كسر رأس «الفكرة» لا صاحبها
عند كل نقاش غالبا ما يتم تكسير رأس صاحب الفكرة لا "الفكرة" نفسها، ولا يمكن أن يصوب المتلقون سهامهم صوب الفكرة بل صوب صاحبها، ويذهب البعض للتجني عليه وتوزيع التهم له ووصفه بأبشع الأوصاف تارة "طبل" وتارة أخرى "مرتش" وتارة ثالثة "منافق" ولو كان النقاش وجها لوجه لضرب صاحب الفكرة ضربا مبرحا في حين أن فكرته لا أحد يمسها أبدا.
نقول ذلك ولا نعمم ولكنها ظاهرة موجودة فالرأي لا يوجد له رأي مقابل، والفكرة لا يوجد لها فكرة مقابلة، هو صراع شخصي في الغالب ونراه جليا وواضحا في عالم "تويتر"، فالشتم يقابل الشخص عند طرح فكرته وهو ما يراه "التويتريون" بالهجوم المضاد الذي لا يبقي ولا يذر.
منذ كنا "صغارا" ونحن نسمع بالمقولة الشهيرة "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، ومع مرور الزمن اكتشفنا عدم صحة المقولة وأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى خصومة وعداء وقذف وشتم في أحيان كثيرة.
كم من خلاف ونزاع وشجار حدث بسبب اختلاف في وجهات النظر، والشواهد كثر في هذا المجال، بل إن الاختلاف يتطور أحيانا ولا يكتفى بالشتم والقذف بل يتجاوز ذلك للعراك بالأيدي، وقد ينتج عنه أحيانا "قتل"، ولو سألت المحكوم عليهم بالإعدام والقصاص بسبب جريمة قتل لقال بعضهم "بدأت القصة باختلاف في وجهة نظر وانتهت بقتل وقصاص".
لا أحد في الدنيا يملك "الحقيقة" ويحتكرها، ولا يمكن له أن يكون محقا في كل أمر يطرحه، فكل منا يقول "الحق" كما يراه هو.. ولا يعني أن نختلف معه أنه لم يسع للحقيقة وغيبها، بل قالها من خلال وجهة نظره التي تتطابق مع وجهة نظر البعض وتختلف مع وجهة نظر الآخر.
أيضا يجب ألا يتمسك المرء ويعاند في الدفاع عن فكرته عندما يتضح له أن الصواب جانبه، وليكن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أمير المؤمنين وصاحب رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قدوة لنا. يروي أنه عندما أراد أن يضع حدا لارتفاع المهور، ردت عليه إحدى الحاضرات بآية من القرآن الكريم فسكت ثم قال قولته الشهيرة "أصابت امرأة وأخطأ عمر.. كل الناس أفقه من عمر".
الاختلاف "سنة كونية"، وعلينا أن نعود أنفسنا على أن الفكرة تقابلها فكرة، وأن نناقش الفكرة في كل طرح لا أن نناقش صاحبها، علينا أن نكسر رأسها ــ أي الفكرة ــ لا رأس صاحبها وهنا العدل كله، أو أن نلزم الصمت وهذا نصف العدل.