منظمة التجارة العالمية بين يديك الحلقة (41)
منظمة التجارة العالمية بين يديك الحلقة (41)
جولات المفاوضات الشاملة لاتفاقية الجات 47 (1948- 1993) (الجزء الأول)
الجولة الأولى: جولة جنيف (1947)
أطلق على الجولة الأولى للمفاوضات، التي عقدت على هامش المؤتمر التجاري الدولي عام 1947م، اسم جولة جنيف Geneva Round . شاركت فيها 23 دولة، هي الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، جنوب إفريقيا، سورية، لبنان، جنوب روديسيا، باكستان، النرويج، نيوزيلندا، هولندا، لوكسمبورج، الهند، تشيكوسلوفاكيا، كوبا، الصين، تشيلي، سريلانكا، كندا، بورما، البرازيل، بلجيكا، وأستراليا، حيث نتج عنها، إضافة إلى المصادقة على اتفاقية الجات 74، الاتفاق على التالي:
أ ـ تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 20 في المائة في المتوسط.
ب ـ الالتزام ببدء المفاوضات الثنائية بين الشركاء التجاريين.
ج ـ تقديم أكثر من 45 ألف التزام متبادل في التخفيضات الجمركية بين الدول المشاركة في هذه الجولة طبقاً لقاعدة المورد الرئيس للسلع Principle Supplier Rule ، التي تم تعديلها فيما بعد إلى قاعدة حق التفاوضي الأولي Initial Negotiating Right.
الجولة الثانية: جولة أنسي (1949)
بدأت دول العالم، خاصة تلك الدول التي قاست اقتصادياً من الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالتعرف على معنى ومزايا التحرير التجاري للأسواق. حيث قامت بعض هذه الدول، التي لم تشارك في جولة جنيف، بدراسة اتفاقية الجات47 لتجد فيها ضالتها وقدمت طلب المشاركة في الجولة الثانية للمفاوضات الشاملة التي أطلق عليها اسم جولة أنسي Annecy Round. تم عقد هذه الجولة التي استغرقت ستة أشهر من نيسان (أبريل) إلى آب (أغسطس) 1949، على شواطئ بحيرة أنسي الواقعة على سفوح جبال الألب جنوب مدينة جنيف. شارك قي هذه الجولة القصيرة عشردول جديدة, هي إيطاليا، الدنمارك، جمهورية الدومينيك، ليبيـريا، فنلندا، نيكاراجوا، اليونان، السويد، هاييتي، وأوروجواي، وانضمت جميعها، ما عدا دولة أوروجواي، إلى اتفاقية الجات47 ليصبح عدد الدول الأعضاء في الاتفاقية 32 دولة. ونتج من هذه الجولة التزام هذه الدول بتخفيض إضافي للرسوم الجمركية على نحو خمسة آلاف سلعة في حدود 1 في المائة إلى 3 في المائة.
كانت الدول التي تعاقدت فيما بينها لإنشاء وتطوير اتفاقية الجات47 تعرف باسم الأطراف المتعاقدة Contracting Parties. وكانت أولوياتها في هذه الجولات الأولى من المفاوضات الشاملة متعددة الأطراف Multilateral Trade Negotiations، تصب في كسب ثقة دول العالم وإقناعها بالانضمام إلى الاتفاقية لتوسيع قاعدة الشراكة التجارية وتعزيز الثقة بفجر النظام الجديد الذي بدأت تلوح ملامحه في الأفق البعيد. كانت تكاليف الانضمام إلى هذه الاتفاقية زهيدة بالمعايير كافة، إن جاز التعبير، علماً أن المواضيع التجارية الدسمة كانت تملأ جداول أعمال اجتماعاتها، ولكنها وصمـت بالوليدة اليتيمة لأنها فقدت والدتها أثناء ولادتها العسيرة في المؤتمر التجاري المنعقد في المنتجـع الأمريكي الواقع على بحيرة ساكسس Lake Success، ثم فقدت والدها لدى فشل معظم وفود الدول المشاركة في مؤتمر هافانا، وأهمها الولايات المتحدة، في الحصول على الموافقة اللازمة من خلال أجهزة دولها التشريعية للتصديق على ميثاق هافانا Havana Charter القاضي بإنشاء المنظمة الدولية للتجارة.
