بدايات الإعلام «الكويتي» .. نافذة على الذاكرة
"هنا الكويت" هي أول كلمة سُمعت عبر إذاعة الكويت, هذه العبارة التي أصبحت ملازمة لبداية كل البرامج. إذ كان الإعلام الكويتي في حينه قد تأثر بظهور الفضائيات والإذاعات الخاصة، إلا أن الريادة في المنطقة ما زالت تشكل علامة فارقة في مسيرة الإذاعة والتلفزيون الكويتي عبر العديد من الأعمال التي تركت بصمة مهمة في تاريخ الإعلام والفن العربي.
ما الذي جعل هذا البلد الصغير بموارده البسيطة آنذاك يتصدر إعلامه الصفوف الأولى وبلا منافس خليجي؟ وكيف وصلت أصداء التجربة الكويتية إلى الدول العربية كافة؟ بل تعدت حدود الوطن العربي ليصل إلى أمريكا الشمالية وكندا وأستراليا، وليصبح بعد سنين تاريخا ذهبيا يتفاخر به الكويتيون أمام العالم؟
#2#
#3#
#4#
#5#
عوامل عدة مجتمعة هي التي خلقت المناخ المناسب لهذه الريادة منذ البدايات، لعلي أبدأ هنا بالموقع الجغرافي للكويت، حيث تحده من الشمال بلاد الرافدين، بلد الحضارات والثقافة (العراق)، حيث استفادت الكويت من خبرة الشقيقة الكبرى في مجال الإعلام.
فاستعانت بالكثير من الإعلاميين الذين انضموا إلى إذاعة وتلفزيون الكويت منذ بداية نشأته في نهاية الخمسينيات، كذلك الاستعانة بخبراء عرب من إذاعة مونت كارلو، وأغلبيتهم يعود لأصول فلسطينية لوضع استراتيجية مدروسة لتنطلق منها إذاعة الكويت.
هذه العوامل جعلت من الإعلام الكويتي أرضاً خصبة لتستقطب بقية الإعلاميين المتميزين في الوطن العربي، بل أصبحت حلما وتحقق لهؤلاء، ولا ننسى دور المسؤولين آنذاك الذين لم يعيروا أي اهتمام لأسمائهم الوظيفية ولا لبشوتهم، بل كان تحصيلهم الحاصل أن يكون الإعلام الكويتي الرائد في المنطقة.
ولعلي هنا أستذكر الدور البارز لوزير الإعلام السابق الراحل الشيخ جابر العلي الجابر الصباح، المسمى "أبو الإعلاميين"، حيث رسخ كل وقته لتطوير القطاع التلفزيوني والإذاعي والفني، وهو من أوائل مشجعي المرأة الكويتية لخوض مجال الإعلام، فالكويتيون يتذكرون جيدا حين فوجئوا بظهور ابنة الشيخ جابر العلي في التلفزيون كمذيعة، وذلك بتوجيه من والدها لتكون قدوة لبقية النساء اللاتي يرغبن في خوض هذا المجال ولكسر حاجز الخوف لديهن.
في عام 1976، وإدراكاً للدور الذي يقوم به الإعلام في خلق مجتمع فكري ثقافي تم الاتفاق على تأسيس منظومة خليجية لتحافظ على الروابط الحضارية والثقافية والتاريخية لدول الخليج العربي، وبالأساس هي فكرة لمجموعة من إعلاميين ومسوؤلين كويتيين, لاقت وقتها استحسانا من بقية دول الخليج الشقيقة.
وأصبح وما زال مقرها الكويت، ومن أهم برامج هذه المؤسسة برنامج الأطفال الأكثر شهرة "افتح يا سمسم" وغيره من البرامج المميزة، لعل هذا هو مثال واضح لإيمان الكويت بتصدير خبراتها الإعلامية للمنطقة؛ لتجعل منه إعلاما موحدا يخدم مجتمعاتها لترتقي به نحو مستقبل إعلامي أفضل.
50 عاما، بل أكثر، ليست بالفترة القليلة في حياة الشعوب، وعلى امتداد هذه الفترة عاش الإعلام الكويتي في قطاعي الإذاعة والتلفزيون قفزات هائلة، وشهد في المقابل كبوات قاسية, كان للاحتلال العراقي أثر بالغ فيها، لكن في المجمل الإعلام الكويتي إعلام مؤسس في المنطقة وإعلام رائد، فأن يحسب للإعلام الكويتي الريادة أمر مهم, ولا يمكن إغفاله؛ لأنه يضفي عليه التميز بصرف النظر عن المتغيرات التي شهدها على مدى تلك الأعوام .. فحتماً يظل "هنا الكويت".
* مخرجة كويتية سينمائية