جوجل تستحوذ على شركة إعلانية مقابل 3 مليارات دولار
ضربت شركة جوجل ضربتها من جديد وهذه المرة بقوة أكبر من أي مرة سابقة فقد أعلنت جوجل عن أكبر عملية استحواذ في تاريخ هذه المؤسسة: فمقابل 3.1 مليار دولار أصبح في وسع كلا المؤسسين لاري بيج و سيرجي برن أن يستمتعا بشركة دبل كليك للترويج الإعلاني . وبهذا المبلغ استطاعت جوجل أن تبز منافسين كبارا لها، كانوا قد أبدوا رغبة في القيام بعملية الاستحواذ غير أن مايكروسوفت لم تكن على استعداد لدفع أكثر من ملياري دولار.
وقد يكون ذلك خطأ ارتكبته مؤسسة بل جيتس لأن دبل كليك ليست مجرد شركة أخرى. إن غالبية متصفحي شبكة الإنترنت يعرفون هذه الشركة دون أن يدركوا أنهم يعرفونها وذلك لأن شركة دبل كليك تعمل في الخفاء، فهي تضع إعلانات الشركات على مواقع الإنترنت للشركات الأخرى، وبالإضافة لذلك فهي تقوم بالعمليات المحاسبية بين المعلنين وأصحاب المواقع فبمجرد الضغط على الإعلان تبدأ آلة النقد في العمل.
من الواضح أن شركة جوجل كانت مهتمة بشركة دبل كليك، وكانت تسعى بكل قوتها لإبعاد المنافسين عنها. ومن المعروف أن الإعلان على الإنترنت ينمو حاليا بسرعة كبيرة لم يسبق لها مثيل بحيث أن قيمة سوق الإعلانات على شبكة الإنترنت عالميا يبلغ اليوم 29 مليار دولار، ولا زال المنحنى البياني في تصاعد. ومن أبرز اللاعبين في هذا المجال شركات كبرى مثل ياهو ومايكروسوفت وكلتاهما تسعى للحصول على حصتها من هذه السوق. وقد كان النموذج التجاري لشركة جوجل حتى الآن يعتمد على بيع نصوص إعلانية عادية إلى حد كبير توضع على هوامش نتائج البحث في جوجل أو على مواقع أخرى على شبكة الإنترنت. أما الآن فقد وسعت شركة محرك البحث المشهورة جوجل من عملها بمزيد من التركيز على الإعلانات المصورة والمتحركة التي تمر في مرحلة ازدهار واضحة . وقد قال إريك شميت مدير الشركة: تبين لنا أن حجم الإعلانات المصورة هو أكبر بكثير مما كنا نعتقد.
أما نيت إيليوت الخبير الإعلاني من شركة جوبيتر لبحوث السوق فقال: لقد حققت شركة جوجل هيمنتها على الإنترنت. ومن الجدير بالذكر أن العديد من المواقع المهمة على الإنترنت مثل أمريكان أون لاين AOL كانت ترسل بإعلاناتها إلى جوجل ودبل كليك في الوقت نفسه أما الآن فقد أصبحت جوجل هي شريكها الإعلاني الوحيد.
ومما لا شك فيه أن هذا سيضع الشركة تحت أنظار سلطات المنافسة، ولكن أيضا تحت أنظار عملائها، حيث إن متعاطي الإعلانات ليسوا متحمسين لهيمنة جوجل على هذه السوق الإعلانية، كما يقول إيليوت، فكلما ازدادت أعداد إعلانات شركة من الشركات، التي تكل مهمة نشرها لشركة واحدة، اطلعت هذه الشركة بعمق على خفايا الاستراتيجية الإعلانية لعميلتها.
ولكن المؤكد أن الإنترنت تزداد أهميته بالنسبة للاستراتيجيات الإعلانية، ففي السنة الماضية وحدها ازداد حجم المبيعات الإعلانية على الإنترنت بنسبة 30 في المائة، وفقا لدراسات أجرتها الشركة الإعلانية البريطانية زينيث أوبتيميديا - Zenith Optimedia . ومن المتوقع أن يكون ثمة تطور مماثل هذه السنة أيضا، كما يتوقع أن يتجاوز الحجم الإعلاني على الإنترنت عام 2008 حجمها على الراديو وذلك لأول مرة.
