التأجير المنتهي بالتمليك .. بين جدل الفقهاء وحاجة المتعاملين

التأجير المنتهي بالتمليك .. بين جدل الفقهاء وحاجة المتعاملين

التأجير المنتهي بالتمليك، أو الإجارة المنتهية بالتمليك اصطلاح معاصر لم يكن عند الفقهاء السابقين، ويعرّف باعتباره علماً بأنه: تمليك منفعة من عين معلومة مدة معلومة، يتبعه تمليك العين على صفة مخصوصة بعوض معلوم. وأول ما وجد عام 1846 في إنجلترا، وأول من تعامل بهذا العقد، أحد تجار الآلات الموسيقية في إنجلترا، فكان يؤجر آلاته الموسيقية إجارة يتبعها تمليك العين، وقصد من ذلك ضمان حقه، ثم بعد ذلك انتشر مثل هذا العقد وانتقل من الأفراد إلى المصانع، وكان أول المصانع تطبيقاً لهذا العقد مصنع سنجر لآلات الخياطة في إنجلترا، ثم بعد ذلك تطور، وانتشر بصفة خاصة في شركات السكك الحديدية، التي تشتري المركبات، وتؤجرها لمناجم الفحم تأجيراً ينتهي بالتمليك. ثم عرفته البلدان الإسلامية وأصبح محل جدل بين الفقهاء فجمهورهم على تحريمه والمحققون على جوازه بضوابط.

أسماؤه وصوره
جاء في بحث أعده الشيخ فهد بن علي الحسون حول الموضوع أن هذا العقد له عدة إطلاقات منها:
ـ البيع الإيجاري.
ـ الإيجار الساتر للبيع.
ـ الإيجار الذي ينقلب بيعاً.
ـ الإيجار المقترن بوعد بالبيع.
كما يتنوع إلى عدة صور منها:
الصورة الأولى: أن يصاغ العقد على أنه عقد إيجار ينتهي بتملك الشيء المؤجر ـ إذا رغب المستأجر في ذلك ـ مقابل ثمن يتمثل في المبالغ التي دفعت فعلاً كأقساط إيجار لهذا الشيء المؤجر خلال المدة المحددة، ويصبح المستأجر مالكاً ـ أي مشترياً ـ للشيء المؤجر تلقائياً بمجرد سداد القسط الأخير، دون حاجة إلى إبرام عقد جديد وهذا أوسع الصور انتشارا.
الصورة الثانية: أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة، يُمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة في مقابل أجرة محددة في مدة محددة للإجارة، على أن يكون للمستأجر الحق في تملك العين المؤجرة في نهاية مدة الإجارة مقابل مبلغ معين.
الصورة الثالثة: أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة، يُمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة في مقابل أجرة محددة في مدة محددة للإجارة، على أن المؤجر يعد المستأجر وعداً ملزماً ـ إذا وفى المستأجر بسداد الأقساط الإيجارية في المدة المحددة ـ ببيع العين المؤجرة في نهاية العقد على المستأجر بمبلغ معين، إلى غير ذلك من الصور العديدة.

حاجتنا المُلحة إلى هذا البيع خلقت مشكلة شرعية
وقال الدكتور أحمد الغامدي رئيس مجلس إدارة مركز أوائل للاستشارات الاقتصادية، إن الحاجة لهذا النمط من العقود جعلته يخرج لنا بشكل مُلح، وهو ما خلق لنا مشكلة على الصعيد الشرعي، فأصل المشكلة ظهر قبل أربع سنوات تقريباً، حتى أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بعدم جواز هذا النوع من البيع، وهي الفتوى التي يرى الغامدي أنها موجزة، ولم يتم تمحيصها وإظهارها بشكل مُفصل، لأن هناك صورا في هذا النوع من البيع قد يكون عليها نوع من الشوائب، ولا ضرورة أن تكون جميع أنواع هذا البيع عليها نفس الصورة، فهناك مجموعة من العلماء أجازوا هذا النوع من البيع، فمن أول من عمل بهذا النوع من البيع هو مصرف الراجحي عام 1992 تقريباً، وهذا المصرف كما هو معرف يعمل على ضوء فتاوى شرعية معتمدة من عدد من العلماء الذين لهم كلمة من الناحية الشرعية.

