كان أبي!
لم تعد مشاكل الكرة السعودية مقتصرة على السلسلة المعهودة المتعلقة بهبوط المستويات والخروج المستمر من البطولات التي أصبحت عادة سنوية على الصعد: الآسيوي والعربي والخليجي، بل إننا أصبحنا في الآونة الأخيرة على موعد متكرر وملحوظ مع أزمة خاصة وجديدة ظاهرها ماض يتم التفاخر به عياناً بياناً، وباطنها حاضر غامض يرمي بمستقبل أنديتنا إلى عالم مجهول لا نعلم مصيره أو إلى أين يتجه؟!
الأزمة هذه المرة من قبيل "كان أبي"، فهي أزمة مظاهر وألقاب ومسميات وعبارات وإحصائيات تتوغل في أعماق التاريخ، أو باختصار عملة ذات وجهين، وكل وجه له تأثيراته الإيجابية وهي قليلة بكل تأكيد، والسلبية وهي كثيرة، والمهم في نظر القائمين على هذا الفريق أو ذاك أن يسايروا هذه الموضة الجديدة بتوثيق ألقابهم التي يوشك أن تكون مخطوطات يُخشى عليها من الضياع أو التلف كمنجزات تاريخية تنضم إلى بطولاتهم التي حققوها في يوم من الأيام قريباً كان أم بعيداً؟!
تعامل هذه الأندية مع المظاهر والمسميات والألقاب والعبارات الرنانة أصبح يختلف من ناد إلى آخر، فكل رئيس يريