دراسة حديثة: قدرة "أوبك" التسعيرية تظل محكومة بعوامل السوق

دراسة حديثة: قدرة "أوبك" التسعيرية تظل محكومة بعوامل السوق

دراسة حديثة: قدرة "أوبك" التسعيرية تظل محكومة بعوامل السوق

مع توجه منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" إلى زيادة حصتها في السوق بصفتها صاحبة أكبر مخزون ولها خطط لرفع طاقتها الإنتاجية إلى مستويات قياسية، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه: إلى أي مدى يمكنها المضي قدما في خططها هذه دون التفاتة إلى الجانب التسعيري؟ وإذا احتل جانب التسعير حيزا من اهتمامها، فهل سيؤدي هذا إلى تغيير في الخطط المتعلقة بزيادة الطاقة الإنتاجية؟ وهل إذا حدث هذا ستكون للمنظمة قوة تسعيرية أكبر؟
هذه الأسئلة وغيرها بدأت تفرض نفسها خاصة مع التحولات التي تشهدها السوق النفطية وتحولها تدريجيا لتصبح سوق بائعين بعد أن ظلت سوق مشترين لفترة طويلة من الزمان.
معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة أصدر دراسة للباحث بسام فتوح في مطلع هذا الشهر، تعرضت إلى هذه الجوانب، الأمر الذي أعاد التركيز على موضوع سعر البرميل وتسعيره، خاصة في ضوء التصريحات الأخيرة لعبد الله البدري الأمين العام الجديد لمنظمة "أوبك"، الذي أثار تساؤلات حول إمكانية استمرار برنامج المنظمة للتوسع في الطاقة الإنتاجية عقب نهاية العقد الأول من هذا القرن، أي بعد 2010 وذلك في حال تراجع معدل سعر البرميل من سلة "أوبك" إلى ما دون 50 دولارا.
ومعروف أن المنظمة لها خططا إجمالية تقضي بإنفاق 130 مليار دولار حتى نهاية 2010 في مجال العمليات الأمامية، إلى جانب 124 مليارا أخرى يخطط لإنفاقها في فترة السنوات الخمس التالية.
قدرة "أوبك" على التأثير في الجانب السعري تناولها الباحث فتوح في ورقته، مشيرا إلى أنه رغم أن المنظمة ومن باب مخزونها واحتياطيها النفطي المؤكد، وبسبب تمتعها بطاقة إنتاجية أكبر تملك مساحة للتحرك فيما يخص جانب التسعير، إلا أن قدرتها في الجانب تظل رهينة ومحدودة إلى حد ما، إذ إن هذا التأثير لا يتم دون قيود، خاصة عندما يوضع في الاعتبار المتغيرات التي دخلت على بنية التسعير في الصناعة النفطية، وبروز دور التعاقدات المستقبلية التي أصبحت عنصرا في تحديد سعر البرميل، ولو بسبب عدد اللاعبين والمؤثرين في السوق المتزايد.
وتشير الورقة إلى أن قدرة "أوبك" على التأثير ليست مطلقة وإنما تظل محكومة بعوامل محددة خاصة والصناعة النفطية، تظل في نهاية الأمر محكومة بمنطقها الخاص، خاصة مع الدورة الزمنية الكبيرة للتخطيط لأي مشروع نفطي وحتى دخوله مرحلة الإنتاج، الأمر الذي يمكن أن يدفع بعض المنتجين للتوصل إلى خلاصة أنه من الأفضل لهم تقليل حجم استثماراتهم والحصول على سعر أعلى، بدلا من الاندفاع في زيادة الطاقة الإنتاجية التي يمكن أن تصبح عبئا في حال عدم انسجام النمو في الطلب.
وتعود الورقة إلى التجربة التاريخية لتلاحظ أن الصناعة النفطية التي دلفت إلى منطقة الشرق الأوسط مطلع القرن العشرين، ظلت تحت هيمنة الشركات الأجنبية بقيادة الشقيقات السبع لأكثر من نصف قرن من الزمان. لكن عقد الخمسينيات ظهر وبرزت معه الشركات النفطية المستقلة من ناحية ودخول الاتحاد السوفياتي سابقا مصدرا للنفط إلى السوق، الأمر الذي بدأ يضعف قدرة التحكم في السوق والسعر من خلال الترابط الوثيق بين جانبي الصناعة في ميداني العمليات الأمامية والنهائية.
تنامي الطلب كان هو العامل الرئيسي الذي أثر في قدرة الشقيقات السبع وإدامة سيطرتها على السوق، وأدى هذا التطور من ناحية إلى بروز سيطرة الحكومات على الصناعة من خلال شركاتها الوطنية التي شكلت الذراع التسويقية فيما بعد وعبر عمليات التأميم والمشاركة التي انتهت بالتملك الكامل.
وأدت سيطرة الدول الأعضاء في "أوبك" على صناعتها النفطية ورفعها للأسعار من ناحية إلى بروز منتجين آخرين أكثر حساسية تجاه السوق، خاصة وهم يقدمون أكثر إلى المستهلكين فقد تمكن هؤلاء من زيادة حصتهم في السوق في فترة عقد من الزمان بين عامي 1975 و1985 من 48 إلى 71 في المائة، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى أن يصبح نظام التسعير الذي كانت تعتمده "أوبك" ويقوم على سعر خام غير متسق مع السوق، وهو ما فتح الباب أمام حرب الأسعار وانهيار ذلك النظام وفتح الباب أمام نظام آخر أكثر ارتباطا بتحولات السوق، وهو لا يزال سائدا بصور أو أخرى.
ومنذ مطلع العقد الماضي فإن الزيادة في الطلب تجاوزت قدرة المنتجين خارج المنظمة على مقابلتها. وفي الفترة بين عامي 1990 و2004 زاد الطلب على النفط بنحو 16 مليون برميل يوميا، نجح المنتجون خارج "أوبك" في توفير ستة ملايين منها، تاركين لـ "أوبك" مهمة توفير العشرة ملايين برميل الباقية، وهي المهمة التي لا تزال تقوم بها، لكنها تظل متأثرة بعوامل جيوسياسية ومناخية خاصة مع اضمحلال الطاقة الإنتاجية الفائضة، أي أن القدرة على التسعير تظل متأثرة بوضع السوق أكثر من الأدوات المتاح للمنظمة استخدامها.

الأكثر قراءة