معاصر السمسم .. قصة لمنتج وطني يوشك أن ينقرض

معاصر السمسم .. قصة لمنتج وطني يوشك أن ينقرض

 معاصر السمسم .. قصة لمنتج وطني يوشك أن ينقرض

مسؤول تعليمي: إنشاء مشروع يوفر 2500 وظيفة للشباب ودخلا شهريا 5 - 8 آلاف ريال
هذه قصة من نوع مختلف لمنتج يستخلص من نبتة عشبية سعودية الأصل والمنشأ والولادة, لها معاصر خاصة تنتشر في جنوب المملكة, حيث يشهد شراء زيتها إقبالا شديدا لما له من فوائد صحية جمة، لدرجة أنك قد تسمع من يطلق عليه "الزيت السحري".
ففي الوقت الذي يفاخر فيه كثير من شعوب العالم بشجرة أو نبتة من ثروتها الزراعية إلى درجة ان تتخذها شعارا لها ترفعها في راياتها وسط المحافل الدولية، وتزين بها أعلامها، وترسمها على أوسمتها.. فإنك تجد أن هذه العشبة "السحرية" لدينا لا تزال تراوح بين الشكل التقليدي في استثمارها صناعيا وتجاريا وبين حاجة "مستثمريها القدماء" لحمايتهم من الخروقات التي تزاولها بعض العمالة الوافدة التي سوف تتسبب – لا محالة - ومع مرور الأيام في القضاء على صناعاتهم التقليدية التي مازالت تناضل لتقديم منتج محلي عالي الجودة, يمكن أن يحقق الانتشار المحلي المطلوب إذا تم تطويره, لمنافسة المنتج المستورد, ويغزو أسواق العالم.
إننا لا نتحدث عن صناعات نفطية أو بتروكيماوية أو صناعات ثقيلة, بل نتحدث عن صناعة خفيفة بسيطة لعشبة منشؤها جنوب المملكة، وتحديدا منطقة عسير.. يحتاج صانعوها إلى تجمع صناعي رسمي للعناية بهم وحماية منتجهم وتطويره ومنحهم المزيد من الامتيازات التي تكفل لصناعتهم البقاء والاستمرار بمستويات عالية من الجودة.
إننا نتحدث عن عشبة "جلجلان" المعروفة باسم نبات السمسم, وعن منتجها الذي لم يستثمر بعد بشكل جيد وهو زيت السمسم .. والذي استوقفنا في جنوب المملكة فزرنا معاصره "التقليدية" للوقوف على حقيقة ما يحدث على أرض الواقع حيث المشكلات الكثيرة التي يواجهها المستثمرون فيه, والتي كان أبرزها الغش التجاري على يد بعض العمالة الوافدة وقد رأينا أن نشير إلى بعض فوائده الطبية وما يسود عنه من انطباعات لتحري أبعاد المشكلة. وإليكم القصة كما وقفت عليها "الاقتصادية" في أرض "السمسم":

