المسكنات الطبية الأفيونية بوابة إلى جحيم المخدرات

المسكنات الطبية الأفيونية بوابة إلى جحيم المخدرات
المسكنات الطبية الأفيونية بوابة إلى جحيم المخدرات

عندما خضع براندون (تم تغيير اسمه لحماية هويته) لعملية استئصال للزائدة عندما كان عمره 26 عاما، أعطاه طبيبه جرعات من المسكنات شبه الأفيونية لمساعدته في التغلب على الألم. في غضون أسبوع، لم يعد بحاجة إليها، لكنه بحلول ذلك الحين كان قد اكتشف ميوله إلى حالة النشوة التي كان يشعر بها بعد تناوله تلك العقاقير.

يقول "في الغالب، أستخدمه في الليالي التي لا أخرج فيها إلى الحانة - فقط أبقى في البيت، وأتناول حفنة من الحبوب وأرسم أو أشاهد ألعاب الفيديو في غرفتي". بعد مرور ثلاثة أشهر نفدت كمية العقاقير التي صرفها الطبيب "لذلك بدأت للتو أعثر عليها هنا وهناك من الأصدقاء".

وهكذا انضم براندون إلى صفوف ملايين ممن وجدوا النشوة في الأدوية المشتقة من زهرة الخشخاش، وهي زهرة تمت زراعتها لأول مرة عام 3400 قبل الميلاد في جنوب بلاد ما بين النهرين من قبل السومريين، الذين أشاروا إليها بأنها "مصنع الفرح".

لقد أصبح أيضا واحدا من أكثر من مليوني أمريكي ممن يسيئون استخدام مسكنات الألم شبه الأفيونية التي لا تعطى إلا بموجب وصفة طبية، مثل أوكسيكونتين، وهو شكل شائع من عقار أوكسيكودون، وأوبانا، أحد أنواع أوكسيمورفون. وسرعان ما اكتشفت عائلته أمر تعاطيه الحبوب، لكن نادرا ما كان يتم مناقشة الموضوع. يقول إن الأمر أصبح "حقيقة غير معلنة".

أعلنت الوكالة الأمريكية للرقابة على الأدوية أخيرا عن إساءة واسعة لاستخدام المواد شبه الأفيونية في أمريكا، إلى الحد الذي اعتبرت أنه يشكل وباء وطنيا، مبينة أنه يقضي في المتوسط على حياة 45 شخصا يوميا عن طريق الجرعات الزائدة. ويقول 80 في المائة من مدمني الهيروين إنهم أصبحوا في البداية مدمنين مسكنات الألم شبه الأفيونية عن طريق الوصفات الطبية، وكلاهما مستمد من "نبتة الفرح".

حروب الألم

أصبح التعامل مع الأزمة موضوع مناقشة ساخنة في المؤسسات الطبية الأمريكية. على جانب واحد هناك الأطباء الذين يعتقدون أن مهنتهم أمضت عقودا وهي تصف المركبات الأفيونية بشكل مفرط، ما يساعد المرضى في القضاء على الألم، بينما يتم عن غير قصد دفع كثير منهم إلى الإدمان. ودعما لحجتهم التي تريد فرض قيود شديدة على الوصفات الطبية، تشير هذه المجموعة إلى إحصائيات تبين أن توزيع المواد شبه الأفيونية في الولايات المتحدة، بناء على مقياس يعرف باسم "مكافئ المورفين بالملليجرام"، ارتفع من 25.3 للشخص الواحد سنويا في عام 1980 إلى 550.7 بحلول عام 2012.

يقول أدريين أباتي، الذي يدير مؤسسة خيرية لمعالجة إساءة تعاطي الأدوية الأفيونية في نيويورك: "يمكن أن تعزى (الزيادة) إلى فترة الإفراط في وصف المسكنات شبه الأفيونية من قبل مقدمي الخدمات والأطباء". ويضيف "شركات الأدوية سوّقت (الأدوية الأفيونية) بشكل قوي للأطباء، وجعلت الأمر يبدو كأنه شكل آمن وغير إدماني لمعالجة الألم".

يقول آخرون في المؤسسات الطبية، بمن فيهم بعض اختصاصي الألم ومعظم شركات صناعة الأدوية، "إن الحل ليس بالضرورة أن يكون في إعطاء كميات أقل من الأدوية وإنما إعطاء عقاقير أفضل - جيل جديد من المواد الأفيونية ذات الخصائص الكيماوية والفيزيائية التي تعمل على خفض الاستهلاك غير السليم".

