تليين الخطاب المتشنج
أستغرب عندما يخرج أحدنا من منزله ألا يحمل معه السيف والدرع وأدوات القتال. ذلك أننا ندخل معركة حقيقية عندما تبدأ سياراتنا في الحركة. سب وشتم وصراخ وتجاوز ودخول خاطئ ومحاولة تضييق، ووقوف في اليمين عند الإشارات و"تعريض" السيارة عند الإشارة.
ليست الشوارع هي الوحيدة في استجلاب هذه الروح العدائية، فالشيء من بيئته، والمرء من جلسائه. نحن في حالة غضب عارمة تنتشر في كل مكان. المقهى والمطعم والاستراحة والمكتب والدوائر الحكومية والملاعب الرياضية، كلها تشهد الروح العدائية نفسها التي يستمر استفحالها في حياتنا اليومية.
أدّت تلك الحالة الرافضة لحقوق الآخرين للإقصاء المقيت الذي أصبح جزءاً من أدبيات المجتمع السعودي. يبدأ الوضع بالتصنيف، ثم يتطور إلى ربطه بالأفكار والأساليب والسلوكيات، بعدها يأتي دور تصيُّد الأخطاء، فيتحوّل المجتمع إلى مجموعات متناحرة يرفض كل منها الآخر لأي سبب. فهذا ليبرالي وذاك علماني والثالث جامي والرابع مرجئ والخامس مرجف.
لعل انتشار هذه الإقصائية في الفئة "المثقفة"، ومحاولة كل واحد أن يكسب الرأي العام من خلال تصيُّد أخطاء المخالفين والإساءة إليهم، أصبح واضحاً معلوماً للجميع، بل إنني أجزم أن لدينا من التلاسن والتخطئ والتفسيق ما لا يوجد مثيله في أغلب دول العرب.
كشف الخلاف حول قضية الذهاب إلى سورية عن وجه قبيح لهذا التنافس المحموم الممجوج بين فئام همّهم الفوز بالرأي العام، وإثبات رأيهم سواء مات الشباب أم عاشوا. وليس أشد إيلاماً لمحدثكم ومثله كثيرون من أن أرى شيخاً معتبراً يحمل شهادة الدكتوراه يتسقط أخطاء مُداخل يختلف معه في الرأي.
ذهب بعض أدعياء العلم، والراسخون في "القنوات"، إلى ازدراء الآخرين والإساءة إليهم بفوقية وأسلوب لم يكن الله ليرضى عنه ولا رسوله. أسلوب لا يتفق مع أبجديات التعامل في ديننا الحنيف.
لعل أهم ما أوضح للناس الصواب، وألغى الكثير من أثر المفاهيم الخاطئة ما قاله إمام المسجد الحرام في خطبة الجمعة، عندما فنّد المسألة وأوضح الرأي الشرعي في الجهاد ومتطلباته، وربطه ببقية الأولويات الدينية التي أهملها كثيرون. فله مني ومن الناس الشكر أن أبان الحق وفنّد الخلاف.