لا رقابة.. والسيطرة للأجانب

معاصر السمسم هي مصانع تقليدية تتخذ من مدينة محايل عسير موطنا لها وتحديدا منطقة الدرب وتشهد إقبالا متزايدا طوال العام, ويتحول هذا الزيت المستخرج بطرق تقليدية إلى ثروة ويعطي مردودا اقتصاديا مهما للمستثمرين في هذا المجال.
المواطنون والمقيمون يؤكدون أنه لا توجد رقابة على هذا المنتج من الجهات المعنية, وأن العمالة الأجنبية سيطرت على السوق تماماً ووصل بها الأمر إلى شراء زيوت مستوردة ومنتجة في مصانع حديثة لشركات معروفة في السوق الاستهلاكية اليومية بأسعار زهيدة في حدود 12.75 ريال للجالون ويتم مزجه بالمنتج المستخلص من زيت السمسم بنسب متفاوتة ويباع الجالون بسعر 90 ريالا للمستهلك على أنه زيت سمسم نقي. وقد اتضح من خلال جولة الاقتصادية الميدانية أن العمالة الاجنبية الوافدة أضرت بمصالح كبار السن السعوديين المتخصصين في إنتاج زيت السمسم النقي, والذي يعد مصدر دخلهم الرئيس الوحيد. وأكد علي أحمد آل سعيد البالغ من العمر 67 عاما والذي يعمل في هذه المهنة منذ طفولته, أنه ورث هذه المهنة أبا عن جد, وهي مصدر رزقه الوحيد. وقال: كنت أستطيع القيام بالعمل على أفضل وجه ولكن منذ عشر سنوات تغيرت ظروفي الصحية واضطررت إلى استقدام العمالة الأجنبية ودربتها على المهنة وأصبحت تتقن العمل تماما. وقال آل سعيد إن السمسم يزرع في فصلي الصيف والخريف وتستغرق زراعته ثلاثة أشهر حتى يستوي المحصول, وأكد أن زيت السمسم البلدي أفضل بكثير من الخارجي وسعر الكيس البلدي يصل إلى 400 ريال. بينما كيس السمسم المستورد رخيص للغاية ويمثل 25 في المائة من قيمة الكيس البلدي. وقال إن العملاء يحرصون على زيارة موقع إنتاج زيت السمسم, بل يقفون معنا أمام المعصرة عدة ساعات ليحصلوا على زيت سمسم بلدي نقي بإشرافهم بأنفسهم, مشيرا إلى أن الأغلبية يستخدمون زيت السمسم في الطبخ وأيضا في علاج الركبة والظهر والعديد من الأمراض. وبين آل سعيد أن إنتاج زيت السمسم في المعاصر التقليدية يستغرق من ساعتين ونصف إلى ثلاث ساعات. وأوضح أن طريقة المعاصر التقليدية تعتمد على تغطية عيون الجمل بقماش حتى لا يصيبه دوار من كثرة اللف ثم يبدأ الدوران دون أن يشعر وهو يجر الخشبة المنتهية بثقل يعصر بذور السمسم بشكل متواصل حتى يتحول إلى زيت صاف ونقي.
وطالب محمد عسيري الذي يعمل في هذه المهنة بتدخل فرع وزارة التجارة والبلديات وكل الجهات المعنية لحمايتهم من سطوة العمالة الوافدة التي تسيء لسمعة زيت السمسم العسيري النقي. وقال إن الإقبال على شراء السمسم البلدي جيد ولكن العمالة الوافدة تمارس الغش بعصر بذور سمسم مستوردة وتبيعه على أنه سمسم عسيري بلدي نقي.

العمالة: اسألوا الكفيل

من جانبهم, أكد عدد من العمالة الأجنبية التي تعمل في هذا المجال أنهم لا يمارسون الغش كما ادعى بعض المنتجين السعوديين وبعض المستهلكين, وقالوا لقد أحضرنا كفلاؤنا السعوديون ووضعونا في هذا المجال الذي لم يسبق أن مارسناه. ونحن نعمل على إنتاج زيت السمسم وبيعه للزبائن حسب الأسعار المحددة لنا من قبل كفلائنا السعوديين.
وأوضح عبد الرحمن فائع أحد المستثمرين في هذا المجال وأحد كبار السن المتخصصين في مجال إنتاج زيت السمسم النقي, أن العمليات البدائية التقليدية أثبتت صحة ونقاء الزيت المنتج وأن الماكينات الكهربائية والتقنيات الحديثة تضر بالمنتج وتضعف من قيمته العلاجية والغذائية. وقال فائع إن إنتاج جالون سعة 18 لترا زيت سمسم نقي يستغرق عمل أربع ساعات متواصلة حيث نقوم بربط عيني الجمل ليستمر يدور حول المعصرة دون أن يشعر بالاتجاهات والمسافات ويتولد لديه شعور بأنه في طريق طويل ويستمر في الدوران حتى يتحول السمسم البلدي النقي إلى زيت ويتم بيعه فوراً للعملاء والزبائن, الذين يأتون إلينا من مدينة أبها وبقية مدن منطقة عسير وتهامة عسير. وأشار إلى أن المنتج من الزيوت يستهلك يوميا ولا يتم تخزينه نهائيا ويباع بسعر عشرة ريالات للتر الواحد.
وفي الصدد ذاته, أكد مسن سعودي متخصص في إنتاج زيت السمسم أن مشكلاتهم لا تقتصر على وجود العمالة الأجنبية فقط وإهمال الجهات الرقابية, بل وصل الوضع إلى غزو الساحة بأكياس سمسم مستوردة بدلاً من السمسم البلدي الأكثر نقاء وأكثر فائدة غذائية وصحية. وقال إن قيمة كيس السمسم المستورد تراوح بين 100 و110 ريالات بينما كيس السمسم البلدي النقي يصل إلى 400 ريال. وعندما نبيع زيوتنا بأسعار مرتفعة نجد أن العماله الأجنبية تبيع الزيت بسعر مخفض بينما الواقع أن الزيت الذي نبيعه بلدي ونقي وغير مغشوش والزيت الذي تبيعه العمالة الوافدة غير بلدي أو مخلوط.

