التاريخ والقرار لمؤسسات أرباب الطوافة

المطوفون، الأدلاء، الوكلاء والزمازمة غمرتهم سعادة في بيوتهم وداخل مؤسسات انتماءاتهم. زوجاتهم وأبناؤهم، وأحفادهم الذكور والإناث على حد سواء، أرحامهم، وأحبابهم لم يكونوا بعيدين عن تلك الفرحة بل المجتمع السعودي كله، وذلك إثر صدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تثبيت مؤسسات أرباب الطوائف بتقسيماتها الحالية وإلغاء صفة التجريبية عنها وأن تأخذ شكلا تنظيميا اعتباريا وبأسلوب تجاري، إنه قرار تاريخي للأب القائد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وجيل من المطوفين والوكلاء والأدلاء والزمازمة قدروا أبعاده ومضامينه ومرتكزاته ومنطلقاته ويعرفون انه عهد لمرحلة انطلاقة جديدة بشرف ومسؤولية ضمن منظومات خدمات المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا التي ترعى الخدمات التي تقدم لحجاج بيت الله الحرام بكل تفان وإخلاص.
وباستقراء المضامين التي اشتمل عليها القرار يعنى أن الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأهلية للحجاج القادمين من الخارج تعاد صياغة أهدافها اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا بأسلوب حضاري يواكب تطلعات المملكة العربية السعودية من الرؤية العالمية للحج ومن قلبها النابض واهتمامها بشؤون الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ومتطلبات تحقيق مفهوم خدمة الحجاج.
إن تثبيت المؤسسات بأوضاعها وتقسيماتها القائمة يعنى دعم الانتماء والتخصص في ثقافة الحجاج وعاداته وتقاليده والتفاهم معه بلغته وبالتالي ييسر خدمته وتحقيق رغباته أثناء وجوده على أرض المملكة العربية السعودية، كما أن الانتماء لهوية ثابتة فيه تفاؤل من خلال العمل بأمان واستقرار لمعطيات المشاركة في أعمال الحج، إنه الواجب الوطني المستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إن للتثبيت دلالة واضحة على بناء هذه المؤسسات بكيانات يمكن من خلالها تخطيط ورسم سياسات منهجية في ظل الواقع الذي يتعامل مع تحديات خدمة الحجاج بتطور مستمر ويتأقلم مع مستجداتها وفق معرفة المتمكن وخبرة الأصالة والمعاصرة، ولن نكون بعدين إذا أقررنا أن ثبات البقاء التنظيمي يزيد من صلابة البني التحتية لمتطلبات خدمة الحجاج. إن تصنيف الخدمات إلى تقدمها مؤسسات أرباب الطوافة وتوصيفها كما ونوعا وتحديد مستوياتها يدخل آمال المؤسسات للمعايرة والقياس وتحديد مناحي التعارض والازدواجية إن وجدت ومن ثم الوصول إلى معالجتها. إن هذه المفاهيم لها معان ودلالات تعريف لإقرار مواصفة قياسية لصناعة خدمات الحج مما يزيد التأكد من أهمية التنسيق مع مانحي شهادات الجودة العالمية لمراجعة التطبيقات والمتطلبات المتنوعة لخدمات الحج: الإدارية والتشغيلية والميدانية.
وسوف يؤدي ذلك إلى إعادة بناء الشخصية الاعتبارية للكيانات القائمة ورسالتها ورؤيتها وقيم العاملين فيها بل سوف تتمكن مؤسسات أرباب الطوائف من خلاله اتخاذ وسائل الإصلاح الفوري لما يتعلق بتقديم الخدمات للحجاج والتطوير وفق أسس عالمية ترعاها بيوت خبرة تشارك في تقديم مساراتها السابقة واقتراح سياسات وإجراءات لها المرجعية والاحتكام وسمات التجديد للجمعيات العمومية في مؤسسات أرباب الطوائف التي ستكون لها فرصة أكثر للتفاعل من مجالس الإدارة وإعطائها من الثقة والأمان خلال انتخابات يمكن لتلك المجالس أن تمارس عطاءات عمل أكثر والبحث عن وسائل أفضل وأكثر جودة وهي تكون قد حققت تحسنا لاختبار كفاءة وفعالية الكوادر البشرية للمشاركين من أبنائها ومنسوبيها والاستفادة من خبرات وقدرات وعطاءات ومبادرات الجميع, بتهيئة البيئة التنظيمية لتقبل الأفكار والطروحات البناءة بهدف الارتقاء بخدمات الحجاج.
إنه التنافس المتسارع في مسيرة الحج وضغوطه بقبول أعداده المتزايدة وفق متطلبات استيعاب محدودية الزمان والمكان لهو تحد للنجاح, وسواعد الرجال التي لا تكل ولا تمل في بناء مهنة أرباب الطوائف بالمستوى المأمول.
