هل لدينا مواهب؟
إذا كان هناك من يردد بأن ينابيع المواهب في كرة القدم السعودية قد جفت في السنوات الأخيرة بعد أن افتقدت مجهر الكشافين الذين يملكون حاسة دقيقة أسهمت في رفد الأندية بلاعبين شقوا طريقهم نحو عالم النجومية فإننا في الآونة الأخيرة أمام كشاف جديد لم يكن موجودا من قبل كما هو عليه الآن، يتمثل في دوري البراعم والناشئين والشباب ومسابقة الأمير فيصل بن فهد للفرق الأولمبية.
الغريب في ظل هذا الكشاف الجديد والكم الكبير من المسابقات الغنية بالمواهب أن الأندية تباينت بشكل ملحوظ في آلية وكيفية وتوقيت استثمار هذه المواهب الشابة والاستفادة منها في الفريق الأول، على الرغم من أن هذا الملف يسهم بشكل كبير في مساعدة الأندية على التجديد ودمج الخبرة بالشباب والاكتفاء الذاتي وتصدير النجوم وحسن إدارة الأموال وفقا لأولويات النادي التي يجب أن تبدأ بالمهم فالأهم ولا سيما أننا مقبلون على مرحلة الخصخصة.
أهمية ملف العناية بالمواهب وانعكاساته الفنية والاستثمارية تبدو بشكل جلي في الأندية الأوروبية التي تحرص بشكل كبير على مراقبة المواهب الناشئة وإقامة مراكز استكشافية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا تستقطب صغار اللاعبين الموهوبين، كما يحدث في مانشستر يونايتد الإنجليزي، حيث يشرف مدربه فيرجسون بشكل مباشر على هذه المراكز التي أصبحت خير داعم ومستثمر ورافد للفريق.
لدينا الوضع مختلف تماما، فالمواهب موجودة في النادي وعلى بعد أمتار معدودة من المدربين ومسؤولي الأندية، لكن لا يزال هناك تفاوت في آلية وسياسة وتوقيت الإحلال، فهناك أندية تتأخر بشكل غريب في منح الفرصة للمواهب الشابة حتى يبدأ تسربها تلقائيا إما بهجر الكرة أو المهاجرة إلى فرق أخرى، وعندما تفكر هذه الأندية في الزج بهؤلاء الصغار فإنها لا تختار توقيتا مناسبا يساعد على البروز، بل يبدأ الشباب مشوارهم الكروي مع الفريق الأول في مباريات حاسمة تشكل ضغطا جماهيريا كبيرا على اللاعب يمكن أن ينهيه، ولعل ما حدث للاعب النصر مادو في مباراة الأهلي يؤكد التوقيت السيئ للزج بالشباب.
أندية أخرى فتحت الباب على مصراعيه لسياسة الإحلال والتجديد كما يحدث في الاتحاد، وهذه مغامرة يمكن أن تحقق نتائج وقتية، لكنها بالتأكيد ستؤثر في نتائج الفريق سلبا في المستقبل القريب، الأمر الذي يستدعي أهمية التوازن في إشراك الوجوه الشابة مع لاعبي الخبرة، كما يحدث في أندية الهلال والشباب والأهلي التي تعاملت مع ملف المواهب وفق مبدأ "لا إفراط ولا تفريط" فأصبحت في دائرة المنافسة رغم تعدد المشاركات محليا وآسيويا.
إن النجاح في التعامل مع استثمار المواهب الشابة -برأيي- لا يقتصر على عنصر دون آخر، فالمدرب مسؤول عن الاختيار والتوقيت، واللاعب الشاب مطالب بالحضور الفني الجيد واستثمار الفرصة، والمدارس التدريبية في مختلف الدرجات يجب أن تكون من مدرسة واحدة للتنسيق والتشاور بين الأجهزة الفنية والإدارية في عملية التصعيد، والمستفيد الأول والأخير من تكامل هذه العناصر وتناغمها أندية تتنافس بقوة ومنتخب يستعيد مكانته وهيبته.