قطاع الخدمات المالية: الفرص والتحديات
مع مطلع هذا العقد، كان ميقات الانطلاقة الجديدة نحو فضاءات نظام مالي جديد ومتطور في المملكة، تم إعادة تشكيله من أجل التفاعل الإيجابي والانفتاح المدروس على الاقتصاد العالمي مما يعزز مكانة الاقتصاد السعودي وقدرته على التنافس، وخلال السنوات القليلة الماضية شهد النظام المالي العديد من التطورات شملت إنشاء هيئة لسوق المال وسوقا مالية مستقلة، وتأسيس قطاع التأمين بصفة نظامية، وتحرير تدريجي للقطاع المصرفي.
تبرز التغيرات التي طرأت على السوق المالية كأهم التطورات التي شهدها النظام المالي، فقد أسس نظام سوق رأس المال الصادر في حزيران (يونيو) من عام 2003م بنية مؤسساتية تتمثل في هيئة السوق المالية التي تحظى بالصلاحيات التشريعية والقضائية لتنظيم ومراقبة السوق، والسوق المالية المستقلة التي تضطلع بإدارة وتسهيل أنشطة تداول الأسهم، وعلى خلفيات هذا النظام تشكل قطاع جديد يعرف بقطاع الخدمات المالية، يضم المؤسسات المصرح لها بممارسة الأنشطة المالية عبر التعامل في الأوراق المالية وحفظها وإدارتها وترتيبها وتقديم المشورة المتعلقة بها، وتتطلع السوق المالية إلى عصر جديد بعد ممارسة شركات الخدمات المالية لأعمالها، وتلقي هذه المرحلة على سوق الأسهم بلمحة أمل وتفاؤل، حيث يؤمل من تلك الشركات الإسهام في معالجة الخلل الهيكلي في السوق من خلال زيادة عمق السوق وتنظيم عملياتها وتغليب الاستثمار المؤسساتي للحد من المضاربة الفردية غير المسؤولة.
وبالنظر إلى أرقام الشركات المصرح لها بتقديم الخدمات المالية، تبرز المنافسة الحميمة في ذلك القطاع، إذ وصل عدد تلك الشركات إلى 54 شركة سعودية وتحالف دولي، منها 30 شركة للتعامل في الأوراق المالية، و25 شركة لممارسة إدارة الأوراق المالية، وتم منح 23 شركة رخصة حفظ الأوراق المالية، ووصل عدد الشركات المرخص لها بترتيب الأوراق المالية إلى 40 شركة، فيما بلغ عدد تراخيص الاستشارة 46، ويتوقع أن تلقي المنافسة بظلالها على نمو القطاع المالي، ولعل البنوك تملك ميزة تنافسية لكونها تملك خبرة تربو على العقدين وتحظى بقاعدة عملاء كبيرة، وعلى الرغم من ذلك فإن الشركات الجديدة تملك فرصا يمكن انتهازها من خلال تقديم منتجات مبتكرة للمستثمر، ولا سيما أن حجم إسهام القطاع المالي في إجمالي الناتج المحلي ( نحو 4 في المائة) يعد متدنيا نسبيا ويشير ذلك إلى الفرص الكامنة المتاحة في قطاع الخدمات المالية.
تملك الشركات الجديدة فرصا في مجال عمليات التقييم المالي للشركات والاكتتابات الأولية التي تشهد نموا مطردا، كما أن قطاع الاستشارات المالية يملك فرصا واعدة بوجود عدد كبير من الشركات الخاصة والعائلية التي ترغب في التحول إلى شركات مساهمة، حيث يربو عدد الشركات ذات المسؤولية المحدودة على 1420 شركة، وتشير بعض المصادر إلى أن نحو 100 شركة منها مؤهلة للتحول لشركات مساهمة في الوقت الراهن.
من جهة أخرى، فإن الشركات الإقليمية والدولية تمتلك ميزة تنافسية في مزاولة أعمال الترتيب والاستشارات في ظل امتلاكها الخبرة الواسعة في هذا المجال.
لا شك أن قطاع الخدمات المالية يواجه جملة من التحديات على أعتاب هذه المرحلة المهمة التي تفرضها التزامات المملكة مع منظمة التجارة العالمية وتتطلبها برامج الإصلاح الاقتصادي، ولعل من أبرز تلك التحديات الحاجة الماسة إلى التطوير المستمر للتشريعات المالية، وتطبيق الوسائل الرقابية الفاعلة، ووضع معايير خاصة بالخدمات المالية الإسلامية، إضافة إلى تنمية الموارد البشرية في القطاع المالي.
مستشار اقتصادي