في أيار (مايو) الماضي أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مجموعة من المبادئ التوجيهية لتشجيع قطاع صناعة الدواء على تطوير مسكنات للألم مقاومة للعبث. أؤلئك الذين يطورون الحبوب باستخدام تكنولوجيات مبتكرة تتم مكافأتهم بملصق يسمح لهم بتسويق منتجاتهم على أنها "رادعة لسوء الاستخدام".

#2#

للتأهل، تحتاج تلك الأدوية إلى سمات فيزيائية تهدف إلى جعلها أكثر صعوبة في الاستخدام بشكل ترفيهي، مثل الأغطية القاسية المصممة لتحمل السحق والتنشق، أو مواد تجعل ذوبانها في الماء قبل حقنها أمرا أكثر صعوبة. أما النهج الأكثر تقدما فيشمل غرس مادة كيماوية مصممة لمواجهة تأثير أشباه الأفيون داخل الحبة، التي تنطلق وتتحرر في حالة العبث في العقار - ما يعادل جهاز إنذار السيارة الذي يتفعل في حالة تعرض السيارة للسرقة.
وهناك أربعة أنواع فقط من مسكنات الألم المستندة إلى أشباه الأفيون في السوق الأمريكية مصنفة على أنها رادعة لسوء الاستخدام، لكن عشرات أكثر موجودة في مجال التطوير.
إن الحجم المحتمل للفرص التجارية ضخم، خاصة إذا أوقفت إدارة الدواء والغذاء مسكنات الألم التي لا تمتلك سمات مضادة لإساءة الاستخدام، أو إذا اتخذ الكونجرس خطوة أخرى بإزالة المنتجات التي ليس لها حماية ضد العبث من الأسواق - وهو تحرك يحاول بعض أهل الصناعة الضغط من أجل تطبيقه.

مكاسب تجارية

ويتوقع روني جال، المحلل لدى شركة بيرنشتاين للأبحاث، حصول "ملكية فكرية ثمينة" للشركات العاملة في هذا المجال. ويقدر أن تبديل الوصفات الطبية الأمريكية التي تقدر بـ 18 مليون وصفة، التي تمتلئ بالعقاقير العامة، إلى بدائل جديدة رادعة لسوء الاستخدام من شأنه أن يولد ما يقارب 4.4 مليار دولار من الإيرادات الإضافية للصناعة سنويا.

ويرى بعضهم أن مسكنات الألم المقاوِمة للعبث هي مجرد وسيلة لكسب المال من قبل الشركات الكبرى، التي اعتادت على التعامل مع الأدوية القديمة - التي خسر كثير منها حماية براءات الاختراع، أو أنها على وشك فقدانها - وفرض أسعار أعلى.

يقول الدكتور ديفيد جورلينك، أستاذ سلامة العقاقير في جامعة تورونتو "من الصعب استيعاب فكرة أن تلك الشركات التي حققت كثيرا من الأرباح من وراء العقاقير التي تسببت في كثير من الضرر، وليس المساعدة، ينبغي لها الآن الحصول على مكافأة إضافية لتطويرها إصدارات جديدة تماما قبل نفاد براءات الاختراع".

في عام 2010، أزالت "بيردو فارما"، وهي مجموعة مختصة في مسكنات الألم المستندة إلى أشباه الأفيون، عقارها "أوكسيكونتين" من الأسواق واستبدلت به إصدارا أعيدت صياغته، عليه طبقة مصممة لجعل إساءة الاستخدام أكثر صعوبة. وأصبح أول منتج يتلقى وسم ردع الإساءة من قبل إدارة الغذاء والدواء في عام 2013.

وفقا لدراسة نشرت في نيسان (أبريل) الماضي في مجلة الرابطة الطبية الأمريكية، أدت إزالة عقار أوكسيكونتين الأقدم من السوق بحلول عام 2012 إلى حدوث انخفاض كبير في العدد الإجمالي للوصفات الطبية لأشباه الأفيون، التي كانت أقل بنسبة 19 في المائة مما كان متوقعا.

يقول جال "لقد أحدثت ضجة لأنها كانت أساسا اعترافا بأن كثيرا من وصفاتهم الطبية كانت تذهب إلى المتعاطين".

على أي حال، هناك بالفعل دلائل على إمكانية التحايل على العوائق المادية. في منتدى إلكتروني عبر الإنترنت مخصص لمتعاطي المخدرات، قدم واحد من المشاركين دليلا على إزالة الطبقة الخارجية الموجودة على عقار أوكسيكونتين.

