ناطحات سحاب خارج النص

ناطحات سحاب خارج النص

في كل مكان يغامر المرء في المدن، فهناك ناطحات سحاب يتم بناؤها أو التخطيط لبنائها. حتى باريس تحصل على واحدة. أيدت العاصمة الفرنسية في الأسبوع الماضي خططا لبناء برج ثلاثي الزوايا بارتفاع 180 مترا من قبل شركة هيرزوج آند دي ميورون السويسرية، وهو الأول لها منذ أربعة عقود.
ربما ليس هناك وقت أفضل من الوقت الحاضر لتكون مهندسا معماريا شابا طموحا. بدلا من ناطحة سحاب مكونة من مكاتب في موقع مركز التجارة العالمي في نيويورك، استبدل جيمس ميردوك، سليل الأسرة الإعلامية، للتو فكرة أكثر حيوية من بيارك إنجيلز، المهندس المعماري الدنماركي البالغ من العمر 40 عاما، بتصميم من اللورد فوستر من بريطانيا.
هناك الكثير من العمل الذي يمكن تنفيذه من قبل أي "مهندس معماري مشهور" يستطيع إنتاج متحف مبدع، أو مكتب أو برج سكني في أي مكان من لندن إلى تشونجتشينج. يقوم إنجيلز ببناء مجمع لجوجل مع توماس هيثرويك، المصمم البريطاني؛ وهيرزوج أند دي ميورون ستعيد بناء ملعب تشيلسي لكرة القدم؛ ويقوم رافاييل فينولي بإنهاء مجمع سكني عند 432 بارك أفينو يعتبر ثاني أطول مبنى في نيويورك.
كل مدينة عالمية من الدرجة الأولى، وكثير من المدن من الدرجة الثانية والثالثة في آسيا، تريد وضع نفسها على الخريطة مع برج مبدع واحد، أو أكثر. وهذا يوجد الكثير من الأشكال الغريبة في الأفق - شركة للمهندسين المعماريين في ملبورن كشفت للتو عن خطط لبناء مجمع لمبنى سكني متموج مكون من 68 طابقا، ومجمع فنادق مستوحى من راقصين في شريط فيديو لبيونسيه.
مثل هذه التعبيرات من الفردية المعمارية لديها تأثير متناقض يجعل المدن تبدو أكثر وأكثر مثل بعضها بعضا. شيكاغو ونيويورك كانتا ذات مرة مدينتا ناطحات السحاب، في حين أن العواصم الأوروبية مثل باريس ولندن كانت تملك مجموعة شوارع صامتة. الآن كثير منها يتقارب نحو ما أطلق عليه ريم كولهاس، المهندس الطليعي "المدينة العامة".
لكن هذا يثير قلق بعض المصممين. موشيه صفدي، المهندس المعماري الإسرائيلي ـ الأمريكي، صمم أبراجا في مدن منها تشونجتشينج، يقول إن بعض ناطحات السحاب هي "رحلات الغرور المصنفة التي تتخذ شكلا معينا" التي تشبه التماثيل العملاقة أكثر من كونها مباني تشكل أجزاء من الفضاء العام. في آسيا "يتم بناء مئات الأبراج لكن لا تحصل منها على مدينة، مجرد قطع فردية".
الميزة هي أن أفضل الأبراج الجديدة تتفوق على ما جاء قبلها - حقبة من حداثة الدرجة الثانية التي تم فيها تصميم ناطحات السحاب من قبل شركات البناء المجهولة الكبيرة التي لا تزال تتولى بناء معظم المكاتب والبنية التحتية. مراكز كثير من المدن مليئة بالمباني المصممة أساسا لقاعات التداول المصرفية.
أفق الحي المالي في لندن تنتشر فيه الأشكال الغريبة، من مبنى ليدنهول "تشيزجريتر" من تصميم اللورد روجرز، إلى مبنى "ووكي توكي" لفينولي عند 20 شارع فينتشيرتش. لكن كلاهما تغلب على المباني العادية التي تهيمن على كاناري وورف وغيرها من المراكز المالية. التوسع السريع لقطاع التمويل العالمي في العقدين اللذين انتهيا في عام 2008 أوجد عديدا من المعالم المملة.
