التحديات غير المألوفة للصرافة الإسلامية وأنموذج توسعتها أمام البنوك المهجنة

التحديات غير المألوفة للصرافة الإسلامية وأنموذج توسعتها أمام البنوك المهجنة

الفرص تتسع باستمرار وتتمتع معظم البنوك الإسلامية بأسواق محمية وامتيازات أخرى من الجهات التنظيمية، مثل حدود الإقراض العليا التي تزيد على ما هو مسموح به للبنوك التقليدية. وفي كثير من البلدان لا يسمح إلا للبنوك المتخصصة في المصرفية الإسلامية بإنتاج أو بيع معظم المنتجات التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، مما يبقي البنوك المهجنة، أي فروع المصرفية الإسلامية التابعة لبنوك تقليدية، يبقيها خارج السوق. فضلاً عن ذلك، حددت الجهات التنظيمية في السابق عدد البنوك الإسلامية المتخصصة في السوق إلى بنك أو اثنين، مما أعطى المؤسسات المصرفية المستفيدة احتكاراً على هذه السوق داخل بلدانها. وكان من شأن الامتيازات التي من هذا القبيل أن مهدت السبيل أمام تلك البنوك لتحقيق أرباح تفوق المتوسط.
وللتنافس في ظل هذه البيئة الجديدة، يتعين على البنوك الإسلامية القائمة أن تتبع السبيل الذي اتخذه كثير من البنوك التقليدية. ومن الخطوات المهمة في هذا السياق أن على البنوك أن تعمل على تحديد واستهداف أهم قطاعات الزبائن، وتقديم منتجات متمايزة وذات مستوى رفيع، ورفع كفاءتها التشغيلية، وتحسين إدارة المخاطر. وهذه الأمور هي من أساسيات العمل المصرفي الجيد، ولكن البنوك الإسلامية تواجه تحديات غير مألوفة بالنسبة للبنوك التقليدية.

وضع العلامات التجارية
إن كثيراً من البنوك الإسلامية تعتقد أن علاماتها التجارية وموثوقيتها هي من الأمور المُسَلَّم بها، حيث تفترض أن التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية أمر كاف في حد ذاته. ولكن في الوقت الذي تواجه فيه البنوك المذكورة مزيداً من المنافسة من مختلف البنوك التي تقدم منتجات مشابهة، فإن بناء هويتها الخاصة في العلامات التجارية التي تقوم فقط على المبادئ الشرعية سيصبح أمراً صعباً بصورة متزايدة. فالبنوك الإسلامية في حاجة إلى فهم وإدارة الصورة التي تعطيها للناس عن علاماتها التجارية بشكل نشط، وأن تخلق بالتالي تصوراً لدى الناس أن ما تقدمه من منتجات يتمتع "بميزة الموثوقية الشرعية" فوق ما هو متوافر لدى البنوك المنافسة.
والخطوة الأولى في هذا المقام هي أن تفهم البنوك العوامل الرئيسية التي تساهم في إضفاء الموثوقية على عمل البنك داخل سوق إسلامية معينة، من قبيل أن يحدد البنك إن كان سيعمل في المصرفية الإسلامية الخالصة أو في النشاطات المصرفية المهجنة، واعتبار تاريخ البنك وتطور عملياته، ومكانة الأشخاص الأعضاء في اللجنة الشرعية للبنك. ومن الأمور الملموسة التي تلعب كذلك دوراً مهماً في هذا الصدد نذكر عدد فروع البنك التي تقدم خدمات المصرفية الإسلامية، ومدى تقدم البنك في المنتجات المبتكرة، والفصل بين الأموال الإسلامية وبين النشاطات المصرفية التقليدية.
وانطلاقاً من التحليل المذكور، ينبغي على البنك أن يتخذ وضعاً محدداً بالنسبة للعلامات التجارية، كأن يقرر على سبيل المثال إن كان يريد أن يتخذ بهذا الخصوص موقفاً محافظاً، أو ابتكارياً، أو التحرك النشط في المجتمع لترويج الخدمات المصرفية الإسلامية، وأن يحدد المسار الذي يريد السير عليه لتحقيق الوضع المذكور والمحافظة عليه. ويجب أن تكون هذه الجهود، التي تتم بالالتزام التام بالأحكام الشرعية وبمساندة عمليات التدقيق، ومراجعة جميع النشاطات والبيانات التسويقية، كل هذه الجهود يجب أن يفهمها ويلتزم بها تماماً جميع المديرين في البنوك.
ومن الأمور المهمة في هذا المقام كذلك أن يحافظ البنك على الحوار مع المجتمع المحلي للترويج والدفاع عن موثوقية البنك من حيث التزامه بالأحكام الشرعية.