إن إلغاء الصفة التجريبية عن المؤسسات مفتاح ما كان مغلقا وما سارت به الأمور طوال ما يقارب الثلاثين عاما والتي كانت فيها صفة التجريبية جدار صد لهذا الطموح، واليوم رفع القرار الحكيم الذي صدر برؤية خير للمستقبل في ظل الاختلاف في تطوير آليات ووسائل خدمات الحجاج بمنظور عصري له مقومات الأصالة والاستمرارية ... إن القرار أضاف للاقتصاد الوطني رافدا مهما ذا قيمة عالية في دلالاته وأبعاده وهو في تصور الجميع بعد تكاملا لبنى اقتصادية كانت غير مستفادة وعليها كثر من علامات الاستفهام اكتنفها تأويلات ضبابية في الرؤية وتفسيرات حدت من حركتها وجعلتها تدور في فلك غير معلوم النهاية ويأتي رفع الصفة التجريبية عن المؤسسات متلازما مع التثبيت لمطلب مهم وملح لكون أن اقتصاديات التشغيل المتوازن أصبحت عصب الحياة (ثبات الكيان وتحرير موارده ليتم الاستفادة الكلية منها في صناعة خدمات الحج).
إننا نستبشر بكثير من المشاريع التكاملية لخدمة الحجاج والعمار في مجالات متطلبات خدمات صناعة الحج: الإسكان والنقل والتغذية والخدمات العامة ولعلنا نرى في القريب ثمرة حكمة القرار من وجود تكتلات استراتيجية اقتصادية لأرباب هذه الطوائف تساهم بشكل إيجابي في دفع الارتقاء بخدمة الحجاج في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة وبقية المدن والمنافذ البرية والبحرية والجوية لاستقبال الحجاج في المملكة من دول المعمورة كافة.
إن استمرار طلب التحسين على خدمات الحجاج تنطلق من رفع وإلغاء التجريبية عن مؤسساتها الخدمية فالتنافس لا يقتصر على كيان واحد بل بين الجميع استهدافا لرضا الخالق أولا ثم رضا الحاج. إن في رفع صفة التجريبية عن مؤسسات أرباب الطوائف أمر يصاحبه تغيرات جذرية في أنماط تشكيل مجالس الإدارة وتجانس رؤى وتطلعات أعضائها، وسوف يؤطر لهياكل تنظيمية تأخذ بأفضل ما توصلت إليه النظريات الإدارية ويعمل على تأصيل استراتيجية ثقافة المنظمة، وليس ببعيد أن يكون أثر القرار بمعطياته الأخذ بأفضل ما انتهى إليه الغير وأصبح أمام المؤسسات ضرورة القيام لتحقيق الدور التفاعلي الاجتماعي الأسري لمشاركة المطوفة والوكيلة والدليلة في خدمات الحج وصناعته الذي يأتي منسجما واقعا ومطلبا مع تحرر مؤسسات انتمائهن من التجريبية والقرار في حد ذاته قد أوجب ضمنا معطيات ضرورة مشاركة الكل (ذكورا وإناثا) على حد سواء فالمشاورة والتعاضد والتآزر والتآخي والتعاون من أسس توجهات الشريعة الإسلامية التي تكون في خدمة الحجاج أكثر من وجوبا لما يعنى ذلك من اهتمام المسلم بشأن أخيه المسلم في أطهر بقعة على وجه الأرض .. والشكر في ذلك موصول لمجلس الوزراء الموقر على قراره المتوج بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وكذا لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين والأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود وإلى رجل الحج وخبيره ومهندسه بحكمة ودراية صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود ولصاحب المعالي وزير الحج الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي صاحب رؤية الإبداع ومرجعية إشراف مؤسسات أرباب الطوائف وللقريب من أفئدة كل مطوف ومطوفة ومعلم ومعلمة وشيخ وشيخة ودليل ودليلة وزمزمي وزمزمية ووكيل ووكيلة. فقد تابع معاليه هذا القرار من اعتقاده بأهمية واستراتيجية التنظيم الذي أقره مجلس الوزراء فرسم إدارته بهدوء وصبر ومتابعة وحزم حتى تحقق لمعاليه ما أمل وتابع، فلا توفيه الكلمات الشكر والعرفان والتقدير والامتنان بل الدعاء بقلب صادق مخلص من كافة أرباب الطوائف لما ولي به الأمر بأمانة ورعاية بصدق وإخلاص وهي لصفة في تاريخ الرجال لمن هم في قامة الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي ولا ننسى الشكر والدعاء لكل القيادات ومسؤولي وزارة الحج لولي الأمر قائد الأمة بصدق النية بما انتهى إليه هذا القرار الحكيم وما يتحقق من خلاله للمصلحة العامة للمسلمين كافة؟
إنه حقا ... التاريخ والقرار.

رئيس الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف