مدارس ابتدائية تخرِّج ملايين الأميين .. 100 مليون طفل لا يجيدون القراءة

مدارس ابتدائية تخرِّج ملايين الأميين .. 100 مليون طفل لا يجيدون القراءة

سوريندر جافاريا، الابن البالغ من العمر عشر سنوات لأب أميّ، يعمل بائعا جائلا للأواني المعدنية في ولاية راجاستان الريفية، يحلم بأن يكون ضابط شرطة، لكن مستقبله يبدو قاتما منذ الآن. على الرغم من أربع سنوات في المدرسة الابتدائية الحكومية المحلية في قريته، جافاريا كي دهاني، الصبي، وهو الآن تلميذ في السنة الخامسة، لا يمكنه قراءة الهندية الأساسية.
أستاذه، جاغديش براشاد بيروا، يبرر عدم قدرة سوريندر على القراءة بحضوره غير المنتظم إلى المدرسة، فهو كثيرا ما يغيب عن الحصص لرعي ماعز الأسرة. يقول بيروا عن 19 طفلا مسجلين في مدرسة القرية الصغيرة: "إنهم ليسوا منتظمين للغاية، وخلال موسم الحصاد، أو عندما يكون هناك عمل في المنزل، لا يحضرون. وبذلك ينسون كل ما تعلموه".
ومع ذلك تعتبر المداولات داخل الصفوف العارية الجدران، بالكاد ملهمة بالنسبة لتلاميذ الجيل الأول مثل سوريندر الذي لم تتمكن عائلته من تقديم أي تحضير له في مرحلة ما قبل المدرسة.
كل يوم، يجلس التلاميذ - وهم مزيج من مختلف الأعمار والدرجات ومستويات المهارة - معا في غرفة مظلمة واحدة، يقضي معظمهم الوقت في العمل بشكل مستقل في واجبات مكتوبة، يصححها بيروا بعد ذلك.
فشل سوريندر في الإلمام بمهارات القراءة والكتابة الأساسية بعد أربع سنوات من الدراسة هو انعكاس لأزمة عميقة في نظام الهند للتعليم الابتدائي، الذي يهدد بإعاقة توقعات عشرات الملايين من الشباب - وكذلك طموحات اقتصادية أوسع نطاقا في الهند.
على الرغم من أن الهند نجحت في جلب جميع الأطفال الصغار تقريبا إلى المدارس الابتدائية، إلا أن الدراسات تشير إلى أنها فشلت في تعليم الكثير منهم حتى المهارات الأساسية.
ووفقا للحالة السنوية لتقرير التعليم لعام 2014- وجدت دراسة استقصائية شملت 650 ألف طفل نظمتها مؤسسة غير حكومية هي براثام للتعليم، أن أكثر من نصف تلاميذ الصف الخامس في المناطق الريفية في الهند لا يمكنهم قراءة قصة بسيطة للصف الثاني بطلاقة. ونحو 75 في المائة من تلاميذ السنة الثالثة لا يستطيعون إجراء عملية طرح عدد مكون من خانتين، في حين أن ما يقارب 20 في المائة من تلاميذ السنة الثانية لا يمكنهم التعرف على الأعداد حتى 9.
وما يثير القلق هو انخفاض النتائج إلى حد كبير منذ بدء عمليات التقييم في عام 2005. وبحسب تقديرات مادهاف شافان، الرئيس التنفيذي لشركة براثام، على مدى العقد الماضي أكمل 100 مليون طفل المرحلة الابتدائية في المدرسة دون التمكن من القراءة ومهارات الرياضيات الأساسية.
