رخاء الناس يؤدي إلى ازدهار البنوك أيضا

رخاء الناس يؤدي إلى ازدهار البنوك أيضا

رخاء الناس يؤدي إلى ازدهار البنوك أيضا

هذه القاعدة تنطبق على كل حالة انتعاش في الدورة الاقتصادية، فعندما يكون الجميع بخير تكون البنوك في أحسن حالاتها. ولا تشذ حالة الانتعاش التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا عن هذه القاعدة. ويظهر استطلاع للرأي أجرته شركة ميرسر أوليفر وايمان أخيرا إن عوائد بيوت النقد ارتفعت في المتوسط خلال العام الماضي بنسبة 18 في المائة مقابل ما يزيد قليلا على 13 في المائة عام 2005 وهو ما يدل على تزايد الزخم. أما الزيادة في رسملة السوق بالنسبة للمؤسسات المالية المدرجة في البورصة فبلغت 26 في المائة، وهو ما يمثل ضعف المتوسط لعدد من السنوات السابقة. كما أن أحد أكبر البنوك السويسرية كريديت سويس تعاظمت احتياطاته بفضل الجهود التي بذلها وبفضل الانتعاش العام الذي يشهده القطاع المصرفي. وبالنسبة لأوسفالد جرويبل رئيس بنك كريديت سويس فإنه يعيش حالة من السعادة بعد أن أضحت أزمة البنك التي بلغت ذروتها عام 2002عندما مني البنك بخسارة صافية بلغت حينذاك 4.5 مليار فرنك والتي أوصلت غرويبل مطلع عام 2003 إلى قمة الإدارة وأضحت صفحة طواها الماضي بينما يتوقع البنك اليوم أن يحقق أرباحا في العام الجاري تصل إلى 8.2 مليار فرنك .
وفي العام الماضي استفاد ثاني أكبر البنوك السويسرية أيضا من الأثر الخاص الذي تركته استعادة قطاع التأمين عافيته. ومن الجدير بالذكر أن البنك باع إلى مجموعة آكسا الفرنسية شركة فينترتور للتأمين مقابل 12.3 مليار فرنك أو ما يساوي 7.7 مليار يورو. وقد كان هذا الانفصال بين الكيانين بمثابة تقوية للعمود الفقري المالي للبنك الأم، كما أنه يشكل دليلا على جدية جروبل في التركيز على العمل المصرفي وحده تحت شعار بنك واحد الذي روج له باستمرار. وبالتالي فليست ثمة أية نوايا لاستخدام ما يتوافر من أموال في عمليات استحواذ رئيسية. ويتحرك جروبل وفقا لهذه التقديرات على الخط نفسه الذي يسير عليه منافسوه من أمثال بيتر فوفلي من بنك الاتحاد السويسري، وأخيراً أيضا يوسف أكرمان من دويتشه بنك (البنك الألماني) وآخرون. وهذا ينسجم مع الانطباع بأن الموجة المقبلة من عمليات الاندماجات المصرفية في أوروبا أيضا ستكون أكثر سلاسة مما هو متوقع.
إن العزوف عن عمليات استحواذ كبيرة لا يعزى فقط إلى رشد في التفكير بوجود مجازفة في تلاشي القيمة وصعوبة تحقيق الاندماج مع المؤسسات المستحوذ عليها، وهو ما أثبته بنك كريديت سويس نفسه بما لا يدع مجالا للشك عندما قام، قبل فترة ليست طويلة، بعملية استحواذ مهمة على هيئة بنكه الاستثماري، وهو بنك فرست بوسطن الذي أرغم على الارتباط الوثيق ببنك كريديت سويس، الأمر الذي كان جروبل يعلق عليه آمالا عظيمة. إن اندماج بنك كريديت سويس ببنك فرست بوسطن قد يبدو ناجحا للوهلة الأولى ولكن حبذا لو توافر المزيد من المعلومات