الفن التشكيلي السعودي بعيد عن مواكبة الفنون الحديثة.
تتباين المستويات، وتختلف الأساليب، ويبقى المصدر واحد والثقافة واحدة، تتجلى أمام المتابع للحركة التشكيلية السعودية مدى التصاق الفنانين بالموروث الشعبي والتراثي المستمد من تاريخ الأمة الحديث، فابن المدينة يرسم المظاهر الحياتية الحضرية، ومظاهر العمران وما يدور في فلكها فيما نجد أن ابن الصحراء يسعى إلى معالجة مواضيع الرمال والبداوة والصيد وغيرها.
هذا المصدر البصري للفنان التشكيلي جعله يشعر بالانتماء والأصالة لفنه، وبدأ يصور كل ما يقع في محيطه يرسم الشوارع والطرقات فهو فنان واقعي ينقل المشهد ويصور اللحظات كما هي دون إضافة أو تعديل كأنها صورة فوتوغرافية، لاقت هذه الأعمال صدى وشعبية بين كثير من أفراد المجتمع السعودي لا لجمال ذلك وإبداعية بل لأسباب نفسية فهي تعيد الذكريات الماضية، هؤلاء الفنانون لهم دور مهم ولأعمالهم قيمة فنية وتاريخية ووثائقية تبرز أهميتها مع مرور الوقت وتقادم الزمن.
تبقى تلك المفردات البصرية بأشكالها كافة وامتداد ألوانها و اختلاف مواقعها هي التي تؤلف العمل الفني في كل زمان و مكان وهي التي يتعامل معها الفنان بخبراته وفلسفته وتقنياته وهي السبيل للتعبير عن معاناته وأحاسيسه، بغض النظر عن مصدر تلك المفردة سواء أكانت موغلة في القدم أم من الفنون الحديثة والتجارب المعاصرة، يرى بعض المشتغلين بالفن أهمية لتناول التراث والبقاء ضمن إطاره وداخل حدوده ليظل هذا الإرث حاضرا وموجودا، فيما يرى آخرون رأيا غير ذلك فهم يبحثون عن كل ما هو جديد وحديث، فالسير خلف ثقافات المجتمعات المتقدمة ليس سرا وتطلع المبدعين للحاق والمضي وراء تلك الصيحات في عالم الفن أمرا مألوفا وسائدا، بل إنه الطريق لنشر الثقافة التشكيلية والانتقال بها من حدود الإقليمية إلى العالمية.
يلقى الفنان الباحث في الفنون الحديثة الكثير من النقد واللوم من قبل بعض الفنانين التشكيليين بل إن بعضهم يعارض كل ما هو جديد ويرى الأصالة في رسم الطبيعة، ويعتقد أن تناول الأساليب الحديثة بعد عن التراث والثقافة العربية متناسيا أن اللوحة التشكيلية هي ذات أصول غربية لا شبيه لها في التراث العربي فالفنان الغربي كان يرسم الكنيسة ويصور الشوارع والأنهار وينقلها كما تنقلها عدسة المصور فجاء الفنان العربي فغير الموضوع فرسم الأبواب الخشبية والمزرعة بتفاصيلها.
مما لا شك فيه أن هذه المفردات تعطي انتماء وبقاء ضمن الجو الثقافي التشكيلي السعودي بما تحمله تلك اللوحات من رموز ودلالات تبعث نوعا من التقارب بين العمل والوسط الذي نعيش فيه فاللوحة تأخذنا نحو ذلك الماضي ونعيش داخل تلك اللحظات إلا أن تكرار الفنان نفسه في كل عمل حتى تشابه فيها كثير من الفنانين لا يخدم الفنان ولا يعكس المستوى الذي يتطلع إليه المجتمع التشكيلي فالتطور سنة الحياة بل إنه من أهم ما يميز الفنان سواء أكان شاعرا أم مصورا فوتوغرافيا أم فنانا تشكيليا خاصة عندما نعلم أننا في هذا الوقت لا نعيش بعيدين عن الثقافات الجديدة والتطورات الحديثة كما أننا لا نطالب بالانسلاخ من الجذور والتخلي عن القيم والبعد عن ماضينا لكننا نتطلع إلى فن يستمد مفردته التشكيلية من بيئته التي نشأ فيها التي تحمل خصوصيته وتحدد هويته بأسلوب متجدد وطرح إبداعي بعيد عن الأنماط التقليدية والأفكار المستهلكة التي تكررت أمام أعين المتابعين فالفنان حين يكون واضح الملامح، نقي الرؤية و الرؤيا يتحول بدوره إلى فنان مبدع أصيل.
اتجاهات الحداثة الفنية تحمل لنا بين طياتها ثورات هائلة ومحاولات مستمرة تنم عن روح التجديد في مواكبة العصر الذي نعيشه، حيث تنوعت أساليب الأداء والمضمون والخامات المستخدمة في تشكيل العمل الفني مما أدى بالفنان المعاصر البحث وراء الخامة لمواكبة ركب التطور والاستلهام من التراث والبيئة كمصادر للرؤى والاتجاهات الحديثة؛ فأصبح لكل اتجاه فني مصادر للرؤية وارتباط بالجذور.
إن المشهد التشكيلي في هذه الفترة يتطلع إلى فن مرتبط بالتراث معبر عن الواقع الذي نعيش فيه مصورا للحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فجميع مجالات الحياة في تطور وتجدد، وبقاء الفن التشكيلي ضمن تلك الدائرة الضيقة التي تفرضها عليه أفكار مجموعة لا تقبل التغيير وتلغي كل ما هو جديد، سيجعل الفن التشكيلي المحلي أسيرا لتلك الفئات فبالتالي يصعب تحريرها وتخليصها منها.