مَن أنتم؟
تذكرت هذه العبارة الشهيرة التي حملتها الركبان والصحف والطائر الطنان عندما أطلقها قائد الفاتح من سبتمبر بعد أن رزح على قلوب الليبيين ردحاً غير قصير من الزمان، وصل به الحال درجة أن سأل شعبه "من أنتم؟" فأخبروه بأصعب الطرق وأفهموه بأكبر "الخوازيق" من يكونون، اللهم لا شماتة. تذكرت "من أنتم" هذه عندما قال أحدهم مخاطباً مجلس الشورى: أنتم لا تفقهون.
عبارة لم يقلها طبيب جراح في المخ والأعصاب أو إخصائي في تقنيات النانو أو رئيس مجلس إدارة شركة في مجال الطاقة النووية أو غيرها من العلوم التي تغيب عن كثير، وقد لا تغيب عن فهم وإدراك أعضاء مجلس الشورى الذين تخرجوا في أعرق الجامعات وعملوا في أكثر المجالات تقدماً. قائل تلك العبارة واحد من أصحاب السيادة تجار المقاولات.
عندما نتحدث عن قطاع المقاولات في المملكة، نحن نتحدث عن بدايات على شكل حقيبة دبلوماسية تحمل الأختام، وسندات التسلم والعقود التي يستعيرها كل تاجر من صاحبه. نتحدث عن معلم من إحدى الجنسيات الشقيقة تحديداً، يذهب ليفاوض المواطن على سعر المتر بالمواد أو من دون مواد.
نتحدث عن مؤسسة كوَّنها شخص لم يجد وظيفة أو تقاعد من عمله فاشترى بعض المعدات واستخرج "كم" تأشيرة، وفتح الله عليه. فماذا هناك يحتاج إلى الفهم في هذه العملية التي يكررها كل واحد ممن يأخذون المقسوم آخر الشهر.
أزعم بهذا أن عدد شركات المقاولات "المؤسسية" لا تتجاوز الألف في دولة تضم أكثر من 115 ألف سجل، والدليل أنه حتى الكبار لا يستطيعون أن ينفذوا أي شيء سوى بالتعاون والتعاضد والمشاركة الأجنبية، نحن بالمال والقدرة على "اختراق" البيروقراطية الحكومية والأجنبية بالتقنية والعلم والعمالة المدربة.
لن أعمم ولكن سأذكر رواية أخرى، توضح استغراب تجار القطاع من تطبيق القانون عليهم، وهي أن الشركات انزعجت للغاية عندما قررت وزارة العمل أن تلغي احتساب المرأة ضمن نسبة السعودة في القطاع. غضب التجار وأزبدوا وتحدثوا عن تخلف المعايير وعن قطع رزق المرأة والتفرقة العنصرية وحرمان بنات البلد اللائي يعملن في هذا القطاع الحيوي.
أسألكم سؤالا بسيطا: هل شاهد أحد منكم أي امرأة سعودية تعمل في مؤسسة مقاولات؟ بل كم من شخص دخل مكتباً لشركة مقاولات أصلاً؟