الإمارات: إحياء تجارة اللؤلؤ باستزراعه بقدم في الماضي وأخرى في المستقبل

الإمارات: إحياء تجارة اللؤلؤ باستزراعه بقدم في الماضي وأخرى في المستقبل

الإمارات: إحياء تجارة اللؤلؤ باستزراعه بقدم في الماضي وأخرى في المستقبل

إن أكثر ما يبهر في تجربة الإمارات هو نجاحها في التحول السريع من حياة الصحراء والبادية إلى مركز حيوي ومهم سواء على صعيد السياحة أو التجارة أو الأعمال وأعجوبة كونية، وشهد العالم على أن العقود القليلة الماضية من عمر الدولة الفتية كانت كافية للانتقال من حياة البداوة إلى دولة عصرية متطورة وستظل بمقاييس الزمن معجزة حقيقية.
لكن هذا التحول المدهش لا يعني في نظر أهل الإمارات دفن الماضي الذي اعتراه النسيان في بعض المراحل, وتشهد الإمارات اليوم محاولات جادة لإعادة بعث شيء من ماضيها, الذي طواه النسيان وغيبته الحياة العصرية، ومن هذه الأشياء إحياء تجارة اللؤلؤ, خصوصا أن اللؤلؤ كان مصدر رزق قسم كبير من الاماراتيين قبل النفط.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن للإمارات عموما وأبوظبي تحديدا قدما في الماضي وأخرى في المستقبل.
وجهود إحياء تجارة اللؤلؤ متشعبة يقف وراءها أفراد ومؤسسات وفنانون. ولتسليط الضوء على هذه الصنعة لم يكتف أهل الإمارات باستزراع اللؤلؤ بل يقيمون له المهرجانات والأماسي والمعارض المتخصصة, وفي إطار جهود إحياء هذه الصنعة نظمت هيئة الثقافة والتراث في إمارة أبوظبي وبالتعاون مع المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي قبل مدة مهرجان أبو ظبي الدولي الأول للؤلؤ الذي استمر قرابة 49 يوما.
والهدف من ذلك استعادة دور أبوظبي كعاصمة عالمية وتاريخية للؤلؤ الطبيعي، والحفاظ على تراث اللؤلؤ الطبيعي وإعادة إحياء إحدى أهم ركائز التراث الإماراتي الموغل في القدم وإعادة ذكريات الآباء والأجداد، فضلاً عن المساهمة في الحفاظ على تاريخ المنطقة وأصالته وصونه للأجيال المقبلة، كأجود لؤلؤ طبيعي في العالم.
واحتضن ذلك المهرجان أكثر من ألف قطعة من معروضات اللؤلؤ الرائعة والنادرة· تضمنت تشكيلة رائعة من لآلئ الخليج، خاصة أن المصادر التاريخية تؤكد أن أفضل قطع اللؤلؤ تنحدر من منطقة الخليج العربي·
وبهذا الخصوص يقول خالد الصايغ رئيس اللجنة التنفيذية لمهرجان اللؤلؤ إن المهرجان يساهم في إعادة ذاكرة السفر الشاق في غياهب البحر لصيد اللؤلؤ وما يتبع تلك الرحلة الشاقة في أعماق البحر من تنقيته وفتقه من أصدافه والاتجار به في أنحاء البلدان.
ويبقى صيد وتجارة اللؤلؤ مهنة أو فنا يعد الذين يقومون بها على الأصابع في كل زمان ومكان، ولكن ماذا عنها وماذا تبقى من ذكرياتها، هذه الذكريات وما فيها من الشجن والألم والغربة الإجبارية وسط الأمواج المتلاطمة والرياح البحرية العاتية تبقى ديدن الباحثين عما تبقى من فنون هذه المهنة ورجالاتها وحديث أهل السواحل والجزر الذي لا يقطعه إلا آهاتهم وهم يشاهدون على العيان اللؤلؤ الصناعي والعنبر المصبوغ بالعطور المستوردة وقد انزوت في معارض المجوهرات وحتى محال الإكسسوارات الزائفة اللمعان.
