كيف تؤثر القرارات المرتبطة بالبيئة في اقتصاد المواطن الأوروبي ؟
كيف تؤثر القرارات المرتبطة بالبيئة في اقتصاد المواطن الأوروبي ؟
نادرا ما كانت الحكومة الألمانية تهتم بالقضايا البيئية كما تفعل الحكومة الحالية وذلك على الرغم من عدم مشاركة حزب الخضر فيها ...ولكن يجب ألا ننسى أن المستشارة ميركل كانت في وقت من الأوقات وزيرة للبيئة.
إن أنجيلا ميركل تمثل القوة الدافعة لخطط الاتحاد الأوروبي الجديدة والتي تنادي بتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري حتى عام 2020 على الأقل بنسبة 20 في المائة بالمقارنة مع عام 1990. لكن ما مدى طموح، أو بالأحرى، ما مدى وهمية هذا الهدف؟ يوضحه الشوط الذي قطعه الاتحاد الأوروبي حتى الآن: فمن التعهد الإلزامي بتقليل قيم انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2012 بنسبة ثمانية في المائة، لم تحقق دول الاتحاد الأوروبي ولا حتى 1 في المائة ! ويرى خبراء الاقتصاد في جميع الأحوال أن نسبة 15 في المائة تعتبر نسبة مقبولة، دون أن يتولد هناك أي خطر يهدد الاقتصاد.
حتى هذه اللحظة كانت مسألة حماية البيئة والمناخ تعتبر ضلعا من أضلع مثلث سياسة الطاقة في أوروبا: فهذه المسألة كانت توازي في وزنها أهداف الوصول إلى تزويد اقتصادي وتزويد مضمون للطاقة. كلا الهدفين يعتبران بالنسبة لدولة متقدمة صناعيا وفي الوقت نفسه تفتقر إلى المواد الأولية مثل المانيا، أمرا حيويا مهما. لكن من الظاهر أن هذا المثلث انفصلت أضلاعه عن بعضها البعض، حيث أصبحت سياسة حماية المناخ البيئي قائمة لوحدها, وهذا في حد ذاته يعد أمرا خطيرا.
بين رجال السياسة الألمان انتشرت حمى مسابقة محيرة ومربكة في آن واحد، يعتقد كل شخص فيها أن الفائز هو من يزيد ثقل الأعباء على ناخبيه. فإذا اقترحت الحكومة الألمانية اقتراحا يهدف إلى تقليل نسب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، يبرز الاتحاد الأوروبي ويزيد حدة الاقتراح بقوانين أخرى. وإذا رفع الاتحاد الأوروبي راية تخفيض انبعاث العوادم بين دوله إلى الأعلى قليلا، يرفع وزير البيئة الألماني الراية أكثر قليلا: فما لا تستطيع دول الاتحاد الأوروبي الجديدة تحقيقه (والقديمة لا تريد تحقيقه)، وذلك لأنها تسعى وراء نمو ومستوى معيشة أفضل، يتبناه الألمان إضافيا على عاتقهم. فمن الظاهر أن الشعب الألماني لديه ما يكفيه من كلا الشيئين.
وإذا ما صدّق المرء استطلاعات الرأي، فإن الأغلبية العظمى من المواطنين ترحّب بهذه السياسة في الوقت الحالي. هؤلاء المرحبون هم المواطنون أنفسهم الذين يجعلون المساعدات المالية تدفعهم إلى الاستثمار في تصنيع فلاتر تنقية المحروقات الأقل ضررا على البيئة وتطوير حجرات معيشة ذات تكلفة تعديل مناخ أقل (تبريد وتدفئة). ولكن السؤال الآن: كيف ستبدو نتائج الاستطلاعات، عندما تصبح تكاليف التنظيم ملموسة ؟
في سياق المحادثات تدور أيضا الممنوعات التي تبعث إلى الغرابة والضحك: السفر بالطائرة أثناء العطل والإجازات، مصابيح الإضاءة الكهربائية، الدعاية للسيارات ذات الاستهلاك العالي جدا للوقود. ولو شاع علنا بين الناس، أن تربية الحيوانات تسهم على مستوى العالم بنسبة 18 في المائة في انبعاث غازات الاحتباس الحراري، لارتفعت أصوات تطالب بالامتناع عن أكل اللحوم. بعض العلماء ينادي بجعل تحديد النسل جزءا لا يتجزأ من سياسة حماية البيئة والمناخ، وبالأخص في الدول النامية، حيث توجد نسب مواليد مرتفعة جدا وتعطش كبير للسيارات والثلاجات وأجهزة الكمبيوتر. فالسؤال: هل كلما قل عدد الأطفال، تحسنت أوضاع المناخ ؟ حتى هذه النظرية تعتبر خاطئة، كما توضحه النظرة إلى تاريخ الكرة الأرضية في مراحل التطور التي توالت فيها العصور الباردة والحارة قبل نشأة الجنس البشرى بأزمان طويلة.
نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي تسببه البشرية، بالمقارنة مع النسبة التي تبعثها الطبيعة، تعتبر ضئيلة، ولكنها تتزايد - بلا شك - بسرعة كبيرة. لكن نسب النمو، وبذلك المسؤولية، موزعة في جميع أنحاء العالم بنسب مختلفة. فألمانيا لوحدها تتحمل ثلاثة أرباع أهداف الاتحاد الأوروبي في تقليل انبعاث الغازات الضارة. فبينما تمكنت المملكة المتحدة وألمانيا من تقليل قيم الغازات المنبعثة منذ عام 1990 بنسبة مئوية من رقمين، زادت دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة نسب الانبعاث بشدة. وبوجه عام طغى النمو العالمي على التوجه الدولي إلى تخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يمر في أوروبا وبالأخص في ألمانيا تحت معاناة، فانبعاث ثاني أكسيد الكربون يزداد بصورة متواصلة. الأوروبيون محاصرون في فخ: دون الهنود، والصينيين والأمريكيين، لن ينقذوا مناخ العالم. وإذا حاولوا بالرغم من ذلك من خلال تعهدات شخصية مبالغ فيها، فسيؤثرون في القاعدة الاقتصادية لديهم. وهذه القاعدة هي بدورها القاعدة الرئيسية لتوفير الظروف المادية لحماية البيئة.
الذي يمكن أن يكون مصدر مساعدة، هو تعامل أقل عاطفية، وفي المقابل أكثر منطقية، مع الموضوع: تعامل عقلاني مع مصادر الطاقة، تقليل المحظورات التي لا يقبلها العقل، في المقابل ثقة أكبر في حلول ترفع الكفاءة وأقرب إلى السوق، مع تأييد خطط دعم وتوسعة أبحاث الطاقة الحكومية.
الطاقات المتجددة تسهم بتزايد مستمر في نقطة التزويد بالطاقة الاستهلاكية. ولكن حتى بعد 15 عاما من الاستخلاص لا يمكن لتلك الطاقات أن تبقى على قيد الحياة من محض نفسها. صحيح أن كل رجل سياسي ألماني يحب أن يجرى الحسابات، كيف نشأت في المانيا أكثر من 100 ألف وظيفة؟ ولكن كم من عشرات الآلاف من الوظائف ستُنقل إلى الصين ودول شرق ووسط أوروبا بسبب الغلاء الكبير لتكاليف الطاقة والكهرباء، يبقى غير معروف. الوداع من الغرب يجر أذياله بهدوء تام إلى الشرق.
الجهود المبذولة في تخفيض انبعاث الغازات وإتباع السياسة الأوروبية أخذت في القطاعات الصناعية الضخمة تنضب، ففي الأفق البعيد تنتظرهم محدودية القدرة التكنولوجية. التراجع عن استغلال الطاقة النووية سيؤدي إلى شح في العرض سيدفع إلى زيادة الأسعار على المنازل والاقتصاد, فالطلب المتزايد على الطاقة في جميع أنحاء العالم سيرفع بلا شك من التكاليف. والتزويد سينحصر على شركات أقل ويصبح بذلك أقل أمانا وضمانا. لغاية الآن وعلى المدى البعيد لا توجد استراتيجية حكومية تدعم الاستخدام المتعقل للطاقة.
لا يوجد مناخ يبعث الإحساس بالراحة دون مقابل. في مقابل القرارات الخاطئة تدفع المجتمعات على المدى البعيد بخسائر في النمو والرفاهية. قد يريد المرء هذا، ولكن سيكون أكثر أمانة وصدقا، لو تبين للمواطن قبل هذا، ما يجب أن يستعد له ويهيئ نفسه، عندما يصبح التوجه السياسي للطاقة منصبا بالدرجة الأولى على حماية المناخ البيئي.