البلدية: لا شأن لنا بالعمالة
من جهته, أكد المهندس مشهور قاسم الشماخي مساعد رئيس بلدية مدينة محائل عسير, أن البلدية معنية بالجانب الصحي للمعاصر, والجانب الإشرافي وفق اللوائح والأنظمة. وقال إن كل معاصر السمسم مرخص لها نظاميا ونركز على الجوانب الصحية لمن يعمل في المعاصر ونظافة أدوات المعاصر ووسائل التخزين الحديثة وتم وضع استمارة دقيقة مستوفية لكل الشروط لمن يعمل في هذا المجال. ويقوم مراقبو البلدية بالجولات الميدانية اليومية على معاصر السمسم وكل المواقع الخدمية الغذائية. وأكد الشماخي أن هناك معاصر حديثة تقدم زيت السمسم النقي ولكن الأغلبية يفضلون المعاصر التقليدية القديمة لضمان استخراج الزيت أمام المستهلك بنفسه. وقال الشماخي: البلدية تهتم بالجانب الإشرافي والجانب الصحي أما مشكلة وجود العمالة الأجنبية في المعاصر ومزاحمتهم السعوديين الذين أمضوا سنوات في هذه المهنة, فلا شأن للبلدية بذلك والجهة المعنية هي لجنة السعودة في المحافظة.

فوائد طبية
وأكدت عدة دراسات وأبحاث عن زيت السمسم فوائده العديدة, ومن ضمنها دراسة أعدها البرفيسور كمال الدين حسين طاهر عن زيت السمسم وأوضح أن زيت السمسم يستخرج من بذور نبات السمسم المعروف ويحتوي على أحماض دهنية مشبعة وغير مشبعة بالهيدروجين وعلى بعض مانعات الأكسدة.
ويعد من أغنى الزيوت النباتية بالأحماض الدهنية غير المشبعه بالهيدروجين والتي يفضل أن تؤخذ يوميا بمعدل ملعقة كبيرة للبالغين لأنه لا يمكن للجسم تكوينها, مؤكدا أن مستحلبه الغذائي والمصنع أخيرا مأمون, وأن البحوث العلمية التجريبية التي أجراها الدكتور طاهر بنفسه كشفت عن قدرات متعددة سواء لزيته أو مستحلبه فهما يساعدان على الوقاية من حدوث التخثرات والجلطات الدموية ويخفضان ضغط الدم والقرح المعدية ويزيدان نسبة الإخصاب والإقلال من الإجهاض المبكر دون أي تأثير سلبي في الأجنة عند التعاطي أثناء الحمل علاوة على كونه "فياجرا" طبيعية للجهاز التناسلي.