ومن الجدير بالذكر أن ثمة سببين مهمين لازدهار الإعلانات على الإنترنت: أولهما أن الناس قد أصبحوا يمضون المزيد من الوقت على الشبكة، ومن الطبيعي أن تلاحقهم الإعلانات في هذه الحالة، وثانيهما أن إعلانات الإنترنت أخف وطأة على العملاء المعنيين من الإعلانات على التلفزيون مثلا.
يقول مارك شفيجر الشريك في الوكالة الإعلانية شولتس أند فريندز: "كان علي الإعلان حتى الآن أن يقتحم على الناس أفكارهم كما يحدث مثلا في اللقطات الإعلانية على شاشات التلفزيون فمن كان يشاهد على الشاشة إعلانا عن سيارة مثلا قد لا يكون حينئذ في وارد السيارات وإنما في متابعة فيلم عن جريمة من الجرائم. أما على شبكة الإنترنت فيتم وضع الإعلانات عن السيارات مثلا بشكل محدد على الصفحات التي تحتوي مقالات عن السيارات حتى ولو كانت بقية الصفحة غير مكرسة لموضوع السيارات.
وحتى لو اختار المتصفح الشغوف بالسيارات صفحات أخرى فيمكن لإعلان السيارات أن يلاحقه وذلك لأن أجهزة الكمبيوتر تعرف أية صفحات قد زارها المتصفح في الأيام السابقة: مثلا هل اطلع على إعلانات عن سيارات مستعملة ويعرف هذا الأسلوب باسم السلوك المستهدف. ومن الجدير بالذكر أن شركة دبل كليك بالذات قد طرحت في الأسواق قبل بضع سنوات مثل هذه الأنظمة.
وعلى أية حال فإن الناقدين من المراقبين ينظرون للسياسة التي تنتهجها شركة جوجل على أنها ليست سياسة أوروبية فقط وهم يأخذون على الشركة كونها تعتمد على إعلانات الشبكة. ومن المعروف أن حصة جوجل تبلغ نحو 40 في المائة من جميع المبيعات الإعلانية على الإنترنت، بينما لا يدخل خزانة الشركة أي أموال من المصادر الأخرى. حيث إن دخل شركة جوجل من الإعلانات على الإنترنت شكل في السنة الماضية 99 في المائة من مجموع دخلها.
ويقول المعلقون إن الشركة في حاجة لمصادر أخرى من الدخل، حيث إنه لا بد لشركة جوجل من أن يكون مستعدا في حالة توقف الإعلانات على الإنترنت عن النمو، ولكن الواضح أن الشركة لم تعثر على مصادر أخرى للدخل بتلك الخطوات المبهرة التي أقدمت عليها في الأشهر القليلة الماضية، وإنما مجرد عناوين جديدة للإعلانات القديمة نفسها. ويذكر أن جوجل قامت قبل ستة أشهر بالاستحواذ على موقع يوتيوب – Youtube للفيديو مقابل 1.65 مليار دولار، وهو الموقع الذي لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أي أرباح مالية. يضاف إلى ذلك أن شركة محرك البحث تعمل حاليا على تطوير برامج مكتبية لوضعها على شبكة الإنترنت، ومن المفروض أن يجري توزيع هذه البرامج مجانا على المستخدمين الخصوصيين للشبكة، وعلى أساس أن الشركات فقط هي التي تدفع ثمنا لهذه البرامج ولكنه سيكون ثمنا متدنيا.
وللحق، يمكن القول إن إيريك شميت، رئيس مجلس إدارة الشركة، وكلا المؤسسين للشركة، قد حاولوا أن ينقذوا أنفسهم من الاعتماد على الإعلانات الشبكية، وذلك عن طريق الإعلانات خارج الشبكة، وبالفعل أصبح باستطاعة زبائن جوجل، ضمن مشروع تجريبي، أن يعلنوا في الصحف، وربما في التلفزيون في مراحل لاحقة. ولكن أيا من تلك المشاريع لم يدر ما يكفي من الدخل حتى الآن.
ومع ذلك ما زال نيت إيليوت من مؤسسة جوبيتر للبحوث يعتقد أن شراء دبل كليك يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح ، متسائلا : لم لا تتجه شركة جوجل إلى تقوية نشاطها الأول في مجال الإعلان عبر الإنترنت؟ خصوصا إذا بقي لدي جوجل بعد عملية الشراء هذه ما يكفي من الأموال للاستحواذ على شركات أخرى من تلك التي تدر عليه مزيدا من الموارد المالية.