تعلم التفاوض على الطريقة النسائية
يعتمد المفاوض الناجح على مجموعة من الأدوات والتكتيكات، من بينها أساليب تصنف تقليديا على أنها أساليب لا تستخدمها سوى النساء في التفاوض.. فلماذا إذن لا تزال المرأة تواجه صعوبات في استغلال قدراتها لتحقيق مكاسب تفاوضية؟
الانطباع السائد هو أن النساء مفاوضات أسوأ من الرجال. والواقع أن النساء، لدى مقارنتهن بالرجال، يتلقين أجوراً أقل، ويصلن إلى مراتب إدارية أدنى. ولا تتوافر لهن شروط التفاوض المتوافرة للرجال. وحتى حين تم توفير الظروف المتشابهة للجانبين، كما أكدته بعض الدراسات، فإن أداء النساء كان أقل في المفاوضات من أداء الرجال. ومن الممكن أن توحي هذه الأمور بأن على النساء أن يتبعن أسلوبا أكثر خشونة واندفاعاً إذا أردن تحقيق درجات النجاح ذاتها في المفاوضات.
ومما يؤيد هذا التوجه أن بعض النساء الشهيرات في العالم مثل كارلي فيورينو، وكوندوليزا رايس، و وويي، جئن من بيئات تفاوضية قاسية للغاية. وأدى ما حققته النساء من نجاحات بادية إلى تقليص فجوة الرواتب بين النساء والرجال، وزيادة عدد النساء في المناصب الإدارية العليا خلال العقود الماضية. ولكن يبدو لسوء الحظ أن هذا الاتجاه الإيجابي انعكس سلباً خلال العقد الماضي قبل أن تتمكن النساء من تحقيق المساواة الكاملة مع الرجال في نطاق النشاطات العملية.
غير أن التقدم في ذلك الاتجاه لم يتوقف بصورة كاملة، ولكنه تحرك إلى زاوية أهدأ. وتميل الأبحاث الحديثة إلى أن معظم معاناة النساء في المفاوضات حالياً تعود إلى عدم استخدامهن كل الأسلحة التفاوضية المتاحة لهن. والحقيقة هي أن لدى المفاوضين الناجحين في النشاطات العملية في أيامنا الحالية، تشكيلة واسعة من الأساليب التفاوضية، بغض النظر عن جنس الجهة المتفاوضة. ومن بين تلك الأساليب امتلاك خصائص التعاون، والاستعداد لتقديم وتلقي المعلومات، والتعاطف. والحقيقة هي أن التحول التدريجي من الأساليب التي يتبعها الرجال إلى تلك التي تتبعها النساء، كان يتم منذ عدة سنوات. وبذلك فإن المستقبل يبدو أكثر إشراقاً أمام النساء المديرات في المناصب التنفيذية الرفيعة. ويبدو كذلك أن الرجال هم الذين يحتاجون إلى إعادة النظر في أساليبهم ومداخلهم التفاوضية.
وتظهر دراسات حديثة أن نتيجة وضع التفاوض النسائي تعود إلى أمور عملية وواقعية، أكثر مما هي تصرفات تتعلق بجنس الجهة المفاوضة. وأثبتت أن النساء مفاوضات جيدات، وإن كن يختلفن عن الرجال في ذلك. والواقع أن فرص الاعتراف بتقدم النساء في مجال المفاوضات اتسعت كثيراً، بحيث ظهر عدد متزايد من النساء المفاوضات الناجحات. وما على النساء سوى زيادة فهم بعض العوائق لكي يصبحن مفاوضات أكثر جودة وتحيط بالنساء منذ سنوات أعمارهن المبكرة ثلاثة أنواع من العوائق التفاوضية التي يجري ربطها بصورة مستمرة بجنسهن. وتؤثر اللغة التي تخاطب بها الإناث، والأدوار التي تعطى لهن، والأنماط السائدة في التعامل معهن، في توجهاتهن التفاوضية.
وتستخدم كلمات وتعبيرات مثل: الحزم، والهيمنة، والحسم، والطموح، والاندفاع لوصف تصرفات الرجال، ولا تزال هذه الصفات متأصلة في وصف قدرات المفاوضين الأكفاء. أما تعبيرات مثل : التعبير الرقيق، و العاطفي، والودود، فإنها كانت توجه للإناث. غير أن مثل هذه التعبيرات تزداد انتشاراً في الوقت الراهن.
وعلى ذلك، فإن كثير من الناس يمضون وقتاً طويلاً في محاولتهم تحديد الصفات التفاوضية الجيدة للنساء. وحتى حين تنجح المرأة في مفاوضات معينة، فإن هنالك توجهاً إلى إعادة الفضل إلى عوامل النجاح المختلفة دون الإشارة إلى أسلوبها الخاص كعامل مهم في سبيل التوصل إلى ذلك النجاح. ومن الصفات التي تميز الأسلوب النسائي في التفاوض الاستماع والتعاطف، والتصرفات ذات الطابع الرقيق، والأداء الجيد ضمن فريق يضم عدداً من النساء والرجال. ويميل كثيرون إلى تجاهل كل هذه الصفات الإيجابية حين يتصدون لمسألة تقييم القدرات التفاوضية للنساء. ويمكن لهذا العائق اللغوي أن يدمر ثقة النساء بأنفسهن، كما يقلل من فرص اختيارهن كمفاوضات أساسيات، وكذلك قدراتهن على إثبات جدارتهن حين يجري تكليفهن بمهام تفاوضية دقيقة.
ويتم التهوين والتقليل من شأن النساء خلال مسيرة حياتهن بسبب الكثير من الأوصاف المرتبطة بجنسهن، حيث تحمل تلك الأوصاف العديد من الرسائل الخاصة بدورهن في الحياة كنساء. ويفترض الآخرون أن تكون البنات أكثر لطفاً بصورة مستمرة، وأشد رعاية، وأكثر تحفظاً، بينما يتوقع من الأولاد أن يكونوا أشد اندفاعاً، وأعلى فردية وثقة. كما أن أحداً لا يتوقع منهم حمل صفات متعلقة بالجنس الآخر على الإطلاق. ومن الممكن أن يتم رفض التعامل مع ولد مهذب رقيق، بالدرجة ذاتها من رفض التعامل مع بنت مندفعة، وواثقة من نفسها، وتنطلق في تحركاتها من مفاهيم فردية ذاتية.
غير أن التحديات المتضمنة في كل من الجنسين ليست مسألة بسيطة ينبغي المرور عليها بصورة سريعة، أو أن ينظر إليها من الزاوية ذاتها. ويميل المجتمع إلى النظر إلى أدوار الأولاد على أساس أنها خطوات نحو تحقيق الفرص. وأما أدوار البنات، فهي توجهات نحو القيام بالواجبات. وبينما يتم تشجيع الأولاد بصورة مستمرة على الوقوف في محور نقطة الضوء، فإن المجتمع لا يتوقع مكافأة البنات اللواتي يعملن على لفت و اجتذاب الأنظار.
ولا تحظى النساء سوى بنسبة لا تتجاوز 18 في المائة فقط من الأدوار الرئيسية التي تظهر في الأعمال التلفزيونية المنتجة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتوحي هذه التوجهات برسائل بأن على المرأة أن تقف بعيداً عن منافسة الرجل في الوصول إلى فرص النجاح الكبرى في تلك البرامج التلفزيونية، بينما على الرجل أن يتقدم بخطوات سريعة وواثقة على هذا الطريق، ولا يسمح للنساء حتى بالتذمر من ذلك.
ويستطيع المفاوضون من الرجال اختيار نوع من اثنين من أساليب التفاوض، فإما أسلوب الموقف القائم على السلطة والقوة، وأما أسلوب التعاون القائم على العلاقات المتبادلة. وينظر إلى النساء اللواتي يحاولن اتباع أسلوب الموقف، والظهور بالمظهر الحاسم، على أنهن ينزعن إلى تجاوز أدوارهن الطبيعية، وأنهن مندفعات أكثر مما يجب، وأن عليهن العودة بصورة سريعة إلى طبيعتهن. والواقع هو أن محاولة النساء اتخاذ المواقف الحازمة يضفي على التفاوض صفات إيجابية تعمل على نجاحه.
إن من شأن تعزيز الأساليب التقليدية المتوارثة في التعامل مع النساء، وجعلهن يشعرن بأنه ما زال عليهن فعل الكثير للتساوي مع الرجال، يؤدي في النهاية إلى انتشار المزيد من حالات الإحباط واليأس، وإضعاف فرص تمكين المرأة من أداء واجباتها التفاوضية على النحو المطلوب.
ويصف الكتاب الذي يحمل عنوان ( النساء لا يسألن ) لمؤلفيه بابكوك، ولاشيـفر، نتائج العديد من الدراسات التي أفادت أن كثيراً من النساء يعتقدن أنهن ضعيفات في تحصيل المواد العلمية و الرياضية، على الرغم من حصولهن على أعلى الدرجات في صفوفهن. وأفادت دراسات أخرى أنه حين طلب من النساء أن يعملن لتحقيق مستوى معين من الدخل، فإن أداءهن تفوق على أداء الرجال بنسبة 20 في المائة. وتبين من دراسات أخرى أن النساء حين يشاركن في فرق العمل مع الرجال، يعملن بجد أكثر، ولا يطالبن بالمزيد من الأجور والمكافآت، بينما يقل أداء الرجال في مثل هذه الظروف، ويطالبون بأجور ومكافآت أعلى.
وتؤدي الأساليب التقليدية الموروثة في التعامل إلى نتائج خطيرة حين تبدأ النساء بالخضوع لها. وحين تم توجيه سؤال الخصائص المتعلقة بالمرأة في امتحان علوم أدته نساء أمريكيات من أصل آسيوي، فإن أداءهن في ذلك الامتحان كان أدنى من أداء زميلاتهن اللواتي لم تتضمن أسئلة امتحانهن مثل ذلك السؤال. وثبت أن الافتراض بأن الأداء النسائي في العلوم والرياضيات ضعيف، يؤدي إلى ضعف فعلي، كما أنه يعمل على تناقص أداء المرأة وإنتاجيتها حين تدخل ميادين العمل المتعددة. ومن المفاهيم التقليدية السائدة أن النساء يبذلن مجهودا أكبر ويطالبن بأجور أقل، على عكس ما يقوم به الرجال. وإذا لم تؤد المرأة كما يجب في المفاوضات، فإن عليها أن تتوقع عقوبات أشد مما يتوقعه الرجل. ويصبح الجميع على درجة عالية من الغضب والعصبية إذا خالفت إحدى النساء الأعراف السائدة الموروثة.
وهنالك تحديات تواجهها النساء المفاوضات ليست لها علاقة بأمور خارجية، ولكنها تتعلق، أكثر من ذلك بالسلوك الداخلي الخاص بالتوقعات المتدنية بتحقيق درجات عالية من النجاح في العمليات التفاوضية.