حول الخسائر التي تكبدها البنك نتيجة لذلك. إن أية عملية استحواذ كبيرة لن تكون سهلة بالنسبة لبنك كريديت سويس لأنها لا بد أن تسوى نقدا. ولعل العائق في ذلك هو كما يلي: يذهب البنك إلى البورصة، وحتى في حالة ارتفاع أسعار الأسهم، كما حدث في السنة الماضية، بنسبة 27 في المائة، فستظل نسبة الربح إلى السعر أقل بكثير مما يحققه المنافسون. وفي ظل مثل هذه الظروف يستحيل القيام بخطوات كبيرة باستخدام الأسهم كعملية في عمليات الاستحواذ. ومن الناحية الثانية فإن رئيس بنك كريديت سويس يؤمن ، كما يبدو ، بمفهوم البنك المتكامل القوي ، وانطلاقا من ذلك فهو لا يشجع المتحمسين لعمليات الاستحواذ الذين يؤمنون بأن الأجزاء المنفردة أكثر قيمة من الكيان الكلي المتكامل.
لقد خصص جروبل 3.5 مليار فرنك للمشتريات في الفترة المقبلة . وهذا المبلغ لا يعتبر مبالغا فيه بشكل خاص إذا أخذنا بعين الاعتبار ماذا يمكن أن يعمل بهذه الأموال. إذ إن الخطة لا تقتضي فقط زيادة التركيز على فئة العملاء الأفراد وإنما أيضا العناية بإدارة ثروات العملاء من المؤسسات المختلفة. وإقليميا لا ينوي بنك كريديت سويس أن يقصر نشاطه على الولايات المتحدة وإنما هو يتطلع للعمل في آسيا وفي الشرق الأوسط أيضا. ومن المفروض أن يتم استثمار أربعة مليارات فرنك للنمو الذاتي. كم يخطط البنك لتوظيف أربعة آلاف شخص إضافي، وفي الوقت نفسه تقليص التكاليف بـ 2.5 مليار فرنك في السنة. ويعتقد جروبل أن ذلك سيكون بمثابة العلاج الأعجوبة لأي نمو كبير في العمليات مع انخفاض في التكاليف.
هل سيحدث هذا وبالتالي هل سيتم القضاء على جميع مواطن الضعف في البنك؟ إن ارتفاع نسبة التكاليف إلى 71 في المائة أمر لا بد من معالجته. إن البنك الاستثماري بحاجة إلى رأسمال إضافي لكي يتمكن من المشاركة في الصفقات الكبرى، كما أنه لا بد له من سد بعض الفجوات في مجال الاستشارات. أما الهدف المعلن رسميا باستقطاب رؤوس أموال خاصة جديدة بنسبة 6 في المائة سنويا فهو لا يزيد على نسبة نمو السوق المتوقعة. وهنا يتوقف الأمر أيضا على النتيجة التي يمكن أن تتمخض عنها أنشطة بنك كلاريدن لوي لتوحيد البنوك الخمسة الخاصة السويسرية وإدارة ودائع عملائها البالغة 124 مليار فرنك.
وعلى الرغم من بعض الوهن الذي ظهر أخيراً فإن بنك الاتحاد السويسري، المنافس الكبير، مازال متفوقا على بنك كريديت سويس بمسافة كبيرة، وهو الأمر الذي ستؤكده الأسبوع المقبل البيانات السنوية للبنكين. ولكن الحالة الراهنة لبنك كريديت سويس تجعل جروبل، الذي سيبلغ سن الرابعة والستين هذا العام، يودع البنك، وهو ما يفرضه تقدم العمر، وهو مرتاح الضمير. وثمة احتمال كبير في أن يجيء خليفته من داخل البنك نفسه. أما أن هذا ربما سيستغرق بعض الوقت فإنه لا ينبغي أن يحول دون تقليب الأمر على مختلف الوجوه. كما أن حالة الاسترخاء التي ينعم بها البنك لا تدفع مجلس الإدارة إلى الاستعجال في اختيار خليفة جروبل.

الأكثر قراءة