"التربية" لا تربط الطالب بموروثاته

إبراهيم الحازمي مدير التربية والتعليم في محافظة محايل عسير يقول: السمسم بنكهته الخاصة جزء لا يتجزأ من موروث أهالي محافظة محايل عسير سواء في الأكلات الشعبية أو الطب الشعبي. والزائر لمحايل يلاحظ انتشار هذه المعاصر على مداخل المدينة,
وما أسجله هنا أن مهنة إنشاء المعاصر هي مهنة توارثها الآباء ونأمل استمرارها وتهيئة أبنائنا للحفاظ عليها, خاصة أنها تشكل مصدر دخل للعديد من الأفراد والأسر التي تعمل فيها، ومع إفرازات الطفرة بدأت تتحول إلى عمالة وافدة إدارة وتنفيذاً.
وواقع التربية والتعليم لا يركز على ربط الطالب بمجتمعه بشكل مباشر من خلال برامج موازية للبرنامج الدراسي باستثناء الجهود الفردية التي تقدم, كما أن مراكز التدريب المهني لا يوجد ضمن أجندتها تأهيل للشباب على هذه المهن المتجددة في المجتمع.

دخل يومي يصل إلى 500 ريال

والذي لفت انتباهي أنه من خلال البرامج الصيفية الطلابية خطط لزيارة الطلاب للمعاصر والتعرف عليها.. وتولد شعور لتوعية أبنائنا عن أهمية شراكتهم للعمل في هذه المهنة الشريفة.. إنها تشكل مصدر دخل يوميا تصل مبيعاته اليومية إلى 500 ريال وفي أيام الأسواق إلى أكثر من ذلك, ونسبة الربحية لا تقل عن 60 في المائة. وقال الحازمي: لقد حفزني موضوع السمسم مع الزملاء في النشاط الطلابي للتفكير في التخطيط لبرامج مهنية بالتعاون مع المعهد المهني ومراكز تنمية الشباب, هدفها تحفيز الشباب والأسر للعمل في هذه المهنة, على أن يتضمن البرنامج تحديد مواصفات للمعصرة مع الحفاظ على الجانب اليدوي الذي يثق به المجتمع بجانب التطوير الآلي وإدراج هذه المهنة ضمن المهن التي يقدم لها دعم مادي (كقروض مادية, إضافة إلى دعم مادي من صندوق التنمية البشرية).

تدريب الطالب بـ 300 ريال فقط

وأوضح الحازمي أنه ومن خلال استطلاع أولي للجدوى يتوقع أن يستقطب هذا البرنامج ما لا يقل عن 250 أسرة منتجة أو 500 شاب عامل, يراوح عائدهم الشهر بين خمسة آلاف وثمانية آلاف شهرياً, وربما يتضاعف العدد عند تحسين المنتج ورفع مستوى جودته وتصديره, خاصة أن العديد من المعاصر الحالية بدائية ومكشوفة ومعرضة للغبار والأتربة. وأكد الحازمي أن إدارة التربية والتعليم تخطط لإدراج جانب توعية الشباب بهذه المهنة وتحسين نظرة الشباب نحوها والمساهمة مع أي فرد أو مؤسسة أو قطاع في تبني البرنامج, علما أن تكلفة التدريب لعشرة شباب لن تكلف أكثر من 30 ألف ريال والجهات التي يتوقع أن يكون لها أثر مباشر في نجاح البرنامج هي المعاهد المهنية والبلدية وجهات الإشراف على توظيف الشباب
مَن يعلق الجرس؟

اقتصاديون يؤكدون أن زيت السمسم العسيري مخزون اقتصادي مهم ويمكن تحويله إلى مشروع يدر أرباحا كبيرة ويوفر فرصا وظيفية لعدد كبير من الشباب السعودي, وأكد اختصاصيون سعوديون وصغار المستثمرين في غرفتي أبها التجارية وغرفة محايل استعدادهم لعمل مشروع تضامني استثماري لإنتاج زيت السمسم العسيري النقي وتغطية الأسواق السعودية والخليجية بهذا المنتج المفيد غذائيا وصحيا, كما طالبوا بسرعة تفعيل صندوق المئوية الذي تم إنشاؤه أخيرا في غرفة أبها التجارية.

الأكثر قراءة