الصين تنشر استثماراتها حول الكرة الأرضية
ستنشئ الصين قريبا شركة للاستثمارات تكون تابعة للدولة مهمتها استثمار احتياطياتها المتزايدة من العملات الصعبة. وتقبع الصين على رأس قائمة الدول التي تملك أضخم احتياطي من العملات الصعبة في العالم بعد أن بلغ احتياطيها من العملات الصعبة نهاية العام الماضي 1.07 مليار دولار (أو ما يعادل 816 مليار يورو).
وستقتفي الشركة الجديدة نموذج شركة تيماسيك القابضة وهي شركة استثمارية ناجحة بكل المقاييس ومقرها سنغافورة في جنوب شرق آسيا. ومن المتوقع أن تطرح الشركة الجديدة في أسواق العالم استثمارات لا تقل عن 300 مليار دولار.
وتتضح دلالة هذا المشروع من إلقاء نظرة على بنيته: فالشركة الاستثمارية الجديدة ستكون مرجعيتها المباشرة هي مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية, مما يشكل تجاوزا لكل من البنك المركزي ولوزارة المالية. هذا وقد كانت الصين منذ عام 2003 تضيف لاحتياطيها في كل سنة أكثر من 200 مليار دولار، وذلك بفضل فائض ميزانها التجاري الذي كان يقفز باستمرار وسنة بعد سنة من ذروة إلى ذروة أعلى. وهذا المبلغ يكاد تقريبا يساوي كامل الأداء السنوي لاقتصاد دولة بحجم البرتغال.
وفي هذا السياق قال جين رينكينج وزير المالية الصيني: "إن الأمن بالنسبة لنا هو الأولوية الأولى، واستنادا إلى هذه الفرضية سنحاول أن نزيد من كفاءة إدارة استثماراتنا, وأن نزيد بالتالي من عوائدها". وأشار ممثلو البنوك خلال الأسابيع الماضية إلى أن خطط الصين الاستثمارية ستكون لها آثار بالغة على الأسواق. ويذكر أن إدارة الدولة للعملات الأجنبية, وهي إحدى أذرع البنك المركزي الصيني, هي التي تتولى حاليا إدارة الاحتياطيات. وليس من المعروف رسميا الكيفية التي تستثمر فيها بكين هذه الاحتياطيات. ولكن الخبراء في مختلف مناطق العالم يعتقدون أن أكثر من ثلثي الاحتياطي يجري استثماره في سندات الدين الأمريكية المتدنية الفائدة. وأعلن بنك ستاندارد تشارترد وفقا لحسابات أجراها بأن بنك الصين المركزي هو الأكثر حصدا للعوائد بين بنوك العالم, وذلك بسبب الفرق بين العوائد التي يحصل عليها من الفوائد على سندات الدين الأمريكية والفوائد المتدنية التي يدفعها على احتياطيات البنوك التجارية, وهو ما مكنه العام الماضي من تحقيق فائض بلغ 29 مليار دولار. وبالمقارنة كان مجموع الأرباح التي حققها سيتي بنك وبنك أوف أميركا وهما الأكثر تحقيقا للأرباح بين بنوك العالم لا يزيد على 21 مليار دولار عام 2006.
وستستمر إدارة الدولة للعملات الأجنبية في إدارة ذلك الجزء من الاحتياطي الذي يصنفه وزير المالية بأنه عادي دون أن يحدد حجمه. أما الجزء الباقي فستتولى الشركة الجديدة مهمة استثماره. ويقال خلف الكواليس إن الصين بحاجة إلى ما بين 600 و700 مليار دولار كاحتياط, وهو ما يعني أن من الممكن أن تتوافر الشركة الجديدة على نصف مليار دولار حتى نهاية السنة. ومن المؤكد أن مبلغا بهذا الحجم سيترك آثارا بالغة على أسواق المال العالمية. غير أن الحكومة الصينية برهنت حتى الآن على أنها تبذل أقصى ما بوسعها للحيلولة دون حدوث هزات في الأسواق. ولهذا فإن البنوك تتوقع أن تتمهل الجمهورية الشعبية سنوات قبل أن تطرح هذه المبالغ في الأسواق.
أما إذا استنسخت بكين النموذج السنغافوري فستقوم الشركة الاستثمارية الصينية بالاستثمار على نطاق العالم في المشاريع الصناعية وفي القطاع المالي. وقد يحقق ذلك لسنوات قادمة عملا ناجحا للبنوك الاستثمارية الكبرى. ومن المتوقع أيضا أن تضخ الحكومة الصينية أموالا طائلة في قطاع المواد الخام. وتحت مظلة إدارة الدولة للعملات الأجنبية ستبقى شركة استثمارات بنك الصين المركزي المعروفة باسم (سنترال هوجين إنفستمنت كومباني) إضافة للشركة الجديدة قائمة, وستوكل لها مهمة إدارة جزء بسيط من الاحتياطيات.
ويسود ثمة إجماع بين المحللين على أن الصين تحاول أن تحذو حذو سنغافورة, وقد عبّر جين عن ذلك بالقول: "نحن سنقوم بالبناء على التجارب الناجحة للبلدان الأخرى مثل شركة تيماسيك في سنغافورة". وثمة بعض الدلائل على أن الصين قد قامت بدراسة تجربة كل من (شركة دبي إنترناشيونال كابيتال LLC) و(شركة قطر الاستثمارية) وكلتيهما تمثلان بدورهما تجربة شركة تيماسيك.هذا ويخفي الاسم وراءه إحدى أكثر شركات الاستثمار نجاحا في العالم. وهي تقوم باستثمار فوائض الدولة الصغيرة الغنية في مناطق مختلفة من العالم. فمع نهاية العام المالي قبل سنتين كانت القيمة السوقية لحقيبتها الاستثمارية تبلغ 129 مليار دولار سنغافوري (أي ما يساوي 64.2 مليار يورو) وهو ما حقق ربحا بلغ مع نهاية العام الماضي أي ما نسبته 24 في المائة. وبلغ متوسط عائد استثمارات تيماسيك خلال العقود الثلاثة الماضية 18 في المائة.
وتم تعيين هو تشينج زوجة رئيس وزراء سنغافورة رئيسة للشركة بهدف تحسين سمعة الشركة وزيادة أرباحها. ومن المعروف أن شركة تيماسيك تستثمر في جميع المجالات،.فإلى ما قبل سنة كان ما نسبته 44 في المائة من الأموال مستثمرة في سنغافورة وبشكل خاص في شركات سنغافورية كبرى مثل شركة طيران سنغافورة و"سنغافورة تيليكوم". وفي الوقت نفسه كانت ما نسبته 34 في المائة مستثمرة في آسيا باستثناء اليابان. وكان 35 في المائة من الحقائب الاستثمارية مستثمرا في القطاع المالي بما في ذلك البنوك الصينية الجديدة. وبالإجمال كان 57 في المائة مستثمرا في شركات البورصة. وقد بات واضحا أن الهدف المعلن للسيدة هو تشينج هو أن تتخطى باستثماراتها الحدود الضيقة للمدينة الدولة. غير أن هذا ليس بالأمر الهين لأن العديد من الدول والشركات الآسيوية يمانع في قبول شركة مملوكة لدولة وتدار بأسلوب متشدد كمساهم في مشاريعها.