صمود تحالف الضدين الاستراتيجي بين الصين وباكستان

صمود تحالف الضدين الاستراتيجي بين الصين وباكستان

بإمكانك أن تطلق على تلك العلاقة التحالف الغريب، حيث يجمع ما بين الصين وباكستان واحدة من أقوى العلاقات، التي تعد الأكثر غموضاً على الفهم ضمن الدبلوماسية الدولية. على السطح، هنالك قليل مما هو مشترك بينهما، دولة الصين قوية واقتصادها كان ينمو على مدى عقود من الزمن.
أما الدولة الباكستانية، بعيدا عن الجانب العسكري، فتعتبر ضعيفة، كما أن أداءها الاقتصادي كان أشبه بالكارثة. الصين شيوعية تخضع الأديان لرقابة مشددة، أما باكستان فهي بلد مسلم مفرط الحماس الديني.
على الرغم من ذلك، حافظت الاثنتان على علاقة امتدت لعقود طويلة. نجت العلاقة من تقلبات الحكومات الباكستانية العسكرية والمدنية، ومن علاقات إسلام آباد المتقلبة مع واشنطن.
هذا الأسبوع، يزور وانج يي، وزير خارجية الصين، باكستان لتدشين ما تطلق عليه إسلام آباد مشروع "أواصر الصداقة التي لا تتزعزع". الشهر المقبل قد يكون حتى أكثر أهمية إذا قبل تشي جين بينج، الرئيس الصيني، دعوة لزيارة إسلام آباد للمشاركة في احتفالات "العيد الوطني لباكستان".
يغلب علينا ألا ننظر إلى الأمور من منظور بكين. إذا أردنا أن نفهم طبيعة الحقائق المتغيرة، لا بد لنا من المحاولة. من بكين، قد يبدو العالم مكانا معاديا.
والولايات المتحدة، مع إيمانها الثابت الذي لا يتزعزع بالديموقراطية الليبرالية، قد لا تكون تسعى بنشاط إلى تغيير النظام في الصين، لكن من المؤكد أنها ترحب بانهيار الحزب الشيوعي هناك.
بالاشتراك مع بلدان أخرى، بما في ذلك الهند وأستراليا واليابان، تحاول واشنطن احتواء الطموحات العسكرية الإقليمية التي تبديها الصين، أما الدول المجاورة مثل الفلبين وفيتنام، التي تمت طمأنتها أخيرا من خلال "دبلوماسية البسمات" من بكين، فقد أصبحت تشعر بالارتياب وعدم الارتياح. حتى كوريا الشمالية، التي تعتمد اعتمادا كليا على السخاء الصيني، أخذت تتحول إلى طابع التحدي.
تبدو باكستان وكأنها صديق حقيقي لبكين. باعتبارها من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في أوائل الخمسينيات، كانت إسلام آباد بمثابة جسر ما بين الصين والولايات المتحدة.
عندما زار هنري كيسنجر، الذي أصبح في وقت لاحق وزير خارجية أمريكا، الصين سراً في عام 1971 من أجل الاستعداد لتطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، كان قد تسلل وقتها من باكستان. وبالنسبة لبكين، كانت باكستان وسيلة لإبقاء الهند في حالة ارتباك وعدم استقرار.
في المقابل، أبقت بكين على باكستان مجهزة عسكريا عندما جفت الإمدادات من أماكن أخرى. قدمت بكين أيضا المعلومات واليورانيوم المخصب للقنبلة النووية الباكستانية. عندما تحطمت طائرة الشبح المروحية الأمريكية خلال عملية عام 2011 لاغتيال أسامة بن لادن، أظهر الباكستانيون حطام الطائرة أولا للصينيين. وبنت الصين ميناءً ذا مياه عميقة وقاعدة عسكرية بحرية لباكستان في جوادار، بحر العرب المفضي إلى المحيط الهندي.
يقول أندرو سمول، مؤلف كتاب عن تلك العلاقة، "إن بكين استطاعت اكتساب التأثير الحقيقي. في عام 2007، تحت الضغط الصيني، داهمت إسلام آباد مسجد لال "المسجد الأحمر" بعد اختطاف متشددين عددا من المواطنين الصينيين". كذلك كان الضغط الصيني أحد العوامل وراء الهجوم الباكستاني ضد الجماعات المسلحة في شمال وزيرستان. على مدى سنوات، كانت الولايات المتحدة تضغط من أجل تحقيق نفس الشيء لكن دون نجاح. إن محور الصين - باكستان يستحق الانتباه، وإن كان فقط من باب أنه يبين حدود سياسة عدم التدخل التي تتبعها بكين. في الوقت الذي تُدفع فيها في خضم الدوامة العالمية، تواجه خطر حدوث رد فعل سلبي.
على الصين الآن التعامل مع الهجمات التي يشنها أفراد اليوجور، وهي مجموعة أقلية إثنية مسلمة. قد يكون البعض ملهما أيديولوجيا - وإن لم يكن بناء على خطط معينة - في الحزام القبلي الباكستاني الذي ينعدم فيه القانون.
مثل الولايات المتحدة، تبدي بكين قلقها من أن باكستان قد لا تتعامل دائما بقسوة مع الإرهابيين كما تتظاهر.
على الرغم من كل هذا، حافظت الصين على هدوئها في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تتخبط يمينا ويسارا. وهذا يثير الفكرة المثيرة عما إذا كان من الممكن أن تعمل الولايات المتحدة والصين معا بصورة أقرب من قبل في مواجهة باكستان.
وفي حين إن هنالك كثيرا من الانقسام في المصالح الاستراتيجية للبلدين، إلا أن هنالك كما مدهشا يجمعهما معا. تريد بكين وواشنطن أن تكون باكستان مستقرة وقابلة للحياة، لا أن تكون عشا لأفاعي تصدير الإرهاب.
كلتاهما تريد التأكد من أن الجيش الباكستاني يحتفظ بقبضة قوية على الأسلحة النووية، وكلتاهما تريد من باكستان أن تكبح جماح دعمها لحركة "طالبان الأفغانية"، في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
البعض يكشف عن إشارات بأن بكين أصبحت أكثر تقبلا لهذه الفكرة.
قال وانج جيزي، مختص في السياسة الخارجية الصينية، إن "الطرف الغربي" للصين يقدم فرصة نادرة. في شرق آسيا، يعتبر المحور الأمريكي بمثابة احتواء، وكلتا الدولتين عالقتان هناك، فيما يرى أنه "لعبة بمحصلة صفر".
على أي حال، في باكستان وأفغانستان، تمتلك بكين وواشنطن "مجالا كبيرا للتعاون". وفشل باكستان لا يصب في مصلحة أي منهما. إذا كان بإمكانهما العمل معا في تلك القضية، فسيكون هذا الشيء الأكثر غرابة على الإطلاق.

الأكثر قراءة