في وقت سابق من هذا الشهر، ألغت "بيردو" اجتماعا للمتابعة مع إدارة الغذاء والدواء كان من المقرر أن يتم خلاله تقديم دراسات حول مرحلة ما بعد التسويق تهدف إلى إظهار أنه كان يساء استخدام عقار أوكسيكونتين الأحدث بشكل أقل من سابقاته. قالت الإدارة "إنها تحتاج إلى وقت أكبر لإجراء تحليل إضافي".

وتحاول شركات أخرى تطوير حواجز مادية أكثر فعالية. وتستخدم إيجاليت، المجموعة الدنماركية في مجال التكنولوجيا الأحيائية، آليات قوالب الحقن لتطوير إصدار مقاوم للعبث من كبريتات المورفين التي من الصعب سحقها ولا يمكن امتصاصها في محقن. أما النهج الآخر، الذي يتم تتبعه من قبل شركة فايزر وغيرها، فيشمل غرس "مادة مضادة" في وسط حبة الدواء تلغي تأثير أشباه الأفيون. إذا تم بلع العقار كما هو مطلوب، لا تعمل تلك المادة المضادة، وإنما يتم إطلاقها فيما لو تم مضغ الحبة، أو سحقها، أو تذويبها.

"حيوانات" بشرية

لم يصبح براندون مدمنا على مُركَّبات الأفيون، لكن إساءة استخدامه الترفيهية أدت إلى خطوة غير عادية في حياته المهنية. ققد أخبر أصدقاءه بأنه بدأ العمل مقاولا مستقلا لدى مجموعة للأدوية - لم تكن كذبة تماما، وإنما تحريف للحقيقة: كان من الصدق أكثر لو قال إنه أصبح من "حيوانات" التجارب البشرية لدى شركات الأدوية التي ترغب في اختبار عقاراتها الأفيونية الرادعة لسوء الاستخدام.

شارك أولا فيما يسمى دراسات "مسؤولية سوء الاستخدام البشري" بعد عودة زميل له إلى العمل من إجازة امتدت شهرا. "أخبرني أنه كان يجري دراسة تتعلق بالعقاقير الترفيهية والفوائد المالية لذلك. بصراحة، لم أصدقه، لذلك قمت بالاتصال".

دفع له مبلغ 3100 دولار على الدراسة الأولى - تجربة استمرت ثلاثة أشهر شملت العمل لمدة ثلاثة أيام كل أسبوعين. أما الدراسة الثانية، فقد استمرت 30 يوما وحققت له 4500 دولار. "عند هذا الحد قررت إعطاء الشركة إشعار استقالة مدته أسبوعان، وواصلتُ إجراء دراسات الأدوية، أساسا بدوام كامل".

جنبا إلى جنب مع مشاركين آخرين، تم إعطاء براندون سلسلة من الحبوب - خليط من العقاقير الرادعة لإساءة الاستخدام، والمواد الأفيونية العادية، والأدوية الشبيهة التي لا تحتوي على مواد فعالة - وطلب منه إساءة استخدامها، قبل تقديم تقرير عن الآثار المترتبة على ذلك. أحيانا، كان عليه أن يتنشق الحبوب المسحوقة، وهي الطريقة الأقل تفضيلا لديه، بينما في إحدى المرات ابتلع في خمس دقائق 21 حبة، معظمها من المهدئات. واضطلع الباحثون بما يسمى تقييمات الحرائك الدوائية لقياس السرعة التي يتم بها امتصاص العقاقير في جسده.

تلك الدراسات ليست قانونية فحسب، وإنما يتم تشجيعها بنشاط من قبل إدارة الغذاء والدواء، التي تريد إثباتا على أن المواد شبه الأفيونية الرادعة لسوء الاستخدام تردع ذلك حقا.
يقول الدكتور لين ويبستر، الذي يدير عيادة لايفتري Lifetree في مدينة سولت ليك، ولاية يوتا، حيث شارك براندون في تلك التجارب "ازداد عدد الدراسات التي نجريها بشكل هائل خلال العامين الماضيين بسبب أزمة أشباه الأفيون، والحاجة إلى أشكال أكثر أمانا وحوافز إدارة الغذاء والدواء".

وتمتلك "لايفتري" قاعدة بيانات تحوي تفاصيل كثير من المشاركين المؤهلين، معظمهم في منتصف العشرينات. أؤلئك المشاركون يجب أن يكونوا مستخدمين ترفيهيين، لا أن يكونوا معتمدين عليه جسديا أو مدمنين. أولا يتم إعطاء المشاركين المحتملين عقار نالوكسون، الذي يرتبط بالمستقبلات الأفيونية في الدماغ ويخفض تأثير العقاقير. وأي شخص تظهر عليه علامات من الأعراض الانسحابية لا يسمح له بالخضوع للتجربة.

