قصة معاناة مريض بالإيدز في العراق
يشعر وسام أحمد جلوب الذي التقط الإيدز عن طريق حقنه بالدم الملوث بـ"ألم نفسي عميق" كونه لا يستطيع الزواج أو حتى الخروج من باب منزله
بسبب مضاعفات المرض التي لا يجد لها مثل غيره من المصابين به علاجا بسبب تدهور الوضع الطبي في العراق.
يقول جلوب (27 عاما) "يصعب علي الخروج من المنزل بسبب آلام المفاصل، ما يزعجني هو أنني لا أستطيع الزواج أو حتى القيام بزيارة الجيران. هذه الأمور تسبب لي ألما نفسيا عميقا". يحاول جلوب الذي يسير بصعوبة تحاشي الاختلاط بالآخرين "بحيث إنني أقضي معظم وقتي أمام الكمبيوتر في المنزل رغم أن غالبية المحيطين تعرف بأمري ولا تبدي أي نفور. ومع ذلك لا أستطيع زيارة أقربائي بسبب خشيتي من صدور تعليق مؤلم من أحدهم".
ويصف حياته بأنها "شاقة رغم أنني أملك سيارة لكنني لا أستطيع الخروج للترفيه عن نفسي لانعدام الأمن أهم شيء بالنسبة لي هو العلاج لا يوجد مستشفى تخصصي، بعد هدم المستشفى في جسر ديالى بسبب عمليات النهب" إثر سقوط النظام السابق. ويتابع "ليست هناك لقاحات، أو مختبرات جيدة، أراجع المستشفى بشكل منتظم لعلاج المفاصل عندما تتورم، وبسبب مرضي ليس بإمكاني معالجة أسناني التي نخرها السوس، كما أن طبيبة الأسنان تتذرع بتدهور الوضع الأمني".
وقد توفي نحو 199 عراقيا من أصل 238 أصيبوا بمرض الإيدز بعد حقنهم بدم ملوث اشترته إحدى حكومات النظام السابق من شركة فرنسية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في حين ينتظر الباقون مصيرهم في ظل افتقاد العلاج اللازم، وفقا لهيئة الهلال الأحمر العراقي.
ويقول جلوب "أصبت بهذا الوباء أثناء علاجي من الهيموفيليا (سيولة الدم) عام 1987 ولم أكن وقتها أعرف شيئا عن الإيدز، وقال الطبيب المعالج يجب أن أذهب إلى المستشفى في جسر ديالي، لكني فوجئت بعدم السماح لي بالخروج منها، فمكثت أربع سنين حتى فرضت الأمم المتحدة إنهاء الحجر عام 1991".
أما حسين فاضل عباس (37 عاما) العاطل عن العمل، فقد قرر الزواج وأقدم على هذا الأمر "قبل مدة قصيرة فقط واطلعت زوجتي على مرضي وهي تتقبل ذلك. الحياة صعبة دون امرأة بجواري فوجودها يمنحني بعض الاطمئنان والتعويض المعنوي والنفسي عما أصابني".
ويضيف ردا على سؤال "استخدم الواقي الذكري. فأنا لا ارغب في إنجاب أولاد لكي لا تتكرر المصيبة فقد فكرت كثيرا في الأمر وترددت قبل أن اتخذ القرار". ويؤكد "كانت الأشهر الثلاثة الأخيرة هي الأكثر وطأة علي منذ بداية مرضي". فقد التقط عباس هذا المرض عام 1984 "فقررت وزارة الصحة الحجر عليّ خمس سنوات بعدها خرجت وطالبت بتعويضات فلم يعرني أحد اهتماما كانت الوزارة تعطينا في زمن صدام الدواء لكن الآن لا أحد يعطينا".
ويضيف "لم يتبق منا نحن المصابون، إلا القليل من الناس في القرية الذين يعرفون بمرضي ولكنني أتجنب تناول الشاي معهم ولا أستطيع مراجعة طبيب الأسنان، وأقضي يومي في بستان نملكه. اطلب من الشركة الفرنسية صرف تعويضات لأنهم السبب في دمار حياتي".
وكان رئيس هيئة الهلال الأحمر سعيد إسماعيل حقي قد قال "أجرينا مفاوضات للتوصل إلى تسوية أوضاع المصابين بالإيدز لكنها توقفت عام 2004 فقد تلقينا عرضا بمبالغ راوحت بين خمسة آلاف و25 ألف دولار وهذا لا يفي بتكاليف العلاج، نطالب بمبلغ 238 مليون دولار، أي مليون دولار لكل ضحية".
ووفقا لحقي، فإن شركات "افنتيس" و"سانوفي" الفرنسيتين و"باكستر" الأمريكية هي وريثة "شركة ماريو" التي كانت زودت وزارة الصحة العراقية بكميات من الدم مطلع الثمانينيات لمعالجة حالات الأطفال المصابين بالهيموفيليا. بدورها، تقول ليلى عبد الجليل حسن "توفي من عائلتي ستة أفراد، ثلاثة من أشقائي واثنان من أولادي وزوجة شقيقي، ابني قاسم توفي عندما كان في السادسة وكنت حينها منشغلة برعاية أخيه رائد المحجور بمستشفى التويثة عام 1994". تجهش المرأة بالبكاء وهي تعرض صور أولادها في المستشفى.
وتضيف "أشقائي كريم ووسام ورعد انتقل إليهم المرض وكذلك زوجة أخي رعد واسمها نوال حاتم انتقلت إليها العدوى من زوجها. وتم حجرهم جميعا في مستشفى ابن الخطيب في التويثة (جنوب بغداد) وأبقوهم في الحجر أربع سنوات ونصف السنة". وتتساءل بمرارة "لماذا لم تفعل فرنسا لنا شيئا؟ لماذا لم تتم محاسبة الشركة الفرنسية كما جرى في ليبيا؟ هددونا في زمن صدام بالإعدام إن تكلمنا بالأمر، ولقد رأيت معاناة كثيرة مرت عليّ أهوال، ماتوا كلهم بين يدي".