نقاط الاتفاق المحدودة بين الشركاء في الائتلاف الحاكم في النمسا

نقاط الاتفاق المحدودة بين الشركاء في الائتلاف الحاكم في النمسا

نقاط الاتفاق المحدودة بين الشركاء في الائتلاف الحاكم في النمسا

تحذو فيينا حاليا حذو برلين في تشكيل ائتلاف موسع يمسك بزمام الأمور في البلاد. هذا الأمر وإن بدا استثنائيا في ألمانيا فهو يعتبر ومنذ عقود أمرا عاديا بالنسبة للنمساويين. وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة سيحكم النمسا ائتلاف يضم الحزبين الشعبي النمساوي والاشتراكي الذي يشغل رئيسه ألفريد جوزينباور حاليا منصب رئيس الحكومة، حيث حصل حزبه على عدد من المقاعد يزيد قليلا عن المقاعد التي حصل عليها الحزب الآخر. وبدلا من شعار ( توسيع نطاق القطاع الخاص مقابل القطاع العام) الذي كان يرفعه التحالف البرجوازي برئاسة فولفجانج شوسيل يرفع جوزينباور شعار (الاستعداد للإنجاز، والتركيز على الإنجاز و التضامن الاجتماعي). ومهما يكن الأمر فإن هذا لا يعني انقلابا تاما على السياسة المحافظة التي مورست طوال السنوات الماضية. ولكن، مع ذلك، وكما في الائتلاف الكبير في ألمانيا، ليس ثمة شيء في البرنامج الحكومي، سوى عامل مشترك أصغر، ولهذا فثمة نوع من أنواع الشلل في السياسات الاقتصادية على الرغم من أن النمسا جنت، نتيجة لالتحامها بأعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد، من الأرباح من شطر أوروبا الشرقي أكثر مما جناه شركاؤها التجاريون الآخرون.

إن ما أنجزه التحالف السابق للحزب الشعبي النمساوي واتحاد المستقبل النمساوي خلال السنوات السبع الماضية في مجال التنافسية لن يتعرض، بطبيعة الحال، للإلغاء. وبهذا أصبح من المؤكد أن الإطار الضريبي الملائم للشركات لن يمس بأي شكل من الأشكال لكي تظل النمسا موقع جذب للمشاريع. غير أن إصلاحات كبيرة أخرى لم تتحقق مع أنها ضرورية جدا لإعادة التوازن للدولة، بل على العكس من ذلك ستتضمن موازنة الدولة مزيدا من الإنفاق لتحقيق النمو ولتمويل البحث العلمي والتعليم والخدمات الاجتماعية. وفقط في عام 2010 يتوقع الشركاء في الائتلاف الحكومي أن يتحقق فائض في الموازنة. وفي ضوء الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده النمسا منذ العام الفائت والذي رافقه نمو بنسبة 3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بضآلة النمو في الفضاء الأوروبي، يعتبر هذا الهدف متواضعا للغاية. وبعكس كل الوعود السابقة لا تزال السلطات تتلكأ في تخفيض الضرائب المرتفعة بالمقاييس العالمية والتي تصل نسبتها إلى 50 في المائة. كما أنه ليس هنالك حتى الآن أية نية لتبسيط النظام الضريبي البالغ التعقيد.

وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققت في مجال التخصيص فليس ثمة خطط لدى الائتلاف العظيم لتخصيص تيليكوم النمسا والبريد النمساوي اللذين يتمتعان بمركز احتكاري، كما أن الدولة ليست في وارد الانسحاب من مشاركتها في البنى التحتية للولايات، وهو ما يؤسف له، ذلك أن تخصيص الشركات الصناعية ومشاريع البنية التحتية في السنوات الماضية قد أدى إلى ارتفاع قيمة هذه الشركات وتلك المشاريع. إن كثيرا من هذه الإصدارات قد حلقت ببورصة فيينا ولفتت في الوقت نفسه أنظار المستثمرين الدوليين.

كما أنه كان بالإمكان بهذا التخصيص توفير الأموال اللازمة لسد الثغرات المالية القائمة في بنية المواصلات. وبدلا من ذلك أصبح من الضروري الآن فرض رسوم عالية على وسائط النقل، فمن خلال ذلك فقط يمكن إنجاز المشاريع الأساسية في مجال شبكة الطرق والخطوط الحديدية التي عانت طويلا من إهمال، والتي تعتبر ضرورية للمحافظة على القدرة التنافسية للاقتصاد النمساوي.

إن الحكومة تركز حاليا بشكل خاص على الإجراءات اللازمة لمحاربة الفقر المتزايد في البلاد. وهي تعمل على تصميم رزمة تضمن توفير الحد الأدنى من العون للمحتاجين والتي لا يكاد يوجد لها مثيل في أوروبا. وعلى خلاف ما هو قائم في العديد من الدول الأخرى يعتبر المسيحيون الديمقراطيون والاشتراكيون الديمقراطيون أن هذا النمط من محاربة الفقر ليس سوى نقطة انطلاق لدخول سوق العمل في أول فرصة. أما المستويات المتباينة للعون الاجتماعي حسب الولايات فسيتم توحيدها مع نهاية فترة الحكومة عند مستوى 726 يورو لكل حالة، وهو مستوى رفيع بكل المقاييس. ولعل من إيجابيات هذه المقاربة أن صرف المساعدة مشروط بثبوت الحاجة وبالاستعداد للعمل في حال توفره. ومن المفروض مستقبلا أن تعمل خدمة سوق العمل بشكل أكثر فعالية على تبني متلقي المساعدات من أجل ضمان إعادة دمجهم في سوق العمل بأقصى سرعة. أما بالنسبة لأولئك الذين طالت بطالتهم فسيجري ربطهم بمشاريع ذات نفع عام وإلزامهم بالانخراط في دورات لإعادة التأهيل. وبهذه الطريقة ترى الحكومة أن توفير هذا الحد الأدنى من الدخل لن يستمر طويلا في نهاية المطاف. ولكن هل سيمكنها ذلك من تخفيض معدل البطالة مقارنة بمستوياتها العالمية، إن الإجابة على ذلك تحيط بها الشكوك، ذلك لأن تكاليف الأجور الإضافية تزداد ولا تنخفض بسبب ارتفاع أقساط التأمين الصحي اللازمة لمعالجة العجز المزمن في صناديق التأمين الصحي، ومن المعروف أن أكثر من أربعة أخماس إجمالي مكافآت العمل هي أجور إضافية وهذه تشكل بوضوح أعلى نسبة مما هو في غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي، ومما لا شك فيه أن لهذا تأثيرا سلبيا على سوق العمل. ومن المعروف أن النمسا، شأنها في ذلك شأن ألمانيا، تتعرض لضغوط تنافسية. وفي داخل الاتحاد توجد للاقتصاد النمساوي الصغير أطول حدود مع الدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي، وربما كان تقليص عبء الأجور المرتفعة عن طريق الاستعانة بالعمالة ذات الأجور المنخفضة في البلدان المجاورة هو الفرصة التي لا تعوض.

الأكثر قراءة