المصرفية الإسلامية في دول الخليج: نقص حاد في العلماء الشرعيين يتناقض بشكل حاد مع معدل البطالة المرتفع جدا
يعتبر نظيم يعقوبي، وهو عالم إسلامي مقره في البحرين، ملما بنصوص المخطوطات القرآنية القديمة، كإلمامه بمحركات البرمجيات لصناديق تحوط الأسهم.
والسيد يعقوبي، من بين مجموعة من العلماء الذين يحتلون مركزاً في المجالس الإشرافية التي تعتبر حجر الزاوية للمؤسسات المالية الإسلامية، ويفحصون جميع المنتجات والخدمات للتقرير فيما إذا كانت تمتثل للقواعد القانونية الإسلامية، أو الشريعة الإسلامية. ويمارس هؤلاء العلماء نفوذاً كبيراً: فالبنك الإسلامي المجرد من شهادات الامتثال للشريعة الإسلامية، لا يوجد أمامه أي مستقبل.
أما في الوقت الحاضر على أية حال، فإن نمو البنوك الإسلامية في الخليج العربي وخارجه يزيد من عبء توفير مثل أولئك العلماء المختصين – وهو أمر يسبب مشكلة إلى حد ما، حيث إن البنوك تجلب إلى السوق منتجات مالية معقدة بشكل متزايد.
قال يعقوبي، البالغ من العمر 46 عاماً: "عندما تأتي مؤسسة ما وتدعي أنها تتبع مفاهيم معينة، يجب عندها أن يكون للجمهور وسيلة ما لمعرفة ما إذا كان ذلك صحيحاً. نحن لا نتدخل في الأنشطة اليومية لهذه الشركات. إن اهتمامنا الوحيد هو الامتثال للشريعة الإسلامية".
إن نقص العلماء المختصين يتناقض بشكل حاد مع معدل البطالة المرتفع بشكل حاد في العديد من بلدان الخليج العربي، ويؤكد الفجوة المستمرة بين النظام التعليمي في المنطقة، واحتياجاتها المهنية.
ويطرح ذلك اختباراً متواضعاً حول ما إذا كانت بلدان الخليج، التي اعتمدت في العقود الزمنية الأخيرة على الخبرات المستوردة لإدارة اقتصادياتها، بإمكانها تدريب مواهب محلية كافية لدعم الصناعة التي تنمو محلياً على نطاق كبير.
وقال عمر مروان كمال، المدير التنفيذي لمجموعة الخدمات المالية الإسلامية لدى Ernst&Young في نيويورك: "إن عدد الأشخاص الذين يتخصصون في التمويل الإسلامي محدود جداً. وفي حين أن المصرفيين يقولون إن نقص الأشخاص المؤهلين ينتشر في جميع أرجاء قطاع الصناعة، إلا أنه يبدو أن هناك نقصاً بشكل خاص في مجالس الشريعة والعلماء الموجودين فيها.
ووفقا لتقديرات صناعة الصيرفة الإسلامية فإنه لا يوجد أكثر من عدة عشرات من العلماء ممن يملكون "المزيج" المناسب من المعرفة في القانون الإسلامي، والتمويل المعاصر، واللغة الإنجليزية الفنية، وهي لغة المصرفية العالمية، لكي يخدموا في لجان الشريعة للمؤسسات المتمركزة في أنحاء الخليج العربي وخارجه. وفي حين أن السيرة الذاتية لكل من أولئك العلماء المتخصصين تختلف على نطاق واسع، إلا أنهم يميلون إلى كونهم درسوا القانون الإسلامي في الشرق الأوسط، وتلقوا تدريبهم الاقتصادي في الخارج.
يخدم العديد منهم في عدد كبير من المجالس. فالسيد يعقوبي على سبيل المثال، يعمل في المجالس الإشرافية لوحدة المصرفية الإسلامية في بنك إتش إس بي سي HSBC ومؤشرات الأسواق الإسلامية لداو جونز Dow Jones Islamic Market Indexes، وبنك Noriba التابع لمجموعة يو بي إس UBS، وهو بنك استثماري ممتثل للشريعة الإسلامية، وعدد آخر من البنوك الأجنبية، وبنوك الشرق الأوسط. ويقدم المشورة للبنك المركزي في البحرين وهو متحدث دائم في مؤتمرات قطاع الصيرفة وينشر كتاباته بشكل فاعل.
ولا يخفي العلماء والمؤسسات التي يعملون فيها حقيقة وجود قوانين عديدة، أو يبدو أنهم يعانون مشكلة الولاءات المقسمة، أو التعارض المحتمل لدى تقديم الخدمات للمتنافسين.
في الواقع، يقول المصرفيون، هنالك ميزة في وجود عدد قليل من العلماء: إن ذلك من شأنه أن يقدم توحيداً للمعايير، إذ إن وجود الآلاف من العلماء الذين يصدرون فتاوى متناقضة سوف ينشر الفوضى في قطاع الصناعة. وفي الـ 30 سنة الماضية، أصدر العلماء نحو ستة آلاف فتوى تتعامل مع المسائل المالية.
غير أن المصرفيين يقرون أن النقص يمكن أن يخلق مشكلة ولا سيما للقطاع الذي يسعى للحصول على مشورة العلماء في مراحل مبكرة جداً من تطوير المنتجات المالية.
وقال يوسف طلال ديلورينزو، 56 عاماً، وهو عالم بارز في الشريعة الإسلامية مقره في الولايات المتحدة: لقد بدأ الأكاديميون والمصرفيون والمحامون, في السنوات الأخيرة, في تنسيق ما يمكن أن يوصف بإنشاء "ائتلاف"مصالح واهتمامات مشتركة على نطاق واسع – مما أتاح المجال أمام ظهور منتجات مبتكرة إبداعية تشمل صندوق تحوط يلتزم بمتطلبات الشريعة الإسلامية، وإيجارات مرتفعة في العقارات، والتمويل المهيكل لأسطول من سيارات التأجير.ونتج عن ذلك إنشاء جمعية المصرفيين العرب في شمال أمريكا الذي يعد أحد أعضائها. وقال: "إن مجلس الشريعة يدعم عدداً كبيراً جداً من المبتكرات المهمة المفترض لها أن تحدث".
مع غرق المنطقة في أموال النفط، وبقاء الأموال قريباً من موطنها في البلاد بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، فمن المتوقع أن يستمر ذلك النمو، طالما كان باستطاعة قطاع الصناعة اجتذاب نوعية العقول المالية المبدعة اللازمة لتطوير منتجات وخدمات تمتثل للقوانين الإسلامية.
وتحتاج الصناعة في منطقة الخليج العربي أيضاً إلى حل مشكلة القصور في محدودية الأدوات المالية المتاحة للبنوك لإدارة سيولتها الخاصة، وعدم وجود سوق للأموال بين البنوك، وسوق ثانوية للدين، وغياب المقرض الأخير للمؤسسات التي تعاني مشاكل.