التعقيد التشغيلي
إن منتجات البنوك الإسلامية هي في الغالب أكثر تعقيداً من منتجات البنوك التقليدية. مثلاً من السهل اقتراض مبلغ نقدي من البنوك التقليدية، حيث يقترض العميل مبلغاً من المال مقابل فائدة ثابتة مع تحديد مقدار الدفعات مقدماً، وإذا تأخر المدين عن التسديد فإنه يدفع فائدة مركبة وربما غرامة تأخير. وتعتبر آلية التوَرُّق أكثر البدائل الإسلامية شيوعاً للقرض النقدي هو.
وينشأ التعقيد الإضافي من سعة نطاق العملية. إذ يجب على البنك أن تكون له علاقات مع وسطاء السلع، وأن يحوز على ملكية البضائع بصورة مؤقتة، ثم يتولى إدارة كل عملية للبيع والشراء. كما أن المعاملات الخطية اللازمة لإتمام الصفقة أطول وأكثر تعقيداً مما هو متبع في القرض النقدي. لذلك يتعين على موظفي البنك الذين يتعاملون مباشرة مع الزبائن وعلى قسم الدعاية في البنك أن يشرحوا بالضبط كيفية عمل المنتج وأن يبينوا أنه يتفق مع أحكام الشريعة. وأخيراً فإن إدارة المخاطر الائتمانية أكثر تعقيداً لأن البنك في حاجة إلى تقدير ليس فقط الخسائر المتوقعة من إعسار الزبائن في تسديد القروض، وإنما كذلك من التكلفة الحقيقية على البنك من الدفعات المتأخرة، وهي حالة لا تفيد فيها أدوات إدارة المخاطر التقليدية للمنتجات غير المصنفة. وتنشأ التعقيدات في نطاق واسع من المنتجات الإسلامية، من البطاقات الإسلامية إلى حسابات التوفير (التي تدفع للمودعين باستخدام معادلة لاقتسام الأرباح وليس باحتساب فائدة ثابتة)، إلى التكافل، وهو منتج شبيه بالتأمين على الحياة ويعمل استناداً إلى نظام صارم لاقتسام المخاطرة بين جميع حاملي البوالص.
وللتخفيف من حدة هذا التعقيد الإضافي، تحتاج البنوك الإسلامية إلى أن تلقي بالها بصورة أكبر إلى ثلاثة أعمدة أساسية للعمليات الناجحة، وهي احتواء التكاليف، وسرعة تسيير المعاملات، وتدني معدلات الخطأ.