براثام ليست وحدها التي تعطي النظام التعليمي في الهند علامات ضعيفة. في عام 2009، احتلت الهند المرتبة الـ 73 من 74 دولة مشاركة في اختبار تجريه كل ثلاث سنوات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في القراءة والرياضيات والمهارات العلمية لمن هم في عمر 15 عاما، أو نحو ذلك. وكانت نيودلهي منزعجة من تلك النتائج إلى درجة أنها رفضت المشاركة في جولة لاحقة. ويقول مسؤولون إن تركيز الاختبار على حل المشكلات أمر غير عادل لتلاميذهم الذين يتم توجيههم أكثر نحو فهم الحقائق.

الأثر الاقتصادي
فشل المدارس الابتدائية الهندية في تحقيق النتائج المرجوة له تداعيات كبيرة على خطة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، لاستحداث ملايين من فرص العمل الجديدة لشباب الريف الذين يطمحون للخروج من قراهم إلى العمالة غير الزراعية. ومعظم فرص العمل المستحدثة توجد في مجال الخدمات وتتطلب معرفة القراءة والكتابة وعمليات الحساب الأساسية. والشباب الذين يفتقرون إلى هذه المهارات الأساسية من المرجح أن تصل بهم الرياح إلى العمالة التي بالكاد يدفع لها من الأجر ما فيه الكفاية من أجل البقاء.
وحول نظام التعليم في البلاد يقول مانيش سبهاروال، رئيس تيم ليز، أكبر شركة للموارد البشرية في الهند: "هذا يعتبر قيدا ملزما للمجتمع، لدينا هذه العمالة من ذوي المهارات المتدنية والإنتاجية المنخفضة. الناس في وظائف لا تمنحهم ما يكفي للانسحاب من الفقر".
وحققت الهند تقدما كبيرا في ضمان الحصول على التعليم الابتدائي منذ التسعينيات، عندما كانت نسبة الالتحاق أقل من 80 في المائة. في ذلك الوقت، كثير من الأسر الريفية كانت تعيش بعيدا جدا عن أقرب مدرسة، وبالتالي لم يكن من الممكن إرسال أطفالهم إليها بشكل مريح، خاصة الفتيات. وكثير من الأسر الريفية لا ترى أن هناك قيمة كبيرة للمدارس التي بدت بعيدة كل البعد عن حياة محورها الزراعة.
لكن على مدى العقد الماضي دفعت الهند بجد نحو تعزيز التعليم الابتدائي، مدعوما بتعديل دستوري عام 2002 يعلن أنه "حق أساسي" لكل طفل يراوح عمره بين ست و14 سنة. وانطلقت حملة "التعليم للجميع" لضمان أن تكون هناك مدرسة ابتدائية يسهل الوصول إليها من كل منزل.
ومن عام 2005 إلى عام 2015، بنت الهند نحو 350 ألف مدرسة ابتدائية جديدة. اليوم، أكثر من 95 في المائة من القرى لديها مدرسة ابتدائية حكومية، والالتحاق فيها عام وشامل.
يقول ياميني إيار، مدير "مبادرة المساءلة"، وهي مشروع بحثي يراقب تقديم الخدمات العامة: "كان يتم تصور التعليم حقا على أنه مشكلة على صعيد البنية التحتية الأساسية - ليس لدينا ما يكفي من المدارس، ليس لدينا ما يكفي من المعلمين، كان علينا بناء بيئة حيث يصبح من السهل الوصول إلى المدرسة".
ارتفاع التطلعات الريفية، يغذيه تسارع النمو الاقتصادي وتزايد الضغط السكاني على الأراضي الزراعية، حفز اهتمام الآباء والأمهات بتعليم أبنائهم. وكثير من الآباء والأمهات في المناطق الريفية يرون الآن أن التعليم يعتبر مسارا للوظائف الحكومية المرموقة.
تقول إستر دوفلو، وهي اقتصادية مختصة بالتنمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "يؤمن الناس بالقول إن التعليم مهم. لكنهم يرون أنه تذكرة يانصيب لشيء رائع مقارنة بمؤسسة من شأنها أن تساعد أطفالهم بغض النظر عما يفعلونه".

