أوروبا تواجه فشلا في مشروعها العلمي الفضائي

أوروبا تواجه فشلا في مشروعها العلمي الفضائي

أوروبا تواجه فشلا في مشروعها العلمي الفضائي

في الوقت الذي كان فيه الاتحاد الأوروبي يحتفل بيوبيله الذهبي، كان بعض واضعي السياسات الاقتصادية وكبار المديرين أقرب إلى البكاء منهم إلى الابتهاج، وبخاصة أولئك الذين لهم علاقة بالقمر الصناعي الأوروبي جاليليو.

لقد طوقت عنق جاليليو، منذ لحظة إطلاقه كمشروع، أكاليل الغار وصيغ المبالغة في المديح باعتباره أهم مشروع مشترك بين الدولة والقطاع الخاص، وأول نظام ملاحي تجاري دولي، و "أكبر حلم تكنولوجي أوروبي" على الإطلاق. وفجأة لم يعد من المستبعد أن لا يتبقى من الأحلام المحلقة في الأعالي، في أسوأ الاحتمالات، سوى كومة من الخردة الإلكترونية.

ومن المعروف أنه كان من المتوقع أن تقوم الأقمار الثلاثون عام 2008 ببث المعلومات في اتجاه الأرض من ارتفاع 23600 كيلومتر في الفضاء غير أن هذا لم يعد واردا في هذه الأثناء حيث إن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الاتصالات جاك بارو يعتقد أن موعد إطلاق المرحلة الثانية من هذا النظام المقرر في نهاية عام 2010 لم يعد مؤكدا، بل إن الاتحادات الصناعية تتحدث بدلا من ذلك عن عامي 2012 و 2014.

كيف حدث هذا ؟ وهل أوروبا هي المذنبة مرة أخرى ؟ أجل ، ولكن جزئيا فقط . إن مزيجا من رجال السياسة الساعين للشهرة ورجال الأعمال الذين يخشون المجازفة قد حال دون حدوث تقدم في تصميم نظام تحديد المواقع. كما أن جاليليو كان يعاني من بنية معقدة، ومن بيروقراطية الإجراءات، وأخيرا من حوافز خاطئة. إن استعراضا لشريحة مختصرة من تاريخ جاليليو يبرهن على ذلك. تعود فكرة مشروع القمر الصناعي إلى التسعينيات من القرن الماضي. ومنذ عام 2003 استمرت عمليات التنفيذ وهي عمليات غاية في التعقيد حتى بالنسبة للمختصين من الخبراء. وتعتبر اللجنة الأوروبية في بروكسل هي المبادرة إلى هذا المشروع والمسؤولة عنه. أما عمليات التطوير فتتم بالتعاون مع المنظمة الأوروبية لشؤون الفضاء ESA. وحتى نهاية عام 2006 كان يوجد في النهاية ( مشروع جاليليو المشترك) الذي كان من المفروض أن يدخل في مفاوضات مع الصناعة بهدف قيام الصناعة بتشغيل جاليليو لمدة عشرين سنة بحيث يعود بعدها لملكية الاتحاد. هذا ولم يتم التوقيع على الاتفاقية حتى اليوم. في البداية تقدمت عدة شركات صناعية لتشغيل جاليليو، ولكن في النهاية لم يتبق سوى شركة من شمال أوروبا وأخرى من جنوبها، فطلب مشروع جاليليو منهما أن يتعاونا في تقديم طلب واحد مشترك، وحدث هذا أيضا. لم يأخذ السياسيون بعين الاعتبار أن الشركات الثماني المتبقية: الشركة الأوروبية للصناعات الجوية والفضائية، الكاتيل – لوسنت، تاليس، فينميكانيكا، إنمارسات، هيسباسات، وأينا بالإضافة إلى شركة تيليوب التي هي في الحياة الاقتصادية العادية لا يكاد يوجد بينها رابط فهي شركات متنافسة جزئيا. وبالتالي ليس ثمة ما يثير الاستغراب في محاولة كل منها أن تحصل لنفسها على أكبر عائد ممكن بدلا من أن تضع نصب أعينها المصلحة العامة. وفي هذا السياق تردد كثيرا أن إسبانيا أرادت أن تمارس تأثيرا كبيرا في المشروع.

وهكذا تدور النقاشات في هذه الآونة حول أي جهة؟ وما حجم حصتها من تكاليف المشروع التي تقدر بنحو 3.6 مليار يورو؟ وبالطبع فإن الشركات تحاول، كما هو متوقع، أن تتلافى المخاطرة، ذلك لأنه إذا لم يبث القمر مرة واحدة الإشارات المتوقع منه إرسالها فإن كامل نظام الاتصالات سوف يصاب بالشلل التام. إذ إن المفروض في جاليليو ألاَّ يخدم فقط الأجهزة الملاحية، وإنما يتوقع منه أن يقدم خدمات شاملة، حيث جاء في الكتاب الأخضر للجنة الاتحاد الأوروبي الذي تضمن قائمة طويلة بالاستخدامات المختلفة: ابتداء من مكالمات الطوارئ إلى المواصلات وحتى اقتصاديات الطاقة.

أما الموقف السياسي النهائي فهو كما يلي: وجه وزراء المواصلات في الاتحاد الأوروبي أخيرا إنذارا نهائيا للشركات المشاركة في المشروع، فحتى العاشر من شهر أيار ( مايو ) المقبل ينبغي على هذه الشركات أن تكون فيما بينها شركة تكون قادرة فعلا على تشغيل جاليليو. ويخشى الاتحاد الأوروبي من ارتفاع ملحوظ في التكاليف ما لم يتم إنجاز ذلك قبل أيلول ( سبتمبر ) المقبل.

لقد كان الأمر أكثر سهولة بالنسبة للأمريكيين فيما يتعلق بنظامهم لتحديد المواقع المعروف باسم GPS. فهذا النظام الذي طوره العسكريون قد مرت عليه سنوات وهو يؤدي مهماته بدون أية مشكلات، ولم يعرف أنه حدثت أية خلافات بين المعنيين في الميدان. ومنذ أن أمر الرئيس السابق بل كلينتون بجعل نظام تحديد المواقع أكثر نفعا للاستخدامات المدنية أيضا، شهد النظام ومنتجو المعدات اللازمة له بشكل خاص ازدهارا لم يسبق له مثيل. وفي هذه الأثناء وضع الأمريكيون نصب أعينهم تطوير نسخة أحدث من نظام تحديد المواقع، ينبغي أن تكون في متناول اليد عام 2010، وسيكون على الأقل في مستوى جودة نظام جاليليو نفسه.

إن ذلك سيشكل بالنسبة لأوروبا ضربة فالتقنية الأحسن – وهي التقنية التي تقاس دقتها في تحديد المواقع لأقرب متر بدلا من عشرة أمتار، كانت الحجة التي جرى استخدامها طوال الوقت لمصلحة جاليليو، بالإضافة للاستقلالية عن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية. أما في حالة تأخر الأوروبيين في نظامهم عامين أو حتى أربعة أعوام فسيهدرون جزءا رئيسا من رأسمال المشروع المقدر بالمليارات، وبالتالي فإن تلكؤ الأوروبيين ليس مجرد نكد سياسي وإنما يمكن أن يكون مكلفا للغاية.

الأكثر قراءة