التغيير الصحيح يجب أن يكون في صيغة العقد
فالمشكلة الشرعية كما يُضيف الغامدي، أن عقد البيع يحوي عددا من دفعات التقسيط، على عكس ما هو معمول به في بيع التقسيط العادي، فأقساط التأجير المنتهي بالتمليك التي يحويها العقد المبرم بين البائع والمشتري قد تحوي أقساطاً غير حقيقية، على عكس ما يحوي عقد بيع التقسيط العادي من ناحية قيمة الأقساط الشهرية، فهنا، كثير من العلماء والفقهاء يرون أن الإشكالية في بيع التأجير المنتهي بالتمليك هو كون العقد الذي تتم من خلاله عملية بيع التأجير المنتهي بالتمليك يكون عقدين في عقد واحد، في الوقت الذي عالج الكثير من الفقهاء هذه الإشكالات بعقود التأجير المقرونة بوعد البيع، فالتغيير الصحيح يجب أن يكون في صيغة العقد، فالبيع بالتقسيط يكون بعقد، والتأجير المنتهي بالتمليك يكون بعقد آخر يختلف تماماً عن البيع الأخير، فإذا انتهت المدة فلا بد أن يُبرم عقد جديد تتم فيه عملية البيع، بإرادة جديدة عكس الإرادة السابقة.

فروق جوهرية بينه وبين بيع التقسيط
في الحين ذاته، بين الدكتور سلمان الدخيل المستشار في هيئة سوق المال، أهم الفروق بين هذا العقد وبيع التقسيط حيث قال: إن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لجأ إليه التجار لتجاوز مخاطر البيع بالتقسيط، فإن البيع بالتقسيط تنتقل فيه الملكية من أول العقد، ويبقى الثمن مستقرا في ذمة المشتري بحيث يتم سداده على أقساط، أما التأجير المنتهي بالتمليك فالملكية تبقى فيه للمالك الأول، أي صاحب السلعة الأصلي، والعقد وقع على منفعة إلى نهاية العقد فإن تحقق الوفاء بالشرط "شرط دفع الأقساط" استحق التمليك.

الفروق الشرعية
وعن الفروق الشرعية بين المعاملتين قال الدخيل إن البيع بالتقسيط الضامن فيه هو المالك "المشتري"، فلو هلكت السلعة مباشرة بعد العقد ضمنها وعليه سداد الأقساط، أما في الإجارة المنتهية بالتمليك فإن الأجرة مستحقة مقابل المنفعة، وليس على المشتري سوى دفع ما يقابل المنفعة المستغلة فقط ، ومتى تعطلت المنافع لم يستحق البائع أجرة ما لم يتمكن المشتري من الانتفاع به.
وأضاف أن هذا المنتج لقي رواجا بين التجار لأن البائع يتوسع في هذا العقد، فإن الملكية تبقى باسمه فلا يخشى من مماطلة المدين، كما هو الحال في بيع التقسيط، فمن مميزات هذا العقد أن الملكية باقية له ويستطيع الرجوع بعين سلعته، أما في بيع التقسيط فإن تجار هذا النوع من البيع يتشددون في أخذ الضمانات من الرهون والكفالات والشيكات، وغير ذلك مما لا يتشدد فيه تجار الإجارة المنتهية بالتمليك.
ويضيف يريد التاجر بهذا العقد التمسك بمزايا البيع والإجارة، فهو يسعى إلى الاحتفاظ بسلعته، ويريد أيضا في الوقت نفسه أن يرمي بتبعات الهلاك على المستأجر، وكأنه بلسان حاله يقول للمشتري السلعة ليست لك وأنت المسؤول عنها، من هنا أتى الخلل في هذا العقد.

التأسيس الشرعي
وعن الناحية الشرعية قال الدخيل إن هذا العقد يرجع الحكم فيه إلى مسألتين مهمتين هما:
1 ـ اجتماع عقدين في عقد (بيع + إجارة).
2 ـ التعليق: تعليق العقد على شرط.
فجمهور أهل العلم يمنعونهما، وعليه يمنع هذا العقد، أما على قول بعض المحققين من العلماء، فإنه لا مانع من هذين الأمرين وهذا العقد لا يدخل في بيعتين في بيعة المنهي عنه في الحديث، بل حمل هؤلاء العلماء الحديث على أنه فيما يلزم منه الوقوع في محرم كالعينة. ويضيف أنه بناء على ما سبق، يتضح الحكم في المسألة فمن اتبع رأي الجمهور منع من هذا العقد، ومن سار على رأي الطرف الآخر قال بالجواز بضوابط شرعية تعود إلى الفصل بين العقدين، فيقولون نجعل الفترة الأولى إجارة، وبعد انتهاء المدة يأتي التمليك بالهبة أو البيع بسعر السوق أو سعر محدد يحدد لاحقا.