التعليم التلقيني
لكن صناع السياسة الهندية، في حماستهم لبناء المدارس وتشجيع الحضور إليها مع تقديم حوافز مثل وجبات مجانية، لم يبذلوا اهتماما بما يجري داخل الفصول الدراسية الجديدة. كان هناك القليل من النقاش الوطني الجدي حول كيفية تدريس المهارات الأساسية على نحو فعال لملايين التلاميذ من الجيل الأول.
يقول فيمالا راماشاندران، وهو أستاذ في الجامعة الوطنية للتخطيط التربوي والإدارة في نيودلهي: "قالت الحكومة إن المهم أن نجلب الأطفال إلى المدرسة، وعلينا أن نؤجل الشعور بالقلق حول الجودة إلى وقت لاحق، سوف نقلق بشأن محتوى التدريس في وقت لاحق". ويضيف: "إنهم يفصلون الأهداف الكمية عن ما يحدث داخل المدرسة".
إيار تكرر هذا الرأي: "ركزت الحكومة تماما على توفير مدارس للأطفال وإحضارهم إليها. وتفترض أن قصة التعليم والتعلم ستتولى أمرها بنفسها".
ويجادل بعضهم بأن المستويات التعليمية المنخفضة في الهند هي نتيجة لـ "الطموح المفرط" في المنهج الوطني الذي يفترض أن جميع التلاميذ سوف يتقنون القراءة في السنة الأولى من المدرسة، حتى مع أنهم يأتون من بيئات لا تكثر فيها النصوص، مع القليل أو عدم التعرض في السابق للمواد المكتوبة. وتقول دوفلو: "بحلول نهاية الصف الأول، من المفترض أن يتقنوا مهارة القراءة". وتضيف: "إنه أمر خيالي تماما".
روكميني بانيرجي، مديرة "مركز إيسر"، الذي يشرف على تقرير براثام السنوي، تقول إن الأطفال يحتاجون إلى بداية أكثر تدرجا في التعليم، مع توفير وقت لقضائه على تطوير القراءة والكتابة ومهارات الرياضيات. وتضيف: "إذا كانت الكتب المدرسية لدينا تعتبر صعبة للغاية، فإن أطفالنا سيتركون دون تحقيق نتائج، وإذا وضعت الأسس الصحيحة، فإن الأطفال سيحلقون".
بدلا من ذلك، بعد عام واحد فقط، من المتوقع للمعلمين نشر كميات هائلة من المعلومات الواقعية للتلاميذ، بغض النظر عن فهمهم لذلك. تقول راماشاندران: "أصبح لدينا منهج تحركه المعلومات أكثر مما تحركه المهارات المعرفية، بدلا من تعليم الطفل كيفية التعلم (...) نحمل مناهجنا الدراسية حمولة زائدة من المعلومات".
المدارس بالكاد مواتية للتعلم كذلك. في العديد من المدارس الابتدائية في المناطق الريفية معلم أو اثنين فقط لتعليم فصول مختلطة، مع وجود تلاميذ من جميع الأعمار ومستويات الكفاءة يجلسون معا في غرفة واحدة. يجب على المدرسين، وكثير منهم لديهم تدريب بدائي فقط، تقديم الدروس المقررة على التلاميذ من كل مستوى، مع إبقاء آخرين مشغولين بعمل مستقل. وجادل مسؤول حكومي بارز طلب عدم الكشف عن هويته، بأن الهند بنت في الواقع عددا يفوق الحد من المدارس، ما أدى إلى انتشار المعلمين والتلاميذ بشكل هش جدا.

المعلمون الغائبون
في الوقت نفسه، نسبة الغياب العالية للمعلمين - تشير الاستبانات إلى أن 15 إلى 25 في المائة من المعلمين المعينين يغيبون في يوم من الأيام - يقوض النسبة التي يفرضها القانون، بأن يكون هناك مدرس لكل 30 تلميذا. ولدى المعلمين أمن وظيفي، لكن من دون أي مساءلة حقيقية بخصوص أداء تلاميذهم.
