بالقيم.
التقارب بين الجيران يستدعي أن يحرص كل منهم على مصالح جاره، فيتفقده ويشاركه أفراحه وأتراحه، ويجعل من الحياة في المكان الواحد جالبا للسعادة للجميع. كما يعني أن يخلفه بخير عند سفره أو غيبته ويحمي ممتلكاته ويراعي حرماته. هذا يتطلب التنازلات وتقديم حقوق الجار والاهتمام به، وهو ما نفتقده في كثير من الأحيان بسبب عدم تبني التوجيهات الشرعية، ناهيك عن المروءة، وهي من مقاصد الشريعة.
انتشار التعاون والمحبة في الحي، يحقق الكثير من الأهداف ويضمن الحماية ــ كذلك ــ للجميع من كل أنواع المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الحي، والمجتمع بشكل عام. هذه المنظومة تضمن ألا تتشكل داخل الحي أي بؤر فساد يمكن أن تكون خطرا على الجميع.
أتمنى أن يتبنى أهل كل حي تكوين منظومة تهتم بالجوار وترفع الحس الاجتماعي والأمني والأخلاقي لكل فئات الجيران ليستعيد الجار قدره وأهميته ومحبته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي