المصرفية الإسلامية في الغرب.. هل هي فرصة أم تهديد؟
أصبحت المصرفية الإسلامية خلال العقود الأربعة الماضية صناعة لا يستهان بها. ويدور سؤال واضح في هذا المقام وهو فيما إذا كان ظهور المصرفية الإسلامية سيعمل على إحداث مزيد من ابتعاد المسلمين عن القيم والنواظم الغربية، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى وجود مجتمع منغلق مالياً. ولكن هناك وجهة نظر أخرى، وهي أنه مع تزايد أعداد الغربيين الذين يشعرون بصورة متزايدة بعدم الارتياح أو التشكك حيال الخدمات البنكية التي تقدم لهم، والتي ينظرون إليها على أنها استغلالية أو حتى غير أخلاقية، فإن ظهور المصرفية الإسلامية، بما لها من وضع أخلاقي مميز، يعطي صورة إيجابية للغاية عن الإسلام.
وتنظر كثير من البنوك الغربية إلى جوانب المالية الإسلامية على أنها شيء غريب، وربما مجرد فرصة لجني المال، ولكن نادراً ما ينظر إليها على أنها تشكل تهديداً في مستوى التطرف الإسلامي. والواقع أن المصرفية والمالية الإسلامية يمكن اعتبارهما من الجوانب المحببة للإسلام، والتي من السهل أن تكون سبيلاً للحوار بين الغربيين والمسلمين.
إن المؤسسات المالية الإسلامية العاملة في قطاع التجزئة، بما في ذلك بنك بريطانيا الإسلامي، والبنك الاستثماري الإسلامي الأوروبي، وبنك لاريبا في كاليفورنيا، هي الآن بنوك تتمتع بوضع جيد ومتين في عدد من البلدان الغربية.
وهناك قدر كبير من الحوار يدور بين المصرفيين الغربيين العاملين في المؤسسات المذكورة وبين الفقهاء الذين يقدمون لهم النصح والمشورة حول الأمور المباحة وغير المباحة. ويمتد نطاق هذا الحوار إلى التأمين، حيث يزداد نشاط الشركات العاملة في مجال التكافل الإسلامي. وما يميز هذه الشركات هو أنها لا تحتفظ بالنوع التقليدي من السندات التي تولد الفوائد، كما أنه لا يمكن الخلط بين أموال المساهمين والمبالغ التي يدفعها أصحاب بوالص التأمين، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى استغلال المساهمين لتدهور حظوظ أصحاب البوالص.
وحيث إن الإسلام يهتم أساساً بالمبادئ التي تهم البشر جميعاً والتي أوحى بها الله إلى نبيه، ولا يدور حول القوانين الوضعية في البلدان، فقد أصبحت شركات المحاماة الدولية الكبيرة تهتم وتتعامل مع جوانب المصرفية والمالية الإسلامية، على اعتبار أنه يتم إعداد العقود بموجب القانون الإنجليزي أو الأمريكي بما يتمشى مع الأحكام الشرعية. والواقع أن المهمة الأساسية الواقعة على عاتق أعضاء اللجنة الشرعية العاملين في مجالس إدارات البنوك الإسلامية، وكذلك البنوك التقليدية التي تقدم المنتجات الإسلامية، هي ضمان أن تكون العقود الجديدة منسجمة مع الأحكام الشرعية، وفي حالة مخالفتها لها، يتم الاتصال مع المحامين بخصوص إدخال تعديلات على العقود وإعادة صياغتها.
وتعتبر جمهورية إيران الإسلامية مثالاً على الجوانب التي لا تبعث على تشجيع تطور المصرفية والمالية الإسلامية. ذلك أن جميع العمليات البنكية في إيران تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية منذ صدور القانون حول التعاملات البنكية غير الربوية في عام 1983. ولذلك فليس هناك من سبيل أمام عملاء البنوك إلا استخدام النظام الشرعي. ولكن البنوك هي مؤسسات مملوكة للدولة ولا تتمتع باستقلال ذاتي يذكر، حتى حين يتعلق الأمر بنوع المنتجات التي يمكن تقديمها في مجال الودائع والتمويل. كما أنه لا توجد لجان شرعية في تلك البنوك، وحجتهم في ذلك هي أن اللجان الشرعية لا ضرورة لها في ظل القانون الذي يضمن أصلاً الالتزام بالأحكام الشرعية.
وأدى ذلك إلى بطء تطور الصناعة البنكية في إيران، ولا توجد ابتكارات مالية تذكر، كما أن معظم الإيرانيين لا يمتلكون حسابات في البنوك. وفي المقابل نرى في الجانب العربي وفي ماليزيا كذلك أن هناك تنافساً بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية، وأن بمقدور البنوك الإسلامية تقديم منتجات جذابة، كما أنها تتمتع بقاعدة متزايدة من العملاء. وقد أصبح بنك الراجحي في المملكة العربية السعودية أكبر بنك إسلامي في العالم في قطاع التجزئة، كما أن نطاق خدماته وقنوات تقديم المنتجات تعتبر في مستوى أرقى البنوك الغربية.
ومن الواضح أن المصرفية الإسلامية هي ظاهرة دائمة، وهي فرصة وليست تهديداً، وتتمتع بمستقبل مثير. ولكن تظل هناك بعض الفجوات. فمثلاً لا يوجد بنك إسلامي في إسرائيل لخدمة السكان المسلمين هناك. ولكن إذا أعطى البنك المركزي الإسرائيلي ترخيصاً لأحد البنوك الإسلامية فإن ذلك سيؤدي إلى خلق قدر كبير من حسن النية. كما أن من الممكن أن يشجع ذلك السكان اليهود الذين يعيشون هناك على التساؤل إن كانت العمليات البنكية في البنوك الإسرائيلية تتمشى مع الأحكام الدينية الواردة في سفر الأحبار وسفر تثنية الاشتراع.
إن المصرفية والمالية الإسلامية هي في التحليل الأخير حول ظهور شكل إسلامي مميز من الرأسمالية، يمكن أن يتعايش ويتفاعل مع الرأسمالية الغربية أو الصينية أو الروسية أو غيرها من الرأسماليات. وإن التطور الذي من هذا القبيل هو موضع ترحيب ويجب تقديم التسهيلات له، لا الوقوف في وجهه والحيلولة دون انتشاره.
مدير قسم الدراسات العليا في معهد الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة ديرام.