"النقود في أيدي النساء الفقيرات أفضل من أن تكون عند الرجال"
لم يسطع نجم الخبير الاقتصادي محمد يونس فقط بعد أن فاز بجائزة نوبل للسلام العام الماضي، بل إن محمد يونس كان قبلها من النجوم اللامعة على ساحة السياسة التنموية. فمن خلال بنك القروض الصغيرة ( بنك جرامين Grameen Bank) الذي أسسه، محمد يونس لتحرير أعداد كبيرة من أنياب الفقر في مسقط رأسه بنجلادش وعاونهم على الخروج من وضعهم اليائس. محمد يونس يقدم حفنة صغيرة من الدولارات يساعد من خلالها ومنذ أكثر من ثلاثين عاما الفقراء في بلاده لا من خلال المساعدات المباشرة ولكن من خلال تحويلهم إلى مستثمرين صغار. وفي هذه الأثناء وجد نموذج القروض الصغيرة هذا في العديد من دول العالم التي اتبعته.
هل نستطيع أن نحصل منكم على قرض مالي؟
بالقطع لا، فأنتم أغنياء لكي تحصلوا على قرض. لقد أصدر بنك المساعدات الذي أديره قائمة تدقيق، نتبعها عند منح القروض. ففي البداية نطالع منزل الذي يحتمل أن يستحق القرض، هل ينام على الأرض، هل يمتلك أثاثا وهل تتسرب مياه المطر داخل بيته، إذا كان الجواب نعم، فحينها يستحق المتقدم الحصول على القرض، وذلك لأنه فقيـر. ولكن إذا كان في البيت أكثر من حجرة واحدة والسقف كان متينا لا تنفذ منه الأمطار، فحينها يجب أن ينتظر لكي يحصل على القرض. القواعد التي نتبعها في هذا صارمة جدا، حيث إننا لا نحصل من المقترض على أية ضمانات، ولكن مع ذلك 99 في المائة من المدينين يردون القروض التي أخذوها.
لماذا تشكل النساء 97 في المائة من المدينين؟
لقد بدأت عملي عندما أقرضت منذ أكثر من ثلاثين عاما 42 شخصا 27 دولارا. في ذلك الوقت لاحظت بسرعة، أن البنوك ليست مستعدة لمنح قروض للناس الفقراء، ولهذا السبب كان هدفي في البداية هو منح القروض للفقراء فقط، وكان يجب كذلك أن يكون نصف المدينين من النساء. ولكن في البداية كان من الصعب العثور على سيدة لمنحها المساعدات المالية. فقد كانت المرأة تقول: أعطوا النقود لزوجي أفضل. لقد استغرق الأمر معي ستة أعوام حتى أصبح 50 في المائة من المدينين نساء. وبعدها لاحظنا بسرعة أن النقود في أيدي النساء أفضل من أن تكون عند الرجال.
لماذا؟
عندما نعطي النقود للرجال، فإنهم يستثمرونها نسبيا في أعمال جيدة كما النساء. ولكن بالأرباح يريد الرجال أن يمتعوا أنفسهم، فيصرفون النقود بلا مغزى وهدف. أما النساء، فهن على النقيض، يوظفن الأموال من أجل أن يستثمرنها لأولادهن ومنازلهن. الرجال يعيشون أكثر في الواقع المعاش بعكس النساء اللائي يفكرن أكثر في مستقبل عائلاتهن. وعندما لاحظنا هذه الأمور، بدأنا نمنح القروض بصورة مكثفة أكثر للنساء.
كيف يمكننا الاستفادة من خبراتك لدعم سياسة المساعدات التنموية؟
في نظري تتسلط الأضواء بالدرجة الأولى على مسألة واحدة: ماذا ستغير المساعدات التنموية في حياة إنسان فقير؟ مجرد بناء شارع أو طريق جديد لا يعتبر في نظري مساعدة تنموية. ولكن عندما يستطيع إنسان فقير أن يجد في اليوم قوتا لوجبتين بدلا من وجبة واحدة، حينها يعتبر هذا في نظري مساعدة تنموية مثالية. دعني أوضح ذلك بمثال بسيط: في بداية عملي في بنجلادش قابلت نساء لا تمتلك الواحدة منهن سوى ثوب واحد ولا تستطيع أن تغادر منزلها إذا غسلت هذا الثوب.
يقال دائما وأبدا أن التغلب على الفقر يحتاج إلى أموال طائلة فهل هذا صحيح؟
النقود تعد طبعا عاملا رئيسيـا. وحتى لقروض صغيرة يحتاج المرء إلى نقود. ولكن قد تنفق المليارات من النقود دون أن تتحسن أوضاع الفقراء. فعندما تعطي دائما الطعام للرجل الفقير، فهذا لا يعتبر مثالا جيدا على نجاح المساعدات التنموية، لأن هذا سيجعل الفقير يعتمد دائما على هذه السياسة. ولهذا السبب درسنا ذات مرة المساعدات التنموية الممنوحة لبنجلادش.