أحد رموز الأزمنة المتغيرة هو "مركز التجارة العالمي 2"، وهو تصميم إنجيلز للمقار الرئيسة لكل من "تونتي فيرست سنتشري فوكس" و"نيوز كورب". وقد تم تصميم برج اللورد فوستر، الذي على رأسه ألواح زجاجية على شكل ألماس، مع أخذ المصارف في الحسبان. والبديل الذي يقوم بتصميمه إنجيلز هو مجموعة من المكعبات التي تعكس شوارع ترايبيكا وفي الوقت نفسه تقدم وجها سلسا للموقع التذكاري.
شركات الإعلام والتكنولوجيا - القوى الصاعدة في المدينة - هي عملاء أكثر إبداعا من المصارف. فهي لا تريد ناطحة سحاب عادية بل تريد شيئا أكثر ذكاء بإمكانها التباهي به. الرائد في هذا الاتجاه في نيويورك كان مبنى "آي إيه سي "المتموج لفرانك جيهري. ويقول إنجيلز إن مثل هذه المباني "يجب أن تستوعب التنوع، بالتالي فإن شكلا منبثقا لا يفي بالغرض".
مجموعة أخرى من العملاء المتطلبين هي شركات تطوير العقارات الراقية، التي تستطيع تأمين أسعار مرتفعة في حال تم تمييز أحد المجمعات السكنية من قبل "مهندس معماري مشهور". يصمم جيهري وفينولي مثل هذه المجمعات السكنية في نيويورك؛ في حين أن مبنى باريس الجديد لشركة هيرزوج أند دي ميورون، مع مثلثه الزجاجي الذي يعكس هرم متحف اللوفر، سيضم مساحات مكتبية وفندق.
انتشار ناطحات السحاب يعاني مشكلات خاصة به. إحدى هذه المشكلات هو أنه يتم بناء الكثير لكن عددا قليلا منها فقط هو الذي يتم تصميمه من قبل المهندسين المعماريين الأكثر عمقا. كثير من المدن في آسيا والشرق الأوسط مليئة بما يدعوه إنجيلز بأنه تصاميم "زجاجة عطر" - أبراج لامعة تهدف إلى جذب الانتباه بدلا من الاستجابة إلى الوضع المحلي. احتفل كولهاس بفكرة كون المدن "متحررة من أسر الهوية"، لكن هذا يبدو أفضل على الورق مما هو في الواقع. في الماضي لم تكن هناك أية صعوبة في معرفة ما إذا كنت في لندن أو باريس، أو على أي قارة أنت، لكن كثيرا من المدن الآن تشبه خليطا من هونج كونج ولاس فيجاس. المشكلة الثانية هي التي حددها صفدي، وهي أن الأبراج عبارة عن تماثيل فردية وليست مباني تشكل جزءا من الشوارع. البناء الحضري الأكثر إثارة للإعجاب غالبا ما يكون عبارة عن مدرجات وصفوف من المنازل وليس مجموعة مبان فردية.
هذا قد يكون أمرا محتوما - محاولات في مركز تخطيط المدن في الستينيات والسبعينيات من خلال هدم الشوارع وإنشاء الأبراج تبين في الأغلب أنها كارثة. سواء للأفضل أو الأسوأ، هذا هو عصر الرعاية الفردية، من المستأجرين الذين يطلبون بناء حصونهم الخاصة.
مع ذلك أفضل الهندسة المعمارية هي غالبا الأهدأ، التي تأخذ ما هو موجود وتنسجه ليصبح مكانا عاما - من منتزه هاي بارك في نيويورك إلى تجديد محطة كينجز كروس في لندن. ومع أنك لن تنتبه لأي منها عن بعد، إلا أنهما مهمتان.

الأكثر قراءة