إنما الأمم الأخلاق يا «سعودية»
قرأ أغلبية متابعي مواقع التواصل الاجتماعي الخطاب الذي بعثه مدير عام "الخطوط السعودية" إلى نائبه. يتحدث الخطاب عن قيام موظفي الخدمات الأرضية بحجب سعات مقعدية على رحلات "الخطوط السعودية"، وضرب مثالاً بحالتين على رحلتين إحداهما داخلية والأخرى خارجية. خسرت "الخطوط" في الرحلة الداخلية من جدة إلى الرياض نحو 50 ألف ريال، ولم يحدد الخطاب عدد المقاعد التي حجبت على الرحلة الدولية.
ذكر الخطاب أن هذه حالة متفشية في المطارات الداخلية والدولية. وهو أمر يدل على مجموعة من المشاكل أهمها انعدام الولاء للمؤسسة، وعدم وعي الموظفين بأهمية الخدمة التي تقدمها، إضافة إلى عدم الإحساس وتقدير ما يعانيه الناس بسبب حرمانهم من السفر. هذه مشكلة إدارية يجب أن تتعامل معها "الخطوط" باحترافية، لكنها في الوقت نفسه في حاجة إلى إعادة هيكلة المشاكل البشرية، ويمكن ذلك بـ "أتمتتها". فلو فرضنا أن هناك 400 رحلة كل يوم (إحصائية 2011) من مطارات المملكة والخارج لهذه المؤسسة، فهذا يعني أن الخسارة اليومية بسبب حجب السعة المقعدية فقط سيكون 20 مليون ريال يومياً أي أكثر من سبعة مليارات ريال في السنة من مشكلة واحدة، ومشاكل "الخطوط" ليست محصورة في هذه.
تفشي الحالة حقيقي، ولاحظت بعضاً منه عندما سافرت مع الشركة المنافسة إلى الطائف لأجد أغلبية من كانوا مسافرين على رحلة "الخطوط السعودية" التي وصلت بعدنا يتجهون لمكاتب تأجير السيارات، وكان الجميع يريدون أن يعيدوا السيارات التي يستأجرونها في جدة، وعندما سألت أحدهم قال لي إنه لم يتمكن من السفر إلى جدة بسبب عدم توافر حجوزات. تكلف هؤلاء مبالغ إضافية تصل إلى 300 ريال ووقتا لا يقدر بثمن.
استغربت قرار المدير تشكيل لجنة بدلاً من اتخاذ قرار بإلغاء علاقة العنصر البشري بعملية الحجز وتحويلها إلى آلية 100 في المائة. لكن هذا يؤكد أن الربحية ليست المحرك الوحيد لقيادة "السعودية"، إنما المحافظة على صورة المؤسسة والبقاء على الكراسي التي تشكو من طول بقائهم عليها. لا أزال أؤمن بأن "السعودية" وصلت مرحلة لا يمكن شفاؤها منها، حتى من خلال التخصيص لأن هناك بونا شاسعا بين المطلوب والواقع، والبيئة يسيطر عليها الإهمال الإداري الذي لا يركز على الأولويات، والأولوية الأولى هنا هي المسافر.
أذكر أنني أعجبت بمثل يتبناه موظفو مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الطائف ويطبقونه، وهو "الابتسامة لا تكلف شيئاً". أهدي هذا المثل لكل موظفي "الخطوط السعودية"، ولإدارتهم قبلهم. تبسمك في وجه أخيك صدقة. والابتسامة تجعل العمل متعة. الابتسامة تحرك 17 عضلة في الوجه. ابتسموا يا موظفي "الخطوط السعودية" للمسافرين، فهم بين مريض يبحث عن علاج، ومراجع يريد إنجاز عمل، وواصل رحم يبحث عن الأجر، وطالب يريد أهله، ولم يخرج أغلبيتهم إلا للحاجة، فلا تزيدوا وعثاء السفر بعبوسكم، فلو كنتم مكانهم لأسعدكم كل ما يسهل عليكم وعثاء السفر.
أذكر في هذا المجال أن تقدير ظروف الآخرين هو إحدى العادات السبع التي وجدها ستيفين كوفي في أنجح الناس. الناجحون يحاولون أن يضعوا أنفسهم مكان الآخرين، ولا يطالبون الآخرين بأن يتفهموا وضعهم. هم الذين يوجدون حالات الكسب المتبادل، فأنت تؤدي عملك أمام الله بإخلاص، وتيسر أمور عباد الله وما يدريك لعل دعوة من أحدهم تصلك.
الدعوة بثتها لي قريبتي التي حلف موظف "الخطوط السعودية" أن حقيبة ملابسها لن ترافقها "لو على قطع رقبته". كان هذا في مطار الملك عبد العزيز. فبعد أن انتظرت ساعات لتحصل على مقعد، تسلمت بطاقة صعود الطائرة. طلبت من الموظف أن يضع حقيبتها مع العفش. رفض سعادته، وركل الحقيبة ورغم كل ترجيها واستعطافها له لم يلن قلبه. أسعفها الحظ بأختها التي أخذت الحقيبة لتشحنها على رحلة أخرى.
كان بإمكان الموظف أن يكسب الأجر والدعاء ويتسلم الحقيبة، فإن تأخر شحنها على الرحلة نفسها بعثها على رحلة أخرى، لكنه حلف ألا تصعد تلك الحقيبة، وبرّ بيمينه الذي أظنه لا يرضي الله ولا يرضي خلقه. تحسبت المرأة وحوقلت ووكلت أمرها إلى الله، وأرجو ألا يطول الموظف دعوة مسافر لا ترد.
المطلوب الآن أن تعمل "السعودية" على إعادة التوازن في شكلها الخارجي، ولعل تبني الابتسامة يخفف بعضاً من التوتر. يجب النظر إلى وظيفة المؤسسة من ناحية إنسانية، وأن يعاقب الموظفون الذين يسيئون لسمعة المملكة في الخارج ويسيئون لسمعة المؤسسة في الداخل بسلوكهم الذي لا يراعي المسافرين ولا يضعهم حيث ينبغي أن يكونوا، لأن شعاراً مثل: "نعتز بخدمتكم" يجب أن يطبق، أو تبحث المؤسسة عن غيره.