احرص على ما ينفعك

احرص على ما ينفعك

ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة, رضي الله عنه, أن النبي, صلى الله عليه وسلم, قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك..). وعند قراءة هذه الجملة من كلام صاحب الرسالة ترى فيها الحكمة والبلاغة النبوية، فإن قوله: "احرص على ما ينفعك" كلمة لا تقتصر على جملة من المقامات العملية فحسب بل تتعدى ذلك إلى ضبط النفس البشرية تجاه ما تعالجه من الأمور العلمية والمقامات السلوكية، فإن الغفلة عن هذا التوجيه النبوي في بعض قرون هذه الأمة أورث كثيرا من صور التأخر العلمي، ومن جملة هذه الصور ما عرض لبعض النظار في القرن الرابع الهجري وما بعده من الانشغال بجملة من المسائل العلمية الفرضية التي هي في حقيقتها صور من الترف العلمي، فترى فيها قصدا إلى التعمق والاهتمام بمقدمات كلامية كدرت صفاء العلم، وجنحت به إلى نظريات أبعدته عن روح العلم، حتى وصل الأمر إلى رسم هذه المقدمات الكلامية، والمسائل المتخيلة معيارا على سعة العلم وحسن النظر، حتى أنك لترى جملة من هذا التشقيق العلمي متداخلا على كتب شروح الحديث والتفاسير، فأورث مثل هذا استصعابا للعلوم، وصرفا لجملة من المتعلمين عنها، وأحيط طلب العلم بمقدمات ومنهجيات قدر كبير منها ليس من صلب العلم، يسعى الطالب في تحصيلها بحجة شحذ الأذهان وتدريبها، فتضيع جملة من سني الطلب في إدراك ما الفاضل عدم السعي في إدراكه ابتداء.
والقصد أن العلم آية محكمة، وأثر وسنة صادقة، أو ما يحصل عنهما من معان العلم والعمل، غايتها إيراث القلب الخشية من الله، والجوارح العمل بمراد الله، وإحاطة النفس بالتصديقات الفاضلة التي تعرفها بالحقائق، وتصنع فيها الطمأنينة، بعيدا عما لا ينفع في الأولى والعاقبة، قاصدة بالنفس المؤمنة إلى الاعتدال، وصدق القول والسداد، مباعدة لها عن الجدل والعناد، قال مسروق: كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله. والله الهادي.

الأكثر قراءة