شهوة الاستحواذ الهندية تدق أبواب شركات الأدوية الأوروبية

شهوة الاستحواذ الهندية تدق أبواب شركات الأدوية الأوروبية

أنت لا تعرف هذا الرجل الذي لا يزال مبتدئا في قطاع الصناعة الهندي, إنه جيريش باتل الذي سرعان ما يعلو نجمه فهو رجل لا تخيفه الأهداف الطموحة الكبيرة.
لقد أسس هذا الرجل الذي لا يزيد عمره على 46 عاما مع والده شركة باراس فارماسويتكالس Paras Pharmaceuticals ويتوقع باتل أن يزيد حجم مبيعات الشركة خلال خمسة أعوام فقط إلى ثلاثة أضعاف, إنه واثق من هذا الأمر تماما, ولم لا يثق؟ فالطبقة المتوسطة في الهند التي تبلغ حاليا نحو 350 مليون نسمة، تنمو سنويا بمعدل 20 مليون فرد تقريبا. في النهايـة الدواء يحتاج إليه الناس جميعا.
بدأت "باراس" مسيرتها قبل 20 عاما بإنتاج عقار واحد اسمه موف وهو عبارة عن مسكن مصنّع على أسس الطب الشعبي الهندي، أما اليوم فتمتلك الشركة من مدينة أحمد أباد في حقيبتها 15 مستحضرا دوائيا من التي تصرف بغير وصفة طبية، ومنتجا صحيا، تبيعها الشركة في 40 دولة. وانضمت إلى "باراس" في هذه الأثناء شركات تمويل مالي عالمية مثل شركة سيكويا كابيتال Sequoia- capital من ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

صحيح أن بعض الشركات الهندية مثل دكتور ريديس Dr. Reddy's أو رانباكسي Ranbaxy اتسعت شهرتها في الغرب، وذلك بعدما لفتت الانتباه بصفقات استحواذ على شركات متوسطة. ولكن الساعين إلى رؤوس أموال المخاطرة على مستوى العالم يعرفون تمام المعرفة، السبب الذي يدفعهم إلى التركيز على قطاع صناعة الأدوية في الهند. بالقياس إلى طاقته الإنتاجية يحتل قطاع صناعة الأدوية الهندي المرتبة الرابعة في العالم، وبالقياس إلى قيمة إنتاجه يحتل المرتبة الثالثة عشرة. لكن الأهم في نظر المستثمرين: الهند تصنّع أدوية - معتمدة حتى من قبل الهيئات الأمريكية الصارمة - بتكلفة تراوح بين 30 و40 في المائة من تكلفة الإنتاج في الغرب. وإلى الآن ما زالت تكاليف اليد العاملة في الهند لا تتجاوز ربع تكاليف اليد العاملة في ألمانيا أو الولايات المتحدة. ويقول براكاش كابرا من معهد التحليلات الاقتصادية كريسيل في العاصمة نيودلهي إن الهند تمتلك مجموعة من الكيميائيين تفوق ست مرات حجم الكادر في أمريكا ولكن لا تكلف سوى العشر كأقصى حد. ويقدر عارفون بالسوق نمو القطاع من 8 إلى 10 في المائة سنويا.
إلا أنه يجب على الشركات الهندية أن تتسلح الآن لمرحلة اندماج الشركات: في الوقت الحالي يوجد في القطاع ما يزيد على 20 ألف شركة، من بينها تحتل الشركات العشر الرائدة ما لا يقل عن 38 في المائة من السوق. لكن كلما زاد الضغط الدافع إلى الاندماج وكلما تدفقت شركات أجنبية أكثر إلى البلاد من أجل رفع مستوى المزايا، ازداد الضغط على الشركات الهندية لكي تُقدم من جانبها على الاندفاع نحو الغرب.
وفي شباط (فبراير) العام الماضي قامت دكتور ريديس لابوراتوريس ليمتد بالخطوة الأولى: فقد استحوذت الشركة الهندية على شركة بيتافارم الألمانية لتصنيع المستحضرات غير الطبية مقابل 480 مليون يورو. وقد حالف النجاح الشركة الهندية، فقط لأنها تمثل حالة استثنائية بين مجموعة الشركات الأخرى: فـدكتور ريديس تمتلك قسم أبحاث قويا ومستثمرين استراتيجيين مثل آي سي آي سي فينتس, ومجموعة سيتي جروب المالية وبفضل مساعدات تلك المؤسسات المساهمة تشكل السوق الهندية اليوم ما نسبته 34 في المائة من إجمالي حجم تعاملات المجموعة دكتور ريديس، فيما تمثل الولايات المتحدة 16 في المائة وأوروبا 11 في المائة وباقي العالم 38 في المائة.
وأهمية هذه الأسواق الأجنبية تزداد شيئا فشيئا. وعلى نطاق عالمي أوسع تعمل اليوم كبرى شركات تصنيع أدوية في الهند رانباكسي لابوراتوريس ليمتد التي تحقق 78 في المائة من حجم تعاملاتها خارج شبه القارة الهندية. وعلى خطاها نفسها تأتي الآن الموجة الثانية لشركات الأدوية الهندية. فنظرا للانطلاق السبّاق للشركات الكبيرة، ونظرا لموجة الاندماج المهددة وموجة الاستثمار الآتية من الغرب تدرك الشركات الهندية كل الإدراك أن مزايا موقع العمل التي يتمتعون بها في الوقت الحالي، تقارب نهايتهـا على المدى البعيد. ويقول جي في براساد، رئيس مجلس إدارة دكتور ريديس لا نستطيع أن نعتمد إلى الأبد على مزايا قلة التكلفة الإنتاجية لدينا، فيوما ما سوف تتلاشى.

