حالة الاقتصاد العربي .. الوحدة الاقتصادية العربية أنموذجاً
تكمل اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في الأشهر القليلة المقبلة 50 عاما منذ توقيعها بين مجموعة من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. هدفت الاتفاقية إلى تنظيم العلاقات التجارية بين الدول العربية.
يعد قيام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية أول مخرجات هذه الاتفاقية ليتولى المجلس بموجبها مهام إنشاء وحدة اقتصادية كاملة بين تسع دول عربية، هي: الأردن، السودان، الصومال، العراق، فلسطين، ليبيا، مصر، موريتانيا، واليمن.
وعلى الرغم من الجهود المتتالية منذ توقيع الاتفاقية وقيام المجلس نحو توحيد مجموعة من الاقتصادات العربية، نموذجا لتوحيد جميع الاقتصادات العربية، إلا أننا نخلص من قراءة هذه الجهود على أرض الواقع إلى تواضع الجانب الاستراتيجي لنموذج مشروع الوحدة الاقتصادية العربية.
يعود تاريخ الاتفاقيات الاقتصادية العربية إلى 1950 عندما وقعت الدول العربية اتفاقية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي. عملت هذه الاتفاقية كخط دفاع أول عن مصالح الدول العربية الموقعة على الاتفاقية ضد قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.
ونظراً للجانب الاقتصادي في تعزيز الجانب الدفاعي، فقد تضمنت الاتفاقية جزءا اقتصادياً تم بموجبه إنشاء المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية. أسند إلى هذا المجلس مهام التنسيق للنهوض بالاقتصادات العربية وتطوير التعاون الاقتصادي فيما بينها.
حظيت الخمسينيات الميلادية من الألفية الماضية بتوقيع اتفاقيتين تحت مظلة الاقتصادات العربية. عنيت الاتفاقية الأولى بتسهيل التبادل التجاري وتنظيم الترانزيت. وعنيت الاتفاقية الثانية بإقامة وحدة اقتصادية كاملة بين الاقتصادات العربية.
مرت الاتفاقيات الاقتصادية العربية في الستينيات الميلادية من الألفية الماضية بحالة من التواضع الكمي والتطور النوعي عندما وقعت في 1964 اتفاقية السوق العربية المشتركة، كاتفاقية وحيدة في ذلك العقد.
شهدت الاتفاقيات الاقتصادية العربية تطورات في الجانب الاستثماري خلال السبعينيات الميلادية من الألفية الماضية عندما وقعت ثلاث اتفاقيات استثمارية. الاتفاقية الأولى اتفاقية استثمار الرساميل العربية وانتقالها بين البلدان العربية في 1970, والاتفاقية الثانية اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى في 1974, والاتفاقية الثالثة مذكرة تفاهم صادرة عن المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية، التي تضمنت اتفاقا مبدئيا لإنشاء السوق المالية العربية.
استهلت الاقتصادات العربية عقد الثمانينيات الميلادية من الألفية الماضية بتوقيع ميثاق العمل الاقتصادي القومي، واستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك. أسهم هذه الميثاق في إعادة رسم منهجية مشروع الوحدة الاقتصادية العربية من خلال التوقف عند ثلاث محطات.
المحطة الأولى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية في 1983, والمحطة الثانية استراتيجية تطوير الأسواق المالية العربية وتكاملها في 1987, والمحطة الثالثة تأسيس برنامج الصادرات العربية من قبل صندوق النقد العربي في 1989.
شهدت الاتفاقيات الاقتصادية العربية تطورات في الجانب التجاري خلال التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية عندما أعلن عن تأسيس مجموعة من المناطق التجارية الحرة. فأعلن المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية في 1997 إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بحلول عام 2008.
لحق هذا الإعلان إعلانان تضمنا إقامة منطقتين للتجارة الحرة في كل من منطقة الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط. الإعلان أول في 1999م تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي والإعلان الثاني في 2001 بين مصر، الأردن، تونس، والمغرب.
هناك ثلاث ملاحظات مهمة نستخلصها من قراءة تاريخ الاتفاقيات الاقتصادية العربية، ومقارنتها بالإنجازات الحالية من واقع تقرير البنك الدولي "عقد الصفقات لعام 2006"، حول بيئة الأعمال العربية.
الملاحظة الأولى تركيز معظم هذه الاتفاقيات الاقتصادية على الجانب التجاري لدعم مشروع الوحدة الاقتصادية العربية بتوجيه قرابة 50 في المائة من هذه الاتفاقيات لدعم التبادل التجاري بين الدول العربية. وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب، إلا أن إنجازات تنظيم التبادل التجاري لم ترتق إلى مستوى التطلعات، عطفا على ظهور تكتلات تجارية جزئية بديلة في منطقتي الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.
والملاحظة الثانية تركيز الاتفاقيات الاقتصادية العربية في المرتبة الثانية على الجانب الاستثماري بتوجيه قرابة 35 في المائة من هذه الاتفاقيات لدعم الاستثمار البيني بين الدول العربية, وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب أيضاً، إلا أنه ما زال يعاني الشفافية، ناهيك عن العقبات النقدية.
والملاحظة الثالثة، والأهم، التي نستخلصها أن الجانب الاستراتيجي لمشروع الوحدة الاقتصادية العربية لم يحظ بالكم والنوع اللذين يؤهلانه للسير بهذه الاتفاقيات نحو هدفها الرئيس، والمتمثل في الوحدة الاقتصادية العربية, حيث وجهت قرابة 15 في المائة من هذه الاتفاقيات نحو دعم الجانب الاستراتيجي في تفسير واضح لتواضع إنجازات الاقتصادات العربية نحو وحدتها الاقتصادية.
مشروع الوحدة الاقتصادية العربية هو مشروع طموح يعاني تواضع جانبه الاستراتيجي. وبسبب التباين الواضح بين رؤى وإنجازات عدد ليس بالقليل من الاقتصادات العربية، مما ينعكس على استراتيجيات هذه الدول، فإنه يجب تأكيد أهمية إعادة النظر في جدوى مشروع الوحدة الاقتصادية العربية على منظومة الدول العربية، بشكل عام، ومنظومة الاقتصاد السعودي بشكل خاص.