أساليب إقامة العلاقات التبادلية واستغلالها بالطريقة الأفضل

أساليب إقامة العلاقات التبادلية واستغلالها بالطريقة الأفضل

اختلف مفهوم الهوية الفردية الآن في عصر العولمة عما كان عليه في السابق، فأثناء عصر التنوير، كانت الهوية الفردية محلا للجدال الدائر حول الحقوق والحريات، وكان الفرد مراقبا لسلطة الدولة وكان هو الطريق لإطلاق قوة حرية السوق، إلا أن النزعة التنويرية في تعظيمها لدور الهوية الفردية تجاهلت حقيقة قوة المجتمع، التي تؤكدها العلوم الاجتماعية الحديثة.
يرى مؤلف الكتاب جون هنري كليبنجر أننا في الحقيقة أقل ميلا للفردية مما كنا نظن، حيث نستمد هويتنا الشخصية (مثلها في ذلك مثل هويتنا البيولوجية) من علاقتنا بالآخرين ومن معرفة طرق التعرف على العلامات الاجتماعية التي تشير إلى الثقة أو الخداع، حيث يأتي الإحساس بالأمان من القدرة على التعرف على المصالح الذاتية المتبادلة واستغلالها وليس من الانغلاق على الذات أو المصالح الذاتية الخاصة.
مما سبق يتضح أن المشاعر الاجتماعية تعد أساسية لنجاح الأسواق الحرة والمجتمعات المدنية، كما أن أساسيات نجاح التطور البشري تكمن في القدرة على فهم نوايا الآخرين وإيجاد هدف مشترك معهم.
يستعرض الكتاب أمثلة من التاريخ لأولئك الذين تمكنوا من التعرف على القدرات البشرية لإقامة الصلات والعلاقات التبادلية واستغلالها على نحو أفضل. هذه العلاقات بين الناس تدفعهم إلى تكوين إدراكهم لأنفسهم عن طريق تفاعلهم مع الآخرين. فمثلا يتعرض الطفل الذي يعيش في عزلة إلى إعاقة في النمو النفسي والاجتماعي، وكذلك إلى الفشل في تطوير بعض المهارات التي تميز البشر كاللغة، ومن ثم فإن البشر في الحقيقة يمثلون زحاما فرديا.
والآن يعود مفهود الهوية ليحتل مكانا متقدما أساسيا بين أهم القضايا التي تشغل الناس في الوقت الحاضر، حيث يتقارب العالم بسرعة وتغير التكنولوجيا من الحدود الإقليمية والنفسية وتتزايد احتمالات نشوب الصراعات.
في هذا العالم يحتاج المرء إلى طريقة أكيدة يعرف بها العدو من الصديق. كما نحتاج إلى تشجيع الثقة والتبادل بين الثقافات المختلفة من أجل تحقيق الأمن الذي لن يتحقق كاملا بالرقابة المستمرة وحدها ولا بقوة الحرب، فلا أحد يمكنه إجبار الآخرين على حسن التصرف، كذلك لا يمكن فرض السيطرة الاجتماعية بقوة السلطة.
يتحول في عالمنا اليوم إلى عالم رقمي شيئا فشيئا، ويعبر كل ما نفعله فيه عن علاقتنا بالآخرين في المجتمع. وتحدد الطريقة التي نتعامل بها مع هذه الصلات ما إذا كنا سنمر بنهضة جديدة من الأفكار المبتكرة أم سننتهي إلى عصر مظلم يعيش فيه الناس في جزر معزولة بدلا من الخوف من التحول إلى الرقمي. هذا التحول الذي يتم حاليا بالفعل في جميع المؤسسات والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يرى مؤلف الكتاب أن هذا التحول يمثل فرصة لتجاوز حالة اللامساواة التي يفرضها "نظام السوق الرأسمالي الحر" إلى نوع جديد من "التجارة الاجتماعية" تندمج فيها المصالح الشخصية والاعتبارات الأخلاقية لتشمل جميع القضايا التي تهم المجتمع.

الأكثر قراءة