تسهيل عمليات التمويل
ويضيف الدخيل: هذا العقد عموما هو من الوسائل التي تسهل عملية التمويل في مشاريع عدة، وقد تكون هذه المشاريع ذات تكاليف باهظة كما هو الحال في عمليات الإجارة التي يقوم بها البنك الإسلامي للتنمية، وقد تكون مشاريع صغيرة لا يستطيع الأفراد الدخول فيها نقدا فيلجأون إذا للعقد.
ومن أهم مميزاته للمؤجر أنه يحقق له ضمانات كبيرة ويحفظ حقه من الضياع واطمئنانه على حصوله على أقساطه الشهرية، فالعين في ملكه يستطيع استردادها عند المماطلة، ويضمن عاقد التأجير "المؤجر" عدم مزاحمة الغرماء للمستأجر في العين المؤجرة في حالة إعسار المستأجر فتعود له العين ولا تدخل ضمن مملوكات المستأجر حتى تدخل في المحاصة، وضمان أن المشتري لن يتصرف فيها تصرفا يخرجها به عن ملكه أو يجعلها عرضة للخروج كما هو الحال في بيع التقسيط، أما في حال فسخ هذا العقد يأمن المؤجر من مطالبة المستأجر ما قبضه من أقساط لأنها باعتبار المنفعة، كما يجعله هذا العقد أن يطمئن غالباً على أن المستأجر سيحافظ على العين لعلمه أنها ستدخل في ملكه مستقبلا فلا يستخدمها كالمستأجرين العاديين.
وعن الصعوبات فيؤكد أن لهذا العقد صورا متعددة وأشكالا مختلفة، لم تضبط بعقد واحد يحدد معالمه ويبين مجمله، ما يجعل بعض العلماء يظنه أنه واقع على محل واحد وعين واحد في زمن واحد، لأن العقد ذو طبيعة مركبة بين عقد الإجارة وغيره من العقود الأخرى كالبيع والهبة "هبة الثواب" والجعالة، وأحكام هذه العقود تختلف من حيث اللزوم وعدمه والضمان وعدمه، ما يزيد في غموضه ويحدث التردد في ترتيب آثاره، إضافة إلى عدم تقبل بعض الجهات ذات العلاقة هذا العقد كبعض المحاكم أو وزارات التجارة في بعض الدول فيعامل معاملة البيع بالتقسيط أو الإجارة العادية وأحيانا يكيف على غير ما أراده الطرفان وهذا بدوره قد يلحق الضرر بهما أو بأحدهما.

إيجابيات وسلبيات
وعن الإيجابيات والسلبيات أكد الغامدي أن أهم إيجابية البيع بالتأجير المنتهي بالتمليك هي قضاء حاجة الكثير من الناس، وهي الأهم فالأنواع الأخرى من البيع فيها صعوبة ربما قد تكون في بعض الأحيان صعبة جداً على الكثيرين، والإيجابية الأخرى هي عدم وجود ضمان للبائع من ناحية سداد حقوقه، مثل الشروط التي توجد في البيع المنتهي بالتمليك، في ظل وجود ارتفاع فاحش وغلاء في أسعار العقار والسيارات، إما الإيجابية الثالثة كما يرى الغامدي، وهي حجم الأموال المتداولة في سوق البيع المنتهي بالتمليك، حيث من الممكن أن تتخطى حجم الأموال المتداولة حاجز ثلاثة مليارات ريال، فهذا فيه فتح باب رزق للبعض أيضاً.
أما السلبيات، كما يراها، فهي السلبيات الموجودة في أي نوع من أنواع البيع، فالدقة في مثل هذه العمليات هي من أهم السلبيات التي تتركز في هذا النوع من البيع، أما السلبية الأخرى، فالعاملون على العلم الشرعي، فيجب عليهم الاجتهاد إلى تنوير المجتمع بكل التفاصيل، إضافة إلى تحرير عقود خاصة بهذا النوع من البيع، تعمل بها الجهات ذات الاختصاص في الدولة، مثل وزارة العدل، ووزارة التجارة، وغيرها من الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة والارتباط.

الأكثر قراءة