وعلى كل حال ترتفع أجور العلماء ومهندسي المختبرات سنويا بنسبة تزيد على 15 في المائة. ويحذر أبهاي شانبهاج البنك الألماني دويتشه بنك ويقول الطلب على المستحضرات غير الطبية سيبقى بلا شك قويا، ولكن العرض ينمو بقوة أكثر. ويضيف نحن نقف من قطاع الأدوية الهندي على المدى المتوسط موقف المتشكك. ولا يبقى أمام الهنود إلا الهروب إلى الأمام، وهذه هي اللعبة المفضلة التي تمارسها وسائل الإعلام الهندية في هذه الأيام. وفي الآونة الأخيرة ذكرت الصحف الهندية شركتين جديدتين دخلتا السباق: المتسابق الأول أوروبيندو فارما Aurobindo والتي دخلت مع المؤسسة المساهمة سي في سي كابيتال بارتنرز في شراكة لأجل المزايدة. وأما الثاني فهو شركة تورينت فارما Torrent Pharma، التي ارتبطت مع المؤسسة المساهمة جريتر باسيفيك كابيتال والتي يقع مقرها في لندن.

وما يحرّض بكل هذه الشائعات هو الثقة المفرطة بالنفس لدى الهنود بعد نجاح تاتا ستيل في عقد صفقة الاستحواذ الكبيرة على شركة كوروس الأوروبية لصناعة الحديد والصلب. ولكن أيضا قانون قدر المستطاع يلعب دوره في هذا التفاؤل المفرط: الشركات الهندية تعد شركات قوية ماليا ولديها عزيمة شراء، وبالأخص شركات تصنيع الأدوية تقع تحت ضغوطات لتقوية نفسها. وفي هذا يُتغاضى بعض الشيء عن نقاط وأسئلة حرجة: فمن هي الشركة الهندية التي تستطيع أن تدفع، ولو حتى بمساعدة مستثمرين ماليين من أمريكا، أكثر من أربعة مليارات دولار مقابل شراء قطاع المستحضرات غير الطبية للمجموعة ميرك الألمانية؟ انشوكانت تانيجا، من ستاندارد آند بورز يقول إن الطموح هو الدافع إضافة إلى حب المغامرة والثراء لكنه يحذر في ذات الوقت من أن الشركات الهندية بهذا تخوض بحرا مجهول العمق.

الأكثر قراءة