المنطاد الصيني التجريبي للرأسمالية الغربية
المنطاد الصيني التجريبي للرأسمالية الغربية
هكذا تبدو إذا منضدة العمل المثالية: صفوف من الطاولات تجلس عليها سيدات صينيات يرتدين زيا موحدا، معطفا أزرق اللون، ويحنين رؤوسهن ، ويلففن بحركة سريعة بأصابعهن أسلاكا حول حلقات معدنية متناهية الصغر. تعمل السيدات من ثماني إلى عشر ساعات في اليوم،لمدة ستة أيام في الأسبوع.
منذ سبعة أعوام تنتج الشركة الأمريكية للإلكترونيات "ميدكوم" Midcom في مدينة شنجن تلك المدينة الكبيرة القريبة من جزيرة هونج كونج التي أصبحت خلال أعوام قليلة من لا شيء، منطادا تجريبيا للرأسمالية. ومنذ مطلع العام تنتمي شركة ميدكوم التي يعمل فيها 4200 موظف إلى إمبراطورية ملك الصواميل (البراغي) راينهولد فورت، المنحدر من منطقة "شفيبشهال" غرب ألمانيا. فقد اشترت "فورت إلكترونيك"، وهي إحدى الشركات الفرعية في مجموعة فورت Wurth Gropu، مؤسسة "ميدكوم" - واشترت بذلك أيضا مصنعين اثنين، أحدهما في مدينة شنجن حيث يعمل فيه 1700 موظف صيني، والآخر في مدينة فولنج حيث يعمل فيه 2500 صيني. وقد زار المصنع الجديد في شنجن، مؤسس المجموعة "راينهولد فورت" الذي يطالعه الآن في تقريرنا.
في الواقع آثر فورت الذي يبلغ من العمر 72 عاما عدم متابعة أي أعمال تشغيلية منذ زمن طويل. ويدير الشركة في الوقت الحالي روبرت فريدمان، المتحدث الرسمي باسم إدارة المجموعة، فيما ترأست ابنة فورت "بيتينا" المجلس الاستشاري. ولكن عندما يقول فريدمان في حديثه عبارة "الرئيس" فإنه يقصد راينهولد فورت، هذه الشخصية النموذجية الأصلية التي استطاعت أن تؤسس شبكة مؤسسات تشمل 375 شركة في 83 دولة، وتشغل ما يزيد على 60 ألف موظف ويبلغ حجم تعاملاتها 7.74 مليار دولار سنويـا. وفي طريق الكفاح للوصول إلى الحجم، والتركيز على النمو والتوسع تشبه الشركة من مدينة "كونتسيلزاو" الألمانية تلك المملكة العملاقة في الشرق الأقصى. فالصين أيضا دولة تواقة وتنمو بمعدلات عالية وتسير بسرعة كبيرة إلى الأمام.
وطار الرئيس إلى الصين يقود بنفسه إحدى طائراته الخاصة. وهذا ما يرغب في فعله، وهو تولي قيادة زمام الأمور بنفسه. وفي المصنع الذي اشتراه حديثا في مدينة شنجن، حيث يطلع بصحبة فريدمان وبقية الوفد المصاحب له على صالات الإنتاج والمكاتب، يصافح فورت العاملات ويحييهن بكل ود وينظر من خلال مجهر ضبط الجودة على جودة المنتجات، ويحاول بنفسه جاهدا أن يلف سلكا حول حلقة معدنية. هذه الحلقات المعدنية التي هي عبارة عن جهاز إرسال تباع في النهاية من مصنع شنجن بنحو 50 سنتا للحلقة الواحدة، وهذا من شأنه أن يقلص المجال أمام رفع تكاليف الإنتاج. ولكن العمل في الصين رخيص بالمقارنة، ولهذا السبب يتم تقسيم العمل إلى خطوات عديدة بسيطة، بحيث إن العاملات غير المتعلمات يستطعن أن يتعلمن بسرعة. ويطلق "أوليفر كونز"، مدير أعمال شركة "فورت إلكترونيك آيسوس" Wurth Electronic Eisos، على هذه الاستراتيجية، مصطلح "الإدارة الدقيقة" Micro-Management. ويشير إلى الخطوط المرسومة على الأرض التي تحدد أين يجب أن تجلس العاملات، ويقول "يجب أن توضع قواعد وأصول، وحينها يمكن الحصول على جودة عالية في الصين". وتقع أعمار السيدات اللواتي يعملن لدى فورت في شنجن في العشرينات. وهن عاملات متنقلات من الأقاليم البعيدة يأتين للعمل في المدن لعدة سنوات. وتتراوح أجورهن ما بين 150 و160 يورو في الشهر، ويحصلن على مسكن ورعاية.
وتدير مجموعة فورت في الصين أنشطة متعددة منذ زمن طويل. وكانت المرة الأولى لها في الصين بعد الثورة الثقافية، كما يروي فورت في حفلة العشاء. في ذلك الحين لم يلق الرأسماليون القادمون من الغرب ترحيبا من الشعب، ولكن على الرغم من ذلك كان في إمكانهم الشراء، بالإضافة إلى أنه تم وبسرعة كبيرة نوعا ما، تأسيس مناطق اقتصادية خاصة. وعلى الرغم من المصاعب أدرك فورت القوة التي تتمتع بها الصين، "فمجرد الحجم، هذه سوق ضخمـة".
وفي عام 1994 أسست أخيرا مجموعة فورت أول شركة صينية تابعة لها، هي فورت هونج كونج. واليوم تمتلك المجموعة في الصين17 شركة إلى جانب "ميدكوم"، من بينها مصانع إنتاج. جميع هذه الشركات هي شركات فرعية بحتة، حيث إن مجموعة فورت لا تخوض مبدئيا أي مساهمات أو شراكات مع شركات أخرى في أي مكان في العالم. وفي ذلك يتمسك فريدمان بطرفة على المستثمرين: "كيف يستطيع شخص في الصين أن يصنع من خلال ائتلاف ثروة صغيرة ؟ عن طريق استثماره ثروة أكبر". وأكبر منشأة للمجموعة فورت في الصين في طور الإنشاء في المدينة الكبيرة شينيانج الواقعة شمالي الصين، وسيتم إنشاء "مجمع فورت الصناعي" بتكلفة 30 مليون دولار.
وفي الوقت الحالي تحقق مجموعة فورت في الصين حجم تعاملات مع الزبائن الأجانب ما قيمته 47 مليون يورو فقط - وهذا يعد قليلا قياسا بإجمالي حجم تعاملات المجموعة. كما أن جميع العاملين في منشآت المجموعة في الصين والبالغ عددهم خمسة آلاف موظف لا يشكلون ذلك الثقل المهم - حتى هذه اللحظة. حيث إن مجموعة فورت تؤمن بأن السوق الصينية هي سوق الغد. ويضيف فورت "أنا أتوقع، أن تسهم الصين خلال الأعوام العشرة المقبلة في نمو حجم تعاملات المجموعة المتواصل ما نسبته 3 إلى 5 في المائة". وخلال 25 عاما يتوقع فورت حجم تعاملات في الصين ستفوق المليارات من اليورو، ولا يستبعد أن تشكل حصة 10 في المائة من إجمالي حجم تعاملات المجموعة فورت.