ويتفاقم الوضع بسبب حكومات الولايات التي تستغل المدرسين والقوى العاملة بشكل روتيني لأداء مهام واسعة النطاق، مثل الانتخابات والاستطلاعات. في مدرسة قرية راجاستان، كان سي إس تشودري بمفرده يتولى رعاية 70 تلميذا تراوح أعمارهم بين ستة و14 عاما، وهو أمر يقول إنه عادي.
ويضيف: "من الصعب جدا إدارتهم جميعا. مستويات تعلمهم مختلفة. نحن لسنا قادرين على إعطاء تلاميذنا ما يريدون، وما هم قادرون على القيام به. نصف الوقت يمر فقط في إدارة التلاميذ".
قانون الحق في التعليم أدى إلى تفاقم التحدي أمام عملية التدريس، واستوجب تدريس التلاميذ دروسا مناسبة لفئتهم العمرية - بدلا من أن تكون مناسبة لمهاراتهم الفعلية، أو فهمهم، أو مستواهم التعليمي. في هذه الظروف الصعبة، معظم المعلمين - مهما كان تخصصهم - في نهاية المطاف يركزون على التلاميذ الأقدر على المواكبة، في حين يتم ترك الباقي للتعثر.
تقول بانيرجي، من مركز إيسر: "فكروا في معلمة الصف الخامس، انظروا من لديها في صفها. 5 في المائة من الأطفال لا يستطيعون حتى قراءة الأحرف، 13 في المائة هم فقط في مستوى قراءة الأحرف. و15 في المائة غيرهم يمكنهم فقط قراءة الكلمات، ومن ثم ترى [الآخرين] نصف صف ممن يستطيعون القراءة. يصيبها هذا بالإحباط. إنها تريد أن ترى تقدما، وبذلك تعلم الأطفال ما يمكنهم فعلا استيعابه. لكنها ليست مدربة على ما يجب القيام به مع البقية".
والنتيجة هي تزايد خيبة الأمل من التعليم الحكومي. الأسر التي تستطيع تحمل تكاليف التعليم تضع أطفالها في مدارس خاصة بدائية، في حين يكافح التلاميذ في المؤسسات الحكومية للانسحاب تدريجيا والانقطاع عن الدراسة. الحضور في المدارس الابتدائية الحكومية في المتوسط نحو 70 في المائة، إلا أنه يعتبر أقل من نصف ذلك في عديد من الولايات الكبيرة. في حين أن الالتحاق بالمدارس الثانوية أقل من 70 في المائة.
أطلقت حكومة مودي مبادرة بعنوان "الهند تقرأ، الهند تتقدم"، وهي تقدم رؤية مثالية لتدريس الأطفال في المقام الأول. والهدف من ذلك هو تطوير معرفة القراءة والكتابة والرياضيات في أول سنتين في المدرسة، لكن من غير الواضح كيف سيتم تنفيذ البرنامج على نطاق واسع، نظرا لواقع معظم الفصول الدراسية.
ويعتقد كثيرون أن التعلم سيتحسن بدرجة كبيرة فقط عندما تتخذ بيروقراطية التعليم في الهند – التي ترصد الآن بقلق شديد مراحيض المدارس، والأسوار، ومياه الشرب النظيفة - دورا أكثر نشاطا في التقدم الأكاديمي.
تقول إيار: "لا يوجد حل سحري، لكن في عالم مثل هذا، تجري المساءلة حول ما يمكن قياسه. إذا كانت الحكومة تسأل عن أي شيء، فإنه سيكون: هل تم بناء المدرسة، هل الحمامات متوافرة؟ لا أحد يسأل عما إذا كان المعلم يظهر حتى في المدرسة، أو بمجرد التحاق الأطفال بالمدارس، ما الذي سيحدث؟".

الأكثر قراءة