ونوه الصايغ إلى الدور التاريخي المحوري والأساسي لأبوظبي كعاصمة عالمية للؤلؤ الطبيعي وهي المعروفة باهتمامها به منذ زمن طويل، إذ كانت جزيرة دلما من أغنى جزر الخليج العربي المحاطة بمغاصات اللؤلؤ كما كانت تشكل سوقا تجارية رائجة لرجال البحر وتجار اللؤلؤ، وكانت إمارة أبوظبي تضم أيضا العديد من المغاصات المهمة بجانب جزيرة دلما ومنها جزيرة داس وصير بني ياس وصير بونعير وغيرها.
وتعد جزيرة دلما أكبر جزر العاصمة وكانت عاصمة اللؤلؤ وكانت تعد قديما ملتقى للرحلات البحرية بين الشرق والغرب وبين دول منطقة الخليج وفيها سوق الطواويش وهي من أهم أسواق بيع اللؤلؤ في الخليج والمعروف أنها كانت من أهم مراكز إنتاج اللؤلؤ الطبيعي قبل ظهور اللؤلؤ الصناعي بداية القرن التاسع عشر.
وفي سياق إعادة وإحياء دور أبوظبي الرائد في تجارة اللؤلؤ ووضعها على الخريطة العالمية لتجارة اللؤلؤ تم أخيرا تنظيم أول مزاد علني للؤلؤ أدارته شركة لايف ستايل اوكشنز، وتم فيه تقديم تشكيلة مكونة من 20 قطعة مذهلة من أجمل لآلئ العالم.
وإحياء تجارة اللؤلؤ لا يقتصر على المهرجانات والأماسي الخاصة به, وبعد غياب طال أكثر من 80 عاما نجحت شركة الإمارات واليابان لزراعة وتجارة اللؤلؤ في رأس الخيمة في إنتاج اللؤلؤ المستزرع للمرة الأولى على مستوى الشرق الأوسط في خليج الرمس بعد توقف دام أكثر من 80 عاما لأقدم تجارة اشتهرت بها منطقة الخليج.
وتوقع عبد الله السويدي مالك الشركة إن يزيد إنتاج الشركة إلى مليون لؤلؤة في الفترة القصيرة المقبلة من خلال استزراع 1.3 مليون محارة.
ويقول السويدي " إذا كان المحار لا ينمو إلا في بيئة نظيفة فإن نظافة ودفء البيئة البحرية في الإمارات هما الضمان الأقوى للاستمرار في نشاطنا ومواصلتنا استزراع وتصنيع وتجارة اللؤلؤ في الإمارات. وتم البدء بجمع المحار وتلقيحه وزراعته.
وبعد ثلاثة أشهر بدأ الفريق بالحصول على اللآلئ، وكانت النتيجة التي وصل إليها المشروع مشجعة جدا. ويقول السويدي «كانت تلك التجربة الأولى للحصول على 40 محارة أنتجت أكثر من 20 لؤلؤة أي أكثر من نصف عدد المحارات، وذلك كون توقيت الاستزراع والتلقيح كان مناسبا جدا، بعد ذلك أردنا تجربة كمية أخرى أكبر كانت نحو ألفي محارة للتأكد من جودة النتائج».
وفي منتصف أيلول (سبتمبر) 2005 أنتجت المحارات بنسبة بلغت أكثر من 80 في المائة إلا أن الشركة لم تزل تعد هذه النتائج في عداد التجربة. ويضيف السويدي: بعد ذلك قررنا وضع المشروع على خط إنتاجي مع استمرار الحفاظ على سريته، فانتقلنا إلى الإنتاج، وخلال ستة أشهر رفعنا إنتاجيتنا من 25 ألف محارة إلى 100 ألف محارة بعد التأكد التام أن البيئة الطبيعية في منطقة الخليج العربي تعد من أكثر البيئات الطبيعية ملاءمة لإنتاج اللؤلؤ واستزراعه.

الأكثر قراءة