أسواق التجزئة في المصرفية الإسلامية لن تهتزاز بشكل حاد مع دخول البنوك الأجنبية في دول الخليج

أسواق التجزئة في المصرفية الإسلامية لن تهتزاز بشكل حاد مع دخول البنوك الأجنبية في دول الخليج

نشأت المصرفية الإسلامية في مصر في أوائل الستينيات، مع التجربة الشهيرة لمؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة الممتثلة للشريعة الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، تطورت المصرفية الإسلامية وامتدت إلى العديد من البلدان الأخرى. وشهدت منطقة الخليج، مع تدفقات الثروة النفطية، النمو الأسرع لهذا النوع من المصرفية.
تواجه الأنظمة المصرفية الخليجية، التي يتم تحديثها على نحو سريع، ولكنها تنفتح ببطء أمام المنافسة، بعض القرارات الاستراتيجية. وحيث إن هذه الأنظمة هي الأصول الرئيسة للاقتصادات المحلية، يبقى جانب كبير منها محمياً ومركزاً نوعاً ما. وجرت العادة في الأسواق التي تكون فيها أعداد المصارف التقليدية محدودة أن يؤثر تصرف أي منها في السعر أو المنافسين الآخرين إلا أن ذلك لم يحدث مع المصارف الإسلامية التي تملك فيه حوافز محدودة جداً للمنافسة فقط فيما يتعلق بالسعر، ولم تفعل ذلك حتى الآن، مما شكل هوامش محمية، وأبقى الربحية عند مستويات عالية.

معضلة الفصل
نتيجة لذلك، أصبحت القضايا الاستراتيجية الرئيسة تتعلق بالمنافسة بعيداً عن السعر. إن استراتيجيات الفصل في دول مجلس التعاون الخليجي تشتمل بشكل رئيس على المحافظة على، أو الحصول على حصة سوق كبيرة. فبامتلاك بنك قطر الوطني وبنك مسقط ما نسبته 40 إلى 50 في المائة من أسواقهم المحلية، فإن كلا منهما ليس لديه أي سبب يذكر لزيادة حصتهما في تلك الأسواق، لأن التكلفة الهامشية للقيام بذلك تعد مرتفعة. ومن جانب آخر، لا يملك اللاعبون الأصغر حجماً، الكثير منهم مملوكون من القطاع الخاص (وأحياناً مملوكون عائلياً)، خياراً سوى معالجة معضلة الفصل. واختار العديد منهم التخصص في استراتيجيات ملائمة، مثل بعض البنوك الاستثمارية المتمركزة في البحرين التي ترى أن احتمالات نموها محدودة جداً، وعدد آخر منها قرر التوجه نحو الخيار الإسلامي. وبالنسبة لهؤلاء اللاعبين الأصغر حجماً، فإن بديل الفصل في الأجل الأطول يبدو واضحاً: فإما التركيز على قطاع أو سوق ملائم، أو تصبح هامشية. إن البنوك الإسلامية في وضع جيد تحديداً لتزويد الزبائن بقروض استهلاكية، أو قرض سيارة، أو إسكان بواسطة أنظمة "المضاربة" وعقود "الإيجارة". وفي الحقيقة، يعزى نجاح المصرفية الإسلامية إلى حد كبير، إلى قطاع التجزئة المزدهر. فليست مصادفة إذا أن كلتا الظاهرتين، طفرة التجزئة المصرفية، وتوسع المصرفية الإسلامية، شهدتا نمواً سريعاً منذ أوائل التسعينيات، حيث إنهما سارتا جنباً إلى جنب.