العقبات الهيكلية أمام صناعة المصرفية الإسلامية
تواجه البنوك الإسلامية كثيراً من التحديات الفريدة، ويمكن التغلب على معظم تلك التحديات من قبل المؤسسات نفسها. ولكن طبيعة الصناعة نفسها تفرض عليها عقبتين هيكليتين من الصعب أن تتغلب عليهما البنوك وحدها، وربما يستدعي الأمر الاستعانة بمساندة من الخارج.
العقبة الأولى هي النطاق الضيق: إن النطاق الواسع في العمليات ضروري لتقليص نسبة التكاليف إلى الدخل، ولكن نطاق تعاملات البنوك الإسلامية إذا نظر إليها بالمقاييس الدولية، بل وحتى بالمقاييس المحلية في معظم الحالات، هو أدنى بكثير من نطاق التعاملات الأمثل. ففي بعض البلدان لا يبلغ الطلب على التعاملات المصرفية الإسلامية من الكبر ما يكفي لإنشاء حتى بنك واحد يتمتع بنطاق واسع من العملاء والتعاملات، ولذلك فإن دمج البنوك الإسلامية القائمة في داخل البلد لن يكون على الأرجح هو الحل المنشود. كما أن الاندماج مع أحد البنوك التقليدية، حتى لو حافظ البنك التقليدي على استقلال علاماته التجارية وبنيته التحتية، يمكن أن يضر بمصداقية البنك الإسلامي.
ويبقى أمام البنوك الإسلامية إما خيار التوسع عبر الحدود (بما في ذلك عمليات الاندماج والاستحواذ) أو اللجوء إلى جهة أخرى لإدارة الوظائف المكتبية التي لا يراها الجمهور. جدير بالذكر أنه حتى أكثر البنوك التقليدية خبرة تعاني من عمليات التوسع عبر الحدود، ثم إن معظم البنوك الإسلامية لا تمتلك مهارة أو خبرة تذكر في العمليات الخطرة التي من هذا القبيل. ولا توجد في السوق حتى الآن أطراف أخرى ثالثة تقدم الخدمات للبنوك الإسلامية، ويعود بعض السبب في ذلك إلى الحواجز اللغوية وكذلك تعقيد المنتجات الإسلامية.
إن الاختلافات في هيكل المنتجات عبر البلدان، أو حتى من بنك لآخر، يزيد من مصاعب التوسع عبر الحدود اللجوء إلى جهة أخرى لإدارة الوظائف المكتبية التي لا يراها الجمهور.
العقبة الثانية هي السيولة: التحدي الهيكلي الثاني أمام البنوك الإسلامية يتعلق بالأموال. إذ لا توجد سوق ثانية للسيولة بالنسبة للصكوك الإسلامية ذات الدخل الثابت. وبالتالي تجد البنوك أنها ترغم على التركيز على الأدوات ذات الأجل القصير حتى تضمن كمية كافية من السيولة، وهو متطلب يضعها في موقف ضعيف أمام البنوك التقليدية، من حيث خطر انكشافها أمام مخاطر السوق، ومن حيث عوائد الأجل الطويل على محافظ البنك الاستثمارية. ولا يستطيع أي بنك أن يتغلب بصورة تامة على هذه العقبة، رغم أن بعض الحكومات، سعياً منها لمساندة المؤسسات المالية الإسلامية، تحاول خلق السيولة بإصدار سندات حكومية تتمشى مع أحكام الشريعة الإسلامية. ومن الممكن من حيث المبدأ أن تقوم جهة ثالثة، يتم تطويرها وامتلاكها مثلاً من قبل اتحاد للبنوك الإسلامية، بالمساعدة في حل التحديات المتعلقة بالنطاق والسيولة. والمنظمة التي من هذا القبيل يمكن إنشاؤها على نمط بنك البنوك (في الولايات المتحدة) أو شباركاسه (البنك المتكامل) في ألمانيا، وهي تقدم خدمات مكتبية وخدمات السيولة لجميع البنوك الأعضاء فيها. وهذه المهمة ليست بالمهمة السهلة، وبالتالي فإن من التحديات الأساسية محاولة إنشاء علاقات تعاونية بين البنوك التي تعتبر الآن بنوكاً متنافسة أو يمكن أن تكون متنافسة فيما بعد في السوق الإسلامية. ولكن بالنظر إلى المنافسة المتزايدة والآتية من البنوك التقليدية، فربما تختار البنوك الإسلامية الوقوف صفاً واحداً بدلاً من المعاناة كل على حدة.

هذا البحث تم إجراءه بالمشاركة بين شركة ماكينزي والمؤتمر الدولي للصرافة الإسلامية.

الأكثر قراءة