وماذا كانت النتيجة؟
ثلاثة أرباع النقود المخصصة لبنجلادش بقيت في خزائن الدول المانحة. والباقي ذهب للإدارة العامة في بلدي. وهنا تختفي الكثير من الأموال في قنوات مظلمة. وماذا استفاد الفقراء من هذه الأموال؟ لربما يستفيدون من الجسر الذي تم بناؤه، وربما لا. فالأجدر أن يستفيد الفقراء دائما من جميع الإجراءات، وإلا فلا فائدة من كل النقود الممنوحة.
وكيف يجب إذا التصرف بدلا من ذلك؟
يجب أن نغير أسلوب التفكير تماما. صحيح أن بناء الجسور في بنجلادش أمر مهم، وهنا أؤيد سياسة البنك الدولي. ولكن عندما يريد المرء أن يبني جسرا، فعليه أن يعطي العطاء لشركة مقاولات أصحابها هم المواطنون الفقراء. فمن خلال بناء الجسر سيحصل هؤلاء على إمكانية لتحقيق إيرادات. فمن يريد أن يستخدم الجسر عليه أن يدفع رسوما في المقابل. ومن لا يريد الدفع، فعليه أن يعبر النهر بوسيلة أخرى. المغزى الرئيسي من فكرتي هو أن يحصل الفقراء على حقوق التملك لهذا الجسر، لأنه حينئذ سيهتمون أيضا أكثر لبقاء المصدر الذي يجلب لهم الإيرادات. ولكن لتمويل هذه المشاريع الضخمة مثل مشاريع البنية التحتية نحتاج إلى دول مانحة أجنبية. وفي موطني لا تستطيع البنوك في الوقت الحالي تغطية تكاليف مثل هذه المشاريع.
هل من المستحسن إغلاق البنك الدولي؟
لا، فأولا وآخرا تكمن في البنك الدولي نوايا طيبة.
ولكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي!
لهذا السبب يجب على رئيس البنك الدولي الجديد أن يعيد هيكلة المنشأة بكاملها. وإذا ما قاس المرء تلك المنشأة بهدفها التي تسعى إليه وهو مكافحة الفقر في جميع أنحاء العالم، فسيجد أنها لم تكن ناجحة جدا في هذا. ولهذا السبب لا يجب أن تُترك على ما هي عليه. فعلى الرئيس الجديد أن يجعل من البنك الدولي بنكا للفقراء.
ما هو الهدف الذي يجب على الرئيس الجديد أن يضعه نصب عينيه؟
في البداية عليه أن يذكر تاريخا يحدد فيه متى سيتم القضاء على الفقر تماما. وهذا يجب أن يتم مع حلول عام 2030. وحينها يجب أن يكون المرء قد جعل من الفقر رواية تذكر في المتاحف.
هل يضايقك أن العالم كله لا يتحدث إلا عن إفريقيا وليس عن مسقط رأسك بنجلادش؟
ليس بالضرورة. الأهم لبنجلادش من المساعدات التنموية، هو أن تقوم الدول الصناعية بفتح أسواقها لنا. نحن نعاني بالدرجة الأولى من الرسوم الجمركية العالية التي تفرضها الولايات المتحدة. فليس هناك أي سبب يدفعهم إلى فرض أعلى الرسوم على البضائع القادمة من بنجلادش. وهذا أمر عجيب، فنحن لا نستطيع شراء الآلات الأمريكية إلا إذا صدرنا قبل ذلك القطن إلى أمريكا.
كم هي مهمة بالنسبة لك نتيجة المباحثات القائمة حاليا في منتدى التجارة العالمي؟
هذه نقطة حاسمة فعلا. فالآن يجب على المرء أن يضمن أن تقوم كل دولة بتخفيض التعرفة الجمركية. وهذه عملية مؤلمة جدا. التجارة ليست طريقا باتجاه واحد، حيث إن الجميع يستفيد من التجارة العالمية، حتى الدول الفقيرة. ولكن في الوقت الحالي تضع الدول الصناعية الغنية على حساب الدول الفقيرة، القوانين والقواعد.
هل نحتاج إلى مقاييس ومعايير للتجارة العالمية؟
لندع المستهلكين هم الذين يقررون ذلك. فالمستهلك الألماني ينبغي أن يشتري السلع التي تطابق تصوراته السلوكية. والمصنّع في بنجلادش لن يعيد النظر في ظروف منتجاته إلا عندما يمتنع المستهلك الألماني عن شراء سلعه.