حيز قابل للنمو للخيار الإسلامي
ويرجح سبب عدم ازدحام قطاع المصارف الإسلامية بالمنافسين في الخليج إلى أن معظم البنوك التقليدية لم ترغب في استثمار حجم كبير من الموارد في المصرفية الإسلامية بسبب تاريخها القصير، والشكوك التي كانت تحيط ببيئتها القانونية والتنظيمية، والعوائد المرتفعة في الأسواق التقليدية. على أية حال، فإن هذه الصورة تتغير سريعاً.
بالنسبة للبنوك التقليدية الكبيرة الحجم، فإن تأسيس فرع إسلامي من لا شيء، أو من خلال استحواذ ما، هو أحد الخيارات الرئيسة الثلاثة للحصول على جزء من السوق الإسلامية. (لا ينظر إلى التحول الكامل إلى التمويل الإسلامي الاستثماري كخيار بالنسبة للبنوك الكبيرة، إنما فقط للمنافسين من الطبقة الثانية، للأسباب المذكورة أعلاه). والخياران الآخران هما التمسك بنموذج "النافذة الإسلامية" القائم حالياً، أو أداء بعض خطوط العمل الممتثلة للشريعة الإسلامية، على الأخص قطاع التجزئة.
تظهر هذه القضية أن إطلاق الصناديق الإسلامية يمكن أن يكون وسيلة فاعلة جداً للمنافسة مع البنوك الأجنبية والمحلية التقليدية. لقد اتخذت هذه الصناديق بشكل رئيس لغاية الآن شكل صناديق الأسهم وصناديق العقارات الممتثلة للشريعة الإسلامية. (تبرز في الخليج حالياً صناديق تحوط إسلامية، ولكنها ما زالت غير متطورة). إن الصناديق الإسلامية وسيلة مهمة للبنوك الإسلامية لاستغلال مزايا عدة: التقاط جزء من السيولة المتزايدة والمتاحة في المنطقة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ، واستغلال الوعي الديني المتزايد للزبائن الإقليميين.

العلامات التجارية الإسلامية كعائق أمام المنافسة
يضع تعزيز قدرات أنشطة الصرافة الإسلامية في الخليج بعض الحواجز الإضافية أمام الدخول بدلاً من أن تفتح الأسواق، والتنافس وجهاً لوجه مع اللاعبين الأجانب. إن بلدان مجلس التعاون الخليجي هي أعضاء في منظمة التجارة العالمية، وسيطلب منها بعد فترات معينة، أن تفتح أسواقها المالية. ومع دخول المصارف الأجنبية السعودية وبلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإن ستاندرد آند بورز لا تتوقع أن تهتز المواضع المركزية لأسواق التجزئة بالصرافة الإسلامية بشكل حاد.
وأحد أسباب ذلك هو أن حصص و تقسيمات سوق التجزئة تبقى صعبة المنال نسبياً، وهذا في صالح الداخلين الأولين, مما يؤدي إلى إيجاد حاجز تنافسي لحماية الأسواق المحلية من المنافسة. والسبب الثاني هو أن المصرفية الإسلامية تعمل كعائق إضافي. وهذه العوائق التنافسية تستفيد من إطار مؤسسي وقانوني – مما يضيف طبقة أخرى من الحماية التي توفرها السلطات الإقليمية.
بناء على ذلك، ولأن اللاعبين الأجانب لديهم خبرة أكبر في جميع خطوط العمل على الأغلب، فيما عدا قطاع التجزئة المربح، فإن هذه الأسواق ستكون حصينة جداً أمام التهديدات الأجنبية شريطة أن تكون قاعدة المصارف الخليجية إسلامية.
ويمكن أن تكون المصرفية الإسلامية أيضاً وسيلة لزيادة تنوع العمل والتنوع الجغرافي.
إن مثل ذلك التوسع الإقليمي، رغم مخاطره للوهلة الأولى، يمكن أن يفتح أبواب آسيا المسلمة أمام البنوك الخليجية، التي لديها الخبرة الفنية والتاريخ الطويل من الابتكار في هيكلة المنتجات المصرفية الإسلامية. ومن خلال هذا المنظور، يمكن استعمال المصرفية الإسلامية كعلامة تجارية، أو حتى علامة تجارية للحصول على منفذ إلى مناطق أو أسواق جديدة، بشرط أن يكون الحجم، والدراية الفنية كافيين.

الأكثر قراءة