في اليابان: المتقاعدون كالأمتعة الزائدة في المنزل والسفر
أين يوجد متشردون يمسحون أقدامهم قبل أن يدخلوا إلى الخيمة الصغيرة ؟ هذه الظاهرة لا توجد إلا في العاصمة اليابانية طوكيو وبالتحديد في المتنزه عند ميدان "واداكورا". فأمام الجدران الرخامية التي تحمي الحدائق الإمبراطورية من أعين المواطنين، نصبوا خيامهم بين أشجار الصنوبر، والمقاعد الخشبية وأشجار اللوز، فلا نفايات ولا قوارير تفسد منظر تلك اللوحة الفنية الرائعة، وغالبا ما يكون هؤلاء الذين تقدموا في الأعمار منكبين أمام مسكنهم المتنقل في القراءة. والنظام أثناء ممارسة "زاين" هو جزء لا يتجزأ من مراسم التأمل الروحي، لا ينساه في اليابان حتى هؤلاء، فاقدو المسكن، لحظة واحدة على الإطلاق.
"أتسوشي سايكي"، برفيسور في علوم اقتصاد العمل في الجامعة اليابانية "كيو" يقول "العدد في تزايد, هؤلاء الرجال، حالما تقاعدوا، تقوم زوجاتهم بطردهم من المنزل". في العشر سنوات الأخيرة ازداد عدد حالات الطلاق بين الأزواج الذين تربطهم علاقة زوجية لا تقل عن 30 عامـا، إلى أربعة أضعاف - والمبادرة الأولى في العادة تقودها الزوجـة. وعلى هؤلاء ثقيلي الظل الذين أصبحوا يعودون إلى المنزل في الساعات المتأخرة من الليل، يطلقون المسميات المترادفة مثل "الأمتعة غير الضرورية" أو "ورق الشجر الذبلان".
بين عام 1947 وعام 1949، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والقنبلة الذرية، ولد بوجه خاص الكثير من الأطفال، يسمون بـ "أطفال الطفرة". والآن، ومع سن الستين بدأ هذا الجيل من العاملين النشطاء يدخلون سن التقاعد، وهذا يعنى في جرعة واحدة زيادة في عدد المتقاعدين اعتبارا من عام 2007 بنحو 2.7 مليون متقاعد سنويا، مما يشكل مشكلة كبيرة للأنظمة الاجتماعية في اليابان - لا سيمـا وأن الدولة غير قادرة في الأساس على تحمل تكاليف التقاعد القديمة. هناك سأل ياسوجي فوجيتا نفسه، يقول "ماذا سأفعل في المنزل ؟" حين يترك عمله الذي يمارسه منذ 20 عاما على طاولة استقبال فندق "بالاس" في العاصمة طوكيو المطل على الخيام الصغيرة في ميدان "واداكورا". فأمامه 12 شهرا حتى التقاعد، ولكن عند الحديث عن هذا الموضوع تعلو وجهه علامات التألم والأسى. ابنه يسكن في الأرياف، وابنته، عزباء، مشغولة جدا في وظيفتها ولا ترى أي ميول من جهتها لتتولى مهام تشكيل وملء وقت فراغ الوالدين.
الإحصائيات تشير إلى أن معدل أعمار النساء في اليابان يبلغ 85 عاما، والرجال 78 عاما. وأن هؤلاء، كبار السن اليابانيين، ينعمون بالذات بصحة وافرة، حقيقة أثبتتها دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، ميزّت اليابان بأنها المجتمع الأول في أعمار الشيخوخة، وأعطت السيدات اليابانيات اللواتي تجاوزت أعمارهن سن الخامسة والسبعين شهادة أنهن مازلن يتمتعن بروح الحياة النضرة. والفضل كل الفضل يعود إلى وجبة السمك الشعبية "سوشي". أما في صورة الشارع العام فلا يوجد تقريبا من بين المتقاعدين من هو ذو وزن زائد. وبلا شك سيزيد عدد السياح الأصحاء والمرحين الذين يجوبون أرجاء أوروبا حاملين كاميرات التصوير في جولة "ستة أيام حول أوروبـا". ومن المحتمل بصورة كبيرة أن يهيمن على هذه المجموعات السياحية عدد النساء بصورة واضحـة - لطالما أنهم قد تخلصوا في اليابان من "الأمتعة غير الضروريـة".