رفض غير مفهوم من خبراء الاقتصاد الإسلامي
إنني أول من يعترف بأنني لا أعرف إلا القليل عن نظام التمويل الإسلامي. ذلك أن شح قراءاتي الأدبية يقودني إلى الاستنتاج بأن هناك الكثير مما ينبغي تعلمه وفهمه عن شريحة من أسرع الأسواق العالمية نمواً. وهناك بعض المصرفيين الغربيين الذين يصنفون هذه الظاهرة بأنها المكافئ للابتكار المالي. وبما أن نظام التمويل الإسلامي يلبي الاحتياجات المحددة لفئة معينة من العملاء قوامها 1.3 مليار مسلم في العالم أو ما نسبته 20 في المائة من سكان العالم، فإنه يعتبر اتجاهاً سائداً بقدر ما يعتبر نظام التمويل غير الإسلامي كذلك.
لقد دار نقاش في أواخر التسعينيات فيما إذا كانت هناك فائدة في استخدام الأسلوب التجريبي للمنشورات الاقتصادية الغربية في فهم أسواق المال الإسلامية. وهذا ما سارع إلى دحضه محمد ضياء الحق وشودري اللذين شعرا بأن قيام خبراء الاقتصاد والباحثين في التمويل الإسلامي بنسخ أو تقليد النماذج الغربية ليس مجرد إخفاق تام، بل إنه ليس بداية صحيحة لتفكير اقتصادي واجتماعي وعلمي حقيقي. ولسوء الحظ، فإن هذا التوجه لا يساعد، لأنه يفترض أن القدر الذي يمكن توظيفه من الفكر الغربي قليل ومحدود.
إنني أعتقد أن نظام التمويل الإسلامي يختلف فيه عن "نموذج التمويل الكلاسيكي الجديد" السائد الذي يشكل أساس النظرية الاقتصادية الغربية الحالية. ذلك أن العمل الذي قام به داهليا الهَوَري، وزامير جريس 2004 بخصوص تنظيم المؤسسات المالية الإسلامية يعتبر أن النظام المالي الإسلامي يرتكز على أربعة مبادئ هي:
المشاركة في المخاطر حيث تقضي شروط العمليات المالية توزيعاً متساوياً للمخاطر/ العوائد بين الأطراف المشاركة في العملية، المادية حيث النهاية المادية للعملية المالية، أي أن ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بعملية اقتصادية حقيقية، عدم الاستغلال، إذ لا ينبغي أن تؤدي العملية المادية إلى استغلال أي طرف من أطرافها، وبعبارة أخرى، تحمل فلسفة التمويل الإسلامي في ثناياها عنصر الأخلاق. وفي المقابل، فإن الدعائم التي يرتكز عليها اقتصاد السوق الغربي كثيراً ما تقدم كعلم معياري يفترض أن يكون موضوعياً تماماً أو خالياً من القيم. وهذا بالطبع ليس صحيحاً لأن كثيراً من الافتراضات في "النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة" مليئة بالقيم.
وفي الحقيقة، فإن"الإطار الكلاسيكي الجديد" للمعلومات الكاملة، في شكله الأكثر تطرفاً، والمنافسة الكاملة وعدم وجود تكاليف للعملية التي تحرر جميع الأسواق على الفور بسعر متوازن, لا تدع مجالاً للمؤسسات ولا للأخلاق، باستثناء الافتراض الآخر بأن جميع اللاعبين في السوق يتصفون بالعقلانية التامة ولا يهتمون إلا بأنفسهم فقط. إن هذا الإطار هو "تصحيح الأسعار"، الأمر الذي يوحي بأن معدلات الفائدة وأسعار تبديل العملات وأسعار السلع من شأنها أن تحرر جميع الأسواق بأدنى قدر من التدخل الحكومي.
ففي الاقتصاد الكلاسيكي الجديد Neo-classical Economics أو ما يعرف أتباعه بالكلاسيكيين المحدثين أمثال ميلتون فريدمان, و خصوصا على مستوى الاقتصاد الكلي فإنهم يرون أنه في حال سمح للأسواق بالعمل بحرية دون تدخل في الأسعار من قبل الدولة أو أي جهة نافذة فان تعديل السعر سيعمل بصورة مستمرة على جلب الاستثمارات الأجنبية فضلا عن تسارع وتيرة التنمية وتوفر منتجات وخدمات جديدة وغياب التضخم.
وحيث إن الدين الإسلامي يحرم تقاضي الفائدة أو الربا، فإن المرء ليعجب من رفض خبراء الاقتصاد الإسلامي لفكرة إمكانية تطبيق "إطارات الاقتصاد الكلاسيكي الجديد" على الاقتصاد الإسلامي وعلى نظام التمويل الإسلامي.
وبصفتي شخصاً أمارس التطبيق العملي للنظرية الاقتصادية طيلة 30 عاماً، كان دائماً يدهشني اعتراف اتباع "الاقتصاد الكلاسيكي الجديد" بأن عالم الواقع يمتلك معرفة منقوصة، ومنافسة منقوصة، وينطوي على تكاليف عالية للعمليات، ومع ذلك، في قدرة دينية رائعة، نفترض معها أن "النموذج الكلاسيكي الجديد" يمكن أن يتمخض عن تطبيق سياسة مفيدة جداً في دنيا الواقع. ولسوء الحظ، تم تسويق هذا النموذج وبيعه على العديد من الاقتصاديين السذج في بلدان العالم النامي الذين يحاولون تطبيقه عملياً، وغالباً ما تكون النتائج كارثية.