مدارس أمريكا .. من تدريبات الحريق إلى الأسلحة النارية

مدارس أمريكا .. من تدريبات الحريق إلى الأسلحة النارية

في الأسبوع الماضي اختبرت ابنتاي أحد طقوس الطفولة الأمريكية الحديثة جداً. أغلق المدرسون في مدرستهن في مانهاتن بشكل مفاجئ، أبواب غرف الصف وطلبوا من الجميع الاختباء تحت الأدراج أو داخل الخزانة. ثم قام شخص بالسير على طول الممر في الخارج، وهو يقرع الأبواب بأسلوب مهدد، ويصرخ "دعوني أدخل".
أبقت المدرسة الباب مغلقاً وطلبت من الأطفال أن يربضوا في الأسفل، وذلك في إطار تدريب "إنذار الخطر". قالت إحدى ابنتي "لقد كان الأمر مخيفاً جداً. لكن هذا ما علينا القيام به إذا دخل شخص غريب إلى المدرسة". هذه واحدة من الميزات الغريبة لأمريكا عام 2014. عندما كنت طفلة في مدرسة بريطانية قبل 30 عاماً، شاركت في تدريبات الحريق. لكن في هذه الأيام المدارس الأمريكية لا تجري عمليات الإخلاء بسبب الحريق فقط. في أعقاب هجمات وقعت أخيرا على مؤسسات تعليمية - مثل تلك التي على كلية في كاليفورنيا في الأسبوع الماضي - أصبحت المدارس تدرب الأطفال بشكل فعّال على كيفية الاستجابة للهجمات العنيفة كذلك.
هذه التدريبات تختلف في كافة أنحاء البلاد. في بعض المدارس يرغب المدرسون في تدريبات "واقعية"، بحيث يتجمع الأطفال في أماكن مثل الصالة الرياضية في الوقت الذي يقوم فيه شخص ما بإطلاق النار من بندقية فارغة. وفي أجزاء من بروكلين أكثر عصرية، تشعر المدارس بقلق كبير بشأن الحالة النفسية بحيث تقدّم الاستشارة للتلاميذ بعد ذلك.
إن تدريبات إنذار الخطر أو "التأمين" منتشرة. وأصحاب المشاريع ينتقلون بسرعة إلى المعركة - تتولى الشركات الآن تقديم تدريب إنذار الخطر للمدارس، ويقدم المخترعون طلبات لبراءات اختراع لأجهزة من قبيل خزائن الكتب المتنقلة التي يمكن دفعها نحو الباب لمقاومة الرصاص. هل هذا معقول؟ عندما أخبرتني ابنتاي أول مرة - بعصبية - عن تدريباتهن، شعرت بتناقض. باعتباري أماً، من الصعب انتقاد التدابير التي تحمي الطفل، لكن بما أني نشأت في المملكة المتحدة، حيث الأسلحة نادرة، قد يبدو الأمر صادما كون المجتمع بدأ يجعل الهجوم بالسلاح على مدرسة أمراً طبيعياً، من خلال التحضير له بشكل فعّال.
وإذا تعمقت في الإحصائيات، فمن الصعب تجنب الشعور بالتهكم. وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن فرصة موت طالب في هجوم عنيف في المدرسة هي مجرد واحد في المليون. ومع أن وتيرة الهجمات قد ازدادت في العقدين الماضيين، إلا أن مثل هذه الحوادث ليست جديدة.
لكن الأمر المثير للاهتمام فعلاً هو أن بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي تُشير إلى أن 95 في المائة من الهجمات يشنها طلاب محبطون وليس "أشخاصاً غرباء". ويرصد مكتب التحقيقات أن "عمليات إطلاق النار في المدارس هي أحداث عادة ما تحظى بتغطية إعلامية وترويج جيد، بحيث يمكن أن تؤدي إلى زيادة في أعمال مماثلة. فقد شارك كثير من المهاجمين في عرض متكرر لوسائل الإعلام العنيفة وغالباً ما كانوا واقعين تحت سحر عمليات إطلاق النار السابقة في المدارس". هذا يعني أن الاختباء من أشخاص غرباء عشوائيين ليس هو القضية. أفضل طريقة للتعامل مع الخطر بالنسبة للمدارس هي تعليم الطلاب اكتشاف الإجهاد بين زملائهم في الصف. كما يعني أيضاً أن أفضل طريقة لردع الهجمات هي التقليل من خطر عمليات إطلاق النار في المدرسة بدلاً من تهويلها. لكن لا تراهن على حدوث هذا في وقت قريب، أو ليس في عالم حيث وسائل الإعلام حرّة، والمحامون منتشرون كالوباء في كل مكان، والآباء (مثلي) حريصون على الحد من المخاطر بشكل غريزي. ربما ينبغي لنا ببساطة رؤية تدريبات إنذار الخطر كأنها علامة من علامات العصر. قبل 75 عاماً كان الأطفال الأوروبيون يختبئون تحت أدراجهم للاحتماء من القنابل، وفي الخمسينيات والستينيات كانوا يربضون في مكان منخفض في تدريبات فعلية للتحضير لهجوم نووي. وحتى في أواخر السبعينيات كنا لا نزال نعيش في خوف حقيقي جداً من الهجمات التفجيرية للجيش الجمهوري الإيرلندي. لكن الخبر الجيد اليوم هو أن الأطفال في الغرب ليسوا بحاجة للاختباء من القنابل الحقيقية، أو القلق بشأن مخاطر نووية بعد الآن. وعلى الرغم من أن العنف المسلّح يُفسد بعض الأحياء الفقيرة في الولايات المتحدة، إلا أن معظم أطفال الطبقة المتوسطة يعيشون حياة آمنة بالمعايير التاريخية. وهو ما يفسر بطبيعة الحال السبب في أن مظهر تمارين إنذار الخطر يجعل الناس الذين على شاكلتي يجفلون من المفاجأة – ويتساءلون عما سيراه أطفال أطفالي في هذه الظاهرة. هل سيظلون يختبئون تحت المقعد بعد 50 سنة من الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما نوع التهديد الجديد الذي سيضطرهم للاختباء؟

الأكثر قراءة