استثمار الثروة المعلوماتية للبحوث والرسائل الجامعية

استثمار الثروة المعلوماتية للبحوث والرسائل الجامعية

استثمار الثروة المعلوماتية للبحوث والرسائل الجامعية

 [email protected] 

تتطلب معظم البحوث الجامعية جمع كمية كبيرة من البيانات (كالمؤهل الدراسي، الدخل الشهري، عدد أفراد الأسرة، الحالة الاجتماعية.. إلخ)،  إضافة إلى أسئلة تتعلق بفرضيات الدراسة، مثل: ما مدى رضاك عن تعامل رئيسك؟ وغيرها من المقاييس. إن هذه البيانات هي المادة الخام التي يستخدمها الباحث لبناء دراسته، لينتهي به المطاف إلى مجموعة من الجداول، والاختبارات الإحصائية التي يقوم الباحث بتحليلها من أجل اختبار فرضياته، وتصميم أدوات جمع البيانات، وتنظيمها ليسهل عليه معالجتها، ولكن هل تساءلنا عن مصير هذه البيانات بعد انتهاء الباحث ومناقشة أطروحته؟
لقد بلغ عدد الرسائل الجامعية المودعة في مكتبة الملك فهد الوطنية، حسب موقع المكتبة الإلكتروني، حتى عام 1426هـ ما مجموعه 26250 رسالة جامعية، منها 1695 رسالة في عام 1426هـ ، تمثل في اعتقادي الرسائل الجامعية التي تقدم بها طلاب الدراسات العليا في جامعات الداخل، واُستخدِم في إنتاجها كمية هائلة من البيانات.  كما أن هناك العديد من الأبحاث التي قد لا تدخل أوعية المعلومات في المكتبة، كتلك التي يتقدم بها الطلاب السعوديون في جامعات الخارج، ومثلها المقالات العلمية للباحثين السعوديين من أعضاء هيئة التدريس، وبحوث مكاتب الأبحاث الاستراتيجية في القطاعين الخاص والحكومي، واستطلاعات الرأي العام وغيرها من مصادر المعلومات التي يتولد عنها كمية كبيرة من البيانات سنويا. في الغالب فإن ما يقدمه الباحث لمكتبة الجامعة أو المكتبة الوطنية هي الأطروحة بما فيها من نتائج الدراسة دون هذه البيانات الأصلية التي استخدمها في بحثه فقط، ويحتفظ الباحث ببيانات الدراسة في جهازه، أو على أقراص خارجية أملاً في أن يعود إليها مستقبلاً لمزيد من البحث، أو أن ينسخها لباحث آخر يطلبها منه بشكل شخصي ليستفيد منها.
إن تجميع هذه البيانات في موقع إلكتروني موحد على هيئة قاعدة بيانات تتضمن بيانات البحث، وبيانات عينة الدراسة سيعود بفائدة كبيرة على مجتمع البحث العلمي، وسأطرح هنا بعض الاستخدامات لمستودع البيانات هذا.  لنفترض أن أحد الباحثين في مدينة جدة قام بإجراء بحث حول العوامل المؤثرة في تعاطي المخدرات عند طلاب الثانوية العامة في مدينة جدة، وباحث آخر قام بالبحث نفسه ولكن في مدينة الرياض، وآخر في مدينة الدمام ومثله في جازان. إن توافر هذه البيانات في القاعدة قد تساعد باحثا خامسا على دراسة أنماط تعاطي المخدرات في المملكة عن طريق استخدام بيانات هذه الأبحاث، ومعالجتها إحصائيا بطريقة مختلفة، كدراسة ارتباط بعض العوامل ببعضها دون الحاجة إلى جمع هذه البيانات من جديد. ومن أوجه الاستفادة المثلى من توفر هذه البيانات في القاعدة أن يطلب من يقوم بتدريس مادة البحث العلمي من طلبته أن يقوموا بعمل الاختبارات الإحصائية نفسها التي قام بها الباحث على هذه البيانات (تكرار المنهج البحثي) ومقارنة نتائجهم بنتائجه، كنوع من التدريب العملي، وهو أسلوب متبع في مواد البحث العلمي. إن تراكم هذه البيانات في هذا المستودع عبر الزمن سيساعد الباحثين المهتمين بما يسمى التنقيب عن البياناتData Mining على إجراء بحوث تتعلق بمفاهيم متقدمة في معالجة البيانات وتحليلها وصولاً إلى التصنيف والتوقع المستقبلي، وهذا النوع من التحليل يتطلب كمية كبيرة من البيانات، وهو موضوع مقال قادم بإذن الله.
وآلية بناء وتغذية هذه القاعدة في اعتقادي تكمن في تبني مكتبة الملك فهد الوطنية بناء هذه المستودع الإلكتروني، وهو عمل تقني بسيط، على أن يتم التأكيد على كل باحث أن يقدم بيانات عينة الدراسة الخام بالهيئة الإلكترونية، مع نسخة الرسالة كشرط للإيداع، ودون اشتراط شكل معين لكيفية حفظ البيانات (بمعنى أن الباحث يمكن أن يقدم بياناته على هيئة ملف اكسل أو أكسس أو وورد .. إلخ)، وتتولى المكتبة عن طريق مختصيها  ترتيب هذه البيانات وضمان توافرها إلكترونيا للباحثين. أما بالنسبة للبحوث في المجلات العلمية، فيمكن أن تشترط المجلة وجود بيانات البحث على هيئة إلكترونية كشرط للنشر (وهو إجراء متبع خصوصاً في مجال الأبحاث الحيوية)، ويتم تزويد مكتبة الملك فهد الوطنية بها، أو إنشاء مستودع بيانات خاص بالمجلة العلمية، وهو ما سوف يسهم ولا شك في زيادة الطلب على الاشتراك في المجلة.

الأكثر قراءة