وعلى أي حال، يحذر بعض أطباء الإدمان من أن هذه العملية لا تخلو من المخاطر ومن غير المرجح أن تمنع مدمني الأفيون المحتملين من الالتحاق بتلك الدراسات.

يقول الدكتور ويليام جاكوبز، رئيس طب الإدمان في جامعة جورجيا ريجينت "عادة لا يمكنك معرفة متى يتخطى الشخص خط الخطر، من سوء الاستخدام إلى الاعتماد عليه، إلا بعد مرور زمن على ذلك". ويضيف "قد يكون كثير من الأشخاص الملتحقين بهذه الدراسات من مدمني الأفيون - قد لا تعرف ذلك".

صعود الهيروين

ويتم التوظيف أساسا عن طريق ما يقوله الناس فيما بينهم، لكن ليس من الصعب إيجاد المرشحين المستعدين لخوض التجربة. يقول الدكتور ويبستر "إنهم أفراد يحبون استخدام العقاقير. يتم الدفع لهم لفعل شيء يرغبون فيه". ويتم ضمان السرية والحماية من قبل وكالات إنفاذ القانون، ومن قبل إدارة الغذاء والدواء والمعاهد الوطنية للصحة.

لكن حتى أؤلئك المشاركين في تطوير فئة جديدة من أشباه الأفيون يعترفون بأن العقاقير ليست علاجا شافيا لمدمني المسكنات في أمريكا. قد تحبط الأغطية الصلبة والمواد المضادة المستخدمة لأسباب ترفيهية، لكن يمكن التحايل عليها بسهولة من قبل تجار المخدرات الذين لديهم فهم أساسي للكيمياء.

يقول بوب رادي، الرئيس التنفيذي لشركة إيجاليت "لا يمكننا إيقاف المستخدم الصناعي الذي يمتلك مختبرا في القبو الخاص به".

ثمة مشكلة أخرى هي أن التكنولوجيات الحالية تركز على العبث بحبوب الدواء - سحقها أو مضغها أو تذويبها. لكن أكثر من 90 في المائة من سوء استخدام الأفيون يتم عن طريق الفم. ومعظم المستخدمين يتناولون فقط مزيدا من الحبوب أكثر مما ينبغي. هناك أيضا مخاطر بأن المدمنين الذين لا يمكنهم الوصول إلى المواد الأفيونية التي يمكن إساءة استخدامها سيستبدلونها بالهيروين، وبذلك ينضمون إلى ذلك التيار الثابت من الأشخاص الذين يتقدمون من المسكنات باتجاه "المواد المهمة".

في الشهر الماضي قالت المراكز الأمريكية لمراقبة الأمراض والوقاية منها إن استخدام الهيروين ارتفع بنسبة 63 في المائة ما بين عامي 2002 و2013 في الولايات المتحدة، ولا سيما بين النساء، والأشخاص الذين لديهم تأمين خاص وذوي الدخل المرتفع. وقالت الوكالة أيضا إن عامل الخطر الأقوى لاستخدام الهيروين كان في اضطراب استخدام أشباه الأفيون الواردة في الوصفات الطبية، بينما كانت تدعو إلى إجراء تحسينات في ممارسات كتابة الوصفات الطبية.

وقال الدكتور توم فريدين، مدير المراكز الأمريكية "بشكل متزايد يجري استخدام الهيروين بصورة تنذر بالخطر في أجزاء كثيرة في المجتمع، وهو استخدام مدفوع بوباء وصف مسكنات الألم الأفيونية والهيروين الأرخص الأسهل توافرا".

ويقول بعض الأطباء "إن المواد الأفيونية المضادة لسوء الاستخدام معرضة لخطر أن تجعل المشكلة أسوأ"، ويجادلون بأنها ترسل رسالة مفادها أن "الأمور كالمعتاد" إلى المؤسسة الطبية.

يقول الدكتور جورلينك "المشكلة الكبرى مع هذه المستحضرات ليست فقط أنها تكلف أكثر، أو أنها تعطي شركات صناعة الأدوية حماية أكبر من حيث براءة الاختراع، أو حتى إنها تدفع الأطباء إلى الظن بأنها مأمونة أكثر من غيرها، وإنما أنك حين تركز على هذه الأمور باعتبارها هي الحل، فإنك تصرف الأنظار بعيدا عن سياسة يمكن أن تحقق النجاح فعلا".

الأكثر قراءة