أهمية تقنين الأحكام القضائية وتدوين اجتهادات الفقهاء

أهمية تقنين الأحكام القضائية وتدوين اجتهادات الفقهاء

تُعد السوابق القضائية واجتهاد الفقهاء حالياً بالنسبة لأغلب النظم القانونية الحديثة بمثابة مصدرين تفسيريين يتضافران من أجل مساعدة القاضي على تفسير القاعدة النظامية وتوضيح أحكامها عند تطبيقها على المسألة المعروضة أمامه، على نحوٍ يجعل الأنظمة تتماشى مع التطورات الجديدة في الحياة الاجتماعية.
ويطلق مصطلح السوابق القضائية على مجموع القرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم في المنازعات التي عرضت عليها، وهي تمثل الجانب العملي للقانون، حيث يطبق القاضي القواعد النظامية على ما يرفع إليه من قضايا، فيجعل من القانون مادة حية تنمو وتتطور وتصطبغ بطابع العصر الذي وجدت فيه. ويطلق مصطلح اجتهاد الفقهاء على مجموعة آراء فقهاء الشرع والنظام، سواء وردت هذه الآراء في الكتب أو الأبحاث أو المحاضرات أو الندوات، فالفقهاء يتولون شرح القواعد النظامية والشرعية ويفسرون الغامض من أحكامها ويشيرون إلى أوجه النقص والقصور فيها وسبل تلافيها، كما أنهم يراعون في بحثهم وتنقيبهم ألوان النشاط المستحدثة في الحياة الاجتماعية فيأخذون بأسباب تطورها.
ويمكن القول إن العلاقة جد وثيقة بين القضاء والفقه، إذ يسترشد القاضي برأي الفقيه ويستنير به، والفقيه يستفيد من تجارب القاضي المتراكمة فيتجه باجتهاده الوجهة التي تتفق ومعطيات الحياة العملية، ولهذا فإن خير تفسير لأحكام الشرع والنظام هو ما توافرت له تجربة القاضي ونظرة الفقيه.
إن أهمية أحكام القضاء تتزايد كلما تعلقت القرارات الصادرة عن المحاكم بنصوص نظامية تحتاج إلى تفسير واجتهاد شخصي من القاضي نفسه، خاصةً التي لا تكون واضحة الدلالة ويوجد صعوبة فيما يتعلق بتفسيرها وفهمها وتطبيقها على الوقائع. ومن هنا يصبح القاضي في حاجة إلى من يستأنس برأيه لتفسير هذه النصوص وفهمها قبل تطبيقها على النزاع المعروض عليه، وفي هذه الحالة تزداد أهمية تقنين أحكام القضاء في المملكة لتكون مصدراً للقضاة يتم الرجوع إليه عند إصدار أحكامهم.
ويساعد تقنين أحكام القضاء على إكمال النقص الوارد في القواعد النظامية، ويؤدي إلى الثبات في طريق تطبيق المحاكم للنظام، كما أنه يضمن الاستمرارية في تطبيق النظام من قضية لأخرى، وبالتالي يحد من تباين الأحكام، إلى جانب أنه يوفر الوقت والجهد والنفقات عند استقرار هذه الأحكام، كما أنه يساعد المحامين على تقديم الرأي القانوني لعملائهم في أي قضية يفكرون في رفعها، وبهذا يمكن تجنب إجراءات التقاضي مسبقاً.
ولكن تقنين أحكام القضاء لا يكفي لوحده دون الرجوع إلى آراء ونظريات الفقهاء وتدوينها، ذلك أن الفقه الإسلامي والقانون الوضعي لم يتقدما إلا بفضل أجيال من الفقهاء أسهموا فيهما في جميع عصور التاريخ ومنذ أن عرفت البشرية الحضارة. إن الفقه يلعب من الناحية الواقعية دوراً كبيراً باعتباره مصدراً تفسيرياً للحكم وهو أكثر أنواع التفسير تحرراً لأنه الأكثر عطاءً، وهو ينشأ على مهل، ثم أنه لا يعرض لمسألة جزئية بل يقدم أفكارا, وتتميز النتائج التي يتوصل إليها بالعمومية والمنطق وقوة التحليل والتركيب. وهو من أكثر العوامل أهمية في تطوير أحكام الشريعة والنظام، خاصةً أن معظم الاجتهادات الفقهيه تكتسب أهمية خاصة، نظراً للمستوى التخصصي العالي الذي يتمتع به الفقهاء أنفسهم، حيث إنهم ينقسمون على تخصصات الشرع والنظام المختلفة وكلٌ منهم يجتهد ويبدع ضمن مجاله الذي تخصص فيه، ولذلك فإن تدوين آراء الفقهاء يؤدي الكثير من الفوائد نذكر من أهمها ما يلي:-
* تفسير النظام وتوضيح الغامض منه والتعرض لأوجه النقص الذي ينتاب التشريعات.
* يقدم اجتهاد الفقهاء وشروحاتهم لواضعي الأنظمة مادة قيمة يستعينون بها عند صياغة أو تعديل نظام ما.
* تجميع أحكام المحاكم والتقريب بينها وتتبع تطورها بهدف الوصول إلى الاتجاهات العامة للقضاء.
* مساعدة القضاة على إيجاد حل للمنازعات المعروضة عليهم، فالقاضي كثيراً ما يستعين باجتهاد الفقهاء عند تفسير وتوضيح نصوص النظام، وكثيراً ما يكون القاضي وحده عاجزاً عن القيام بمثل هذا الأمر دون الرجوع إلى آراء الفقه.
* تهيئة وتكوين محاميي المستقبل، فالواقع العملي يشهد أن المحامي يستند إلى اجتهاد الفقهاء في توضيحه لنصوص النظام وفي مذكراته المقدمة للمحاكم.
ونظراً لما تقدم وللأهمية الخاصة لأحكام القضاء واجتهاد الفقهاء، فإنه بات من الضروري بمكان تقنين أحكام القضاء وتدوين اجتهاد الفقهاء في أسرع وقت ممكن، خاصة أن هناك توجهاً من الدولة لتشكيل لجنة شرعية من خيرة القضاة والعلماء تكون مهمتها تدوين الفقه وتقنين الأحكام على قول واحد للحد من اختلاف أحكام القضاة تجاه الواقعة أو القضية الواحدة.

محامٍ ومستشار قانوني
[email protected]

الأكثر قراءة