الجولة الثالثة: جولة توركي (1950 - 1951)
أدى نجاح الجولة الثانية للمفاوضات الشاملة المنعقدة في قرية أنسي في فرنسا إلى إطلاق الأطراف المتعاقدة، وعلى رأسها بريطانيا العظمى Great Britain، لجولة ثالثة من المفاوضات التي تحمل في طياتها عددا من المواضيع الجديدة. دعت بريطانيا حلفاءها إلى مدينة توركى Torquay الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للدولة العظمى حيث التقت وفود الأطراف المتعاقدة مرة أخرى في أيلول (سبتمبر) 1950، لتستمر جولتهم التفاوضية الثالثة مدة عام ونصف عام، انتهت في نيسان (أبريل) 1951. شاركت فيها 38 دولة، منها الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية طبقاً لنتائج الجولة الثانية 32 دولة، إضافة إلى ست دول أخرى أبدت الرغبة في بدء مفاوضات تعاقدها وانضمامها إلى الاتفاقية, هي: النمسا، البيرو، ألمانيا الغربية، الفلبين، الجمهورية الكورية، وتركيا. وأدى انحياز بريطانيا تجاه حلفائها خلال هذه الجولة واهتمامها المطلق بالدفاع عن مصالح دول الكومنويلث Commonwealth Countries إلى تذمر الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية والامتناع عن تقديم تنازلات إضافية. إلا أن الأمين العام للاتفاقية في ذلك الوقت المحامي البريطاني المخضرم إريك ويندهام وايت Eric Wyndham White استطاع بدهائه وحنكته أن يثني وفود الدول الأعضاء عن موقفها السلبي لتوافق لاحقاً على تقديم الالتزامات المتبادلة بين دولها. ونجحت هذه الجولة في التوصل إلى تخفيض التعرفات الجمركية في حدود 25 في المائة على 8700 سلعة وانضمام كل من: النمسا، البيرو، ألمانيا الغربية، وتركيا إلى الاتفاقية ليصبح عدد الأطراف المتعاقدة 36 دولة.
الجولة الرابعة: جولة جنيف (1955- 1956)
سجل التاريخ في هذه الجولة من المفاوضات الشاملة أحد أكبر الأخطاء التجارية والاقتصادية الدولية الفادحة التي ارتكبتها الأمة العربية في العصر الحديث وهي انسحاب سورية ولبنان، الدولتين العربيتين الوحيدتين المؤسستين لاتفاقية الجات47, وكذلك انسحاب الصين الشيوعية من هذه الاتفاقية. الجدير بالذكر أن سورية ولبنان راجعتا حساباتهما لاحقاً وأعادتا تقديم طلب انضمامهما إلى منظمة التجارة العالمية عام 2002, وما زالتا في بداية الطريق وتسعيان إلى الانضمام إلى هذه المنظمة التي تفاقمت استحقاقات عضويتها في هذه المرحلة المتقدمة من عمرها، مما قد يستغرق كل من سورية ولبنان عدة سنوات من المفاوضات الشاقة وتقديم العديد من الالتزامات والقبول بجميع الاتفاقيات المبرمة لحينه، التي وصل عددها إلى 28 اتفاقية إلزامية، مضافاً إليها ما يتم الاتفاق عليه في جولات المفاوضات الشاملة الجديدة طبقاً لمبدأ الالتـزام الشامل الموحـد Single Undertaking. لا شك أن مثل هذه الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها هاتان الدولتان العربيتان ستكلفهما الكثير من الجهد والوقت والمال لإعادة تأهيلهما لعضوية المنظمة. وأفضل مثل على ذلك مسيرة إعادة تأهيل انضمام الصين إلى المنظمة التي انتهت في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2001 بعد مفاوضات مريرة أسفرت عن تقديم التزامات قاسية فاقت التزامات جميع الدول الأعضاء في المنظمة واستغرقت مسيرة انضمامها زهاء 12 عاماً.
انتهت الجولة الرابعة من المفاوضات التي شاركت فيها 26 دولة بالتوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتعاقدة أدى إلى مزيد من التخفيض في التعرفات الجمركية وانضمام اليابان إلى الاتفاقية ليصبح عدد الأطراف المتعاقدة 37 دولة.
الجولة الخامسة: جولة ديلون (1961 ـ 1962)
تيمناً بأعمال النابغة الأمريكي كلارنس داغلاس ديلون Clarence Dillon ، أطلق اسمه على الجولة الخامسة للمفاوضات. ولد ديلون Dillon في مدينة جنيف وانتقل إلى الولايات المتحدة ليلتحق بجامعاتها العريقة ويتقلد وظائف قيادية عديدة أهمها وزارة المالية خلال هذه الجولة من المفاوضات التي بدأت في التطرق إلى النظم الجمركية الخاصة بالأطراف المتعاقدة. كانت اتفاقية الجات47 ومازالت من بعدها منظمة التجارة العالمية تفتخران برواد الاقتصاد والمال والأعمال الذين أسهموا في تحرير التجارة بين دول العالم. عقدت جولة ديلون Dillon Round في جنيف بعد خمس سنوات من الاستجمام النفسي التي تمتعت بها الأطراف المتعاقدة منذ انتهاء الجولة الرابعة بانضمام اليابان، أحد أكبر وأهم الاقتصادات في العالم الحر وبعد الانسحاب المؤسف للدولتين العربيتين الوحيدتين من هذه الاتفاقية، سورية ولبنان، إضافة إلى انسحاب الصين الشيوعية، شاركت في هذه الجولة 26 دولة إضافة إلى الأطراف المتعاقدة في اتفاقية الجات47. واستمرت عامان لتشهد على إنشـاء السوق الأوروبية المشتركة، ما نتج منه تخوف الدول من ظاهرة التفرقة بين التعرفات الجمركية الخاصة بالاتفاقية والرسوم الجمركية الخاصة بالتكتلات الاقتصادية، أدى ذلك إلى افتقار هذه الجولة إلى النتائج الإيجابية ما عدا انضمام كل من كمبوديا، وإسرائيل والبرتغال للاتفاقية ليصبح عدد أطرافها المتعاقدة 40 دولة.