الأسواق المالية العالمية في منظور الخبراء

الأسواق المالية العالمية في منظور الخبراء

تمطر سماء الاقتصاد يوميا أرقاما قياسية، ومستويات متدنية ومستويات عالية - وهذا أشبه باحتفال حقيقي لمؤرخي الأسواق وخبراء الإحصاء من بين المستثمرين. ولم يسبق أن كانت القيمة الكلية للأسهم في جميع أنحاء العالم عالية بهذه الدرجة. فمؤشر العالم ومؤشر الدول النامية لبنك الاستثمار مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال MSCI ارتفع كل منهما أخيرا إلى مستويات قياسية، كما تجاوز أيضا المؤشر المعروف داو جونز ولأول مرة حاجز 13 ألف نقطة.
وفي أسواق تجارة العملة سجل اليورو مقابل الدولار والين ارتفاعا تاريخيا، فيما وصل مؤشر الدولار والذي يعين قيمة جميع أسعار العملات مقابل الدول التجارية الشريكة مع الولايات المتحدة، وصل إلى انخفاض تاريخي.
مثل هذه النتائج الحادة تعتبر في العادة ومن واقع الخبرة دلائل تمهد الطريق لنهاية حركة دورية. وفي الوقت الحالي لا يوجد في أسواق العملات ولا حتى في أسواق الأسهم ما يؤيد وقوع انعكاس في الاتجاه. بالعكس، ففي منطقة اليورو بالذات، وحيث بدأت المانيا تبدو ببطء كدولة منظمة لخطوات انتعاش اقتصادي، أخذ المضاربون يستسلمون واحدا تلو الآخر. صحيح أن مؤشر الأسهم الألماني داكس لم يبلغ في مساق هذه النهضة الاقتصادية مستويات قياسية، ولكن الأسهم الألمانية في هذا العام تظهر تطورا في القيمة أفضل من بقية الدول الصناعية الأخرى. وهذا لسبب وجيه: الاقتصاد الألماني يعتبر إحدى المفاجآت الإيجابية في هذا العام. فعلى الرغم من انتشار الأقاويل في بداية هذا العام في الدول الأجنبية، من أن خطوة رفع الضريبة المضافة VAT بقوة وارتفاع قيمة اليورو التدريجية سيعملان على تباطؤ الانتعاش الاقتصادي، إلا أن المؤشرات المبكرة تعلن عن عدم وجود أثار فرامل: مؤشر المناخ التجاري لمعهد الاقتصاد الألماني Ifo وصل في نيسان (أبريل) إلى دون أعلى مستوى قياسي يصل إليه منذ كانون الأول (ديسمبر) 2006. وستواصل التكهنات الاجتماعية لنمو الاقتصاد الألماني ارتفاعها، حتى إن بعض الخبراء يتوقعون وجود الرقم ثلاثة قبل الفاصلة مع نهاية العام الحالي.
وبهذا تعتبر مسألة ارتفاع قيمة الأسهم الألمانية مسألة منطقية مفهومة. فمنذ بداية العام حقق المؤشر الألماني داكس ارتفاعا في القيمة بنسبة 11.8 في المائة. فيما يبقى في المقابل، النمو القوي نسبيا لسوق الأسهم في أمريكا أمرا محيرا. والسؤال هو، لماذا يقفز مؤشر الأسهم الأمريكي داو جونز إلى مستويات قياسية بالأخص عندما يبدو الاقتصاد الأمريكي على وشك التدهور ؟ حسب تقدير مبدئي نما إجمالي دخل الدولة خلال الأشهر الثلاثة الأولى بمعدل سنوي يبلغ 1.3 في المائة - أضعف قيمة ربع سنوية منذ أربعة أعوام. وكان النمو الأمريكي قد تراجع خلال أربعة أرباع متتالية إلى ما دون 3 في المائة.
وهذا لم يحدث خلال الستين عاما الماضية على الإطلاق، دون أن يلي ذلك مباشرة ركود. ولكن الواقع أنه لا يوجد دلائل تشير إلى حدوث ركود أو بالأحرى انكماش في النمو مع تضخم في الأسعار Stagflation، لأن معدل ارتفاع الأسعار في فترة التدهور هذه عالية بصورة تبعث على القلق.
ولكن من الوهلة الأولى يوجد بلا شك حجج تدعم سوق الأسهم الأمريكية. فمن جهة تحتوي النتائج الأخيرة لإجمالي دخل الدولة على رسالة إيجابية. فالاستهلاك الفردي والذي يمثل 70 في المائة من الاقتصاد الأمريكي، ارتفع خلال الربع الأول بنسبة 3.8 في المائة أي أنه لم يفقد من حيويته ما يذكر. من جهة أخرى، لم يركز المستثمرون في الآونة الأخيرة على نقطة أرباح الشركات. ولهذا السبب تبدو جميع النتائج ربع السنوية الأخيرة إيجابية دون استثناء.
في المقارنة المباشرة تبدو الأسهم الأوروبية بلا شك أفضل بكثير من الأسهم الأمريكية - حتى وإن تم استبعاد عامل العملة. فمازالت أرباح الأسهم الأوروبية - قياسا بعلاقة سعر السهم مع الربح - تعطي هبوطا في القيمة ما بين 10 إلى 15 في المائة مقارنة بأرباح الأسهم الأمريكية. وأسباب هذا كانت في الماضي مبررة، لأن الاقتصاد الأمريكي كان يتمتع بالديناميكية الأقوى. وفي هذا العام على الأقل لا يمكن الحديث عن هذه الديناميكية. من جهة أخرى، يدعم التقييم الإيجابي لأسهم مقابل سندات فوائد لأوروبا. فأرباح الأسهم الأوروبية العائدة لا تزال بنسبة 7 في المائة تقريبا تفوق بوضوح الأرباح العائدة من قروض الشركات. وفي أمريكا لا توجد مثل هذه العلاقة. وهذا يعني أيضا، أن صفقات الاستحواذ في أوروبا والممولة من مصادر أجنبية تبقى أفضل للحساب من الصفقات في أمريكا، ولهذا السبب لن تندثر بسرعة حمى الاستحواذ في أوروبا. والدليل على ذلك، أنه تمت أخيرا أكبر صفقة لشراء الأسهم والحصص كافة في أوروبا: فقد استحوذ المستثمر المالي الأمريكي كي كي آر KKR مقابل 22 مليار دولار على مجموعة الأدوية أليانس بوتس Alliance Boots المقيدة في مؤشر إف تي - إس أي - 100 FT-SE-100-Index.
وتعد في الوقت الحالي مضاربات استحواذ ونتائج ربع سنوية جيدة هي القوى الدافعة لسوق الأسهم. إلا أن السوق تمر في مرحلة موسمية صعبة. فمن المؤكد إحصائيا، أن أسعار الأسهم تتطور في الفترة من أيار (مايو) وحتى تشرين الأول (أكتوبر)، بصورة أسوأ من الفترة ما بين نيسان (أبريل) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر). وفي تحليل لمجموعة الاستثمارات المصرفية هيلابا Helaba، ستزداد الحاجة خلال أشهر الصيف المقبلة إلى تعديل تقديرات الأرباح للاثنى عشر شهرا المقبلة إلى أسفل. وهذا من المحتمل أن يسير بطريق عكسية خلال هذا العام. فمن المحتمل أن يؤدي النمو الاقتصادي القوي غير المتوقع في منطقة اليورو إلى تعديل تكهنات الأرباح إلى الأعلى.

الأكثر قراءة