النصيحة من الأفواه الباردة
أعتقد أن الكثير منا يعلم عظم النصيحة وفضلها في تقويم الفرد و المجتمع , وحتى لو جادل البعض ذلك ونفر منه و تلك طبيعية بشرية , ففي قرارت أنفسهم يعلمون أن النصح أمر لابد منه , وكلنا بلا استثناء نحتاج النصيحة سواء كان ذلك على المستوى الديني أو الدنيوي. والمقصود من النصح في العموم هو تصحيح الأخطاء والاعوجاج من أجل الارتقاء في القول أو العمل إلى منزلة أفضل و أعلى.
ولكن الموضوع الذي وددت أن أطرحه أن الأمور قد تختلط علينا فأحيانا يكون النصح مفعما بروح الصدق , وفي الأحيان الأخرى قد يكون من أجل الانتصار للنفس أو من أجل إدعاء المعرفة وكثرة العلم .و لعل السؤال البديهي هو كيف نعرف الفرق بين تلك الحالات , و ما هي المؤشرات والعلامات التي قد ترشدنا لذلك . واليكم بعض النقاط مما سمعت أو رأيت أو ربما وقعت فيه أثناء النقاش أو النصح.
أولا إذا رأينا أنفسنا نغضب بسرعة الفتيل عند إسداء النصح فلنعلم إن هذه من العلامات والشبهات في أننا ننتصر لأنفسنا لا للقضية أو للمصلحة العامة.
ثانيا إذا بدءنا نستعرض أدلة كثيرة وشواهد ومقولات متنوعة قد لا يحتملها الموضوع المراد مناقشته فهذه أشارة أخرى لمحاولة استعراض عضلاتنا العلمية والعقلية لتقزيم الآخرين !.
ثالثا إذا أحسسنا بأننا نضحك من الداخل وأعجبنا بأنفسنا , وشعرنا بنشوة الانتصار على الخصم , وبدأت قلوبنا ترقص طربا وزهوا بالنصر في هذه المعركة , فلنعلم أننا على وشك أن نخسر الحرب مع أنفسنا!.
رابعا إذا انتفضنا لرد وأشهرنا سيفونا على خصومنا بكلام غليظ أو ألفاظ و تلميحات شخصية أو خَلقية فقد فتحنا الأبواب على مصراعيها للانتصار لأنفسنا, وصدق الله تعالى حين قال " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ".
وربما هناك مؤشرات وعلامات أخرى, ولكننا في الغالب حين ننصح للانتصار لأنفسنا فإن الآخرين يشعرون بذلك مهما حاولنا أن نخفيه عنهم !, بل أننا ربما نضر أنفسنا والآخرين أكثر مما ننفع.
إن لم تكن النصيحة صادقة فهي لن تلامس القلوب لأنها ستخرج من الأفواه باردة جافة.