الفن لا يعني تصويراً أو انعكاساً لأشياء موجودة فعلا.. ومصادر الإبداع متعددة
بيّن الدكتور محمد الرصيص بعض العوامل التي أثرت في تطور الثقافة الإنسانية ومنها المعتقدات الإلهية وهي مرتبطة بروح الإنسان الذي يولد الشعور بالرغبة في التعبير من خلال عقل الإنسان الذي يخلق ثقافات ومجتمعات مختلفة ومن ثم تتبادل المؤثرات والخبرات الإنسانية بين حضارة وأخرى مما يخلق التغيير والتطور المستمر. جاء ذلك خلال الأمسية التي أقامتها لجنة الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون في مدينة الرياض في مركز الملك فهد الثقافي. وأكد الرصيص على العلاقة القوية بين الدين والفن في تكوين الثقافة الإنسانية، مشيراً إلى أن الفن لا يعني تصويراً أو انعكاساً لأشياء موجوة فعلا، لكنها إشارة تعزيز لأفكار مستمرة من الإبداع اللانهائي. وبعد ذلك تناول الحديث حول العناصر الرئيسية المكونة لخلق الإنسان وعلاقتها بالتعبير الفني: الروح التي تعد الظاهرة الأولى لمصدر الإلهام الذي يخلق النشاطات الفكرية من خلال عقل الإنسان، والعقل الذي يتولى ترجمة المصدر الإلهامي إلى تعبير فني، وفي هذه الحالة فليس من المتوقع وجود فن في حالة المرض العقلي أو الجنون، والعنصر الثالث الجسم الذي من خلاله نرى ونسمع نتائج تعبيرنا الفني. وختم الرصيص حديثه بقوله: إنني لا أستطيع أن أتخيل حياة من غير تعبير فني، فالفن أحد تجاربنا الفكرية التي من خلالها نستطيع أن نكتشف ونعيش ثم نتصرف ونعبر.
وبعد ذلك تحدث الأستاذ الدكتور أحمد عبد الكريم عن جانب آخر هو مصادر التعبير الفني لدى الفنان وبدأ بالفنانين العالميين أمثال بيكاسو ومونيه وغيرهما وكيف استلهم هؤلاء الطبيعة والحياة اليومية والحالات النفسية والمرضية التي تمر بهم ليقدموا أعمالهم ويعبروا عن مشاعرهم، مستعرضاً نماذج من تجاربهم كيف اتخذوا من إبداعهم وفلسفاتهم طريقاً للتعبير فلم تعد الشجرة مجرد نبتة وإنما أصبحت جزءاً منهم فأخذوا يعالجون مواضيعهم من هذا المنطلق. وخلال حديثه أكد على أهمية الدراسة الفنية لعناصر الموضوع لتتيح للفنان قدراً كبيراً من التعرف على كيفية تصوير الموضوع بشكل دقيق ومعبر عن الحركة وخاصة عندما يكون العمل الفني له علاقة بالإنسان أو الحيوان فحركة الأيدي والأرجل والعيون تتطلب دقة ومهارة ودراسة متأنية لكي يتمكن الفنان من تصويرها بالشكل الصحيح، وبعد ذلك استعرض نماذج من أعمال عدد من الفنانين السعوديين والفنانات موضحاً كيف استفاد هؤلاء من المصادر الطبيعية والحياة اليومية والبيئة المحيطة بهم لتكوين أعمالهم وعرض بعض إنتاجهم وابتدأ الفنان محمد السليم رحمه الله وكيف عاش في الصحراء وتعايش معها حتى أصبحت جزءاً من حياته فأخذ يعبر عنها وينقل أحاسيسه ومشاعره من خلالها، وعرض كذلك نماذج من أعمال الفنان على الرزيزاء الذي استخدم المفردة التراثية وما فيها من تفاصيل وقدمها بأسلوبه وطريقته، ثم تناول تجارب الفنانين الشباب وركز على قدرة الفنان في استغلال كل ما حوله ليقدم عملا يعكس مستواه ويظهر مقدرته على التعامل مع الخامات، فهناك العديد من المصادر التي يمكن للفنان أن يستخدمها ويتعامل معها كلٌ حسب أسلوبه وطريقته فالملابس الشعبية والرمال بتكويناتها والزخارف في المنازل والمرأة والرجل كلها توفر الفنان مجالا ليبدع أعمالاً جميلة تحمل حسه وتعبر عن مقدرته وخياله. ثم أجاب المحاضران على مداخلات الحضور.
جاءت هذه الأمسية التشكيلية في وقت ابتعد فيه الكثير من الفنانين عن حضور الأمسيات واللقاءات والمحاضرات نتيجة للتكرار الممل للكثير من المواضيع التي لا تخدم الساحة التشكيلية ولا تضيف الجديد لها فاللجنة استطاعت أن تبتعد عن السياق القديم وتحرص على تقديم الجديد وإن كان أمامها الكثير من التحديات فالساحة التشكيلية تفتقد للناقد المتخصص الذي يستطيع أن يضع يده على مواطن الإبداع ويبين جوانب القصور، فكم هي متعطشة ساحتنا التشكيلية لقراءات نقدية تصنف بطريقة أو بأخرى مستوى أعمال الفنانين أو تتحدث عن مسيرة فنان ومراحل إبداعه. هذا ما تفتقده الساحة فالناقد الجريء الشجاع مازال غائباً عن ساحتنا التشكيلية فهل نرى للجنة دورا في تحريك المياه الراكدة وجلب الناقد الغائب أم أن الناقد مازال غير موجود؟!
مـن الأمسيـــة:
غياب لافت للنظر للأكاديميين وكذلك طلاب الدراسات العليا إلاّ قلة منهم رغم أن ضيوف الأمسية من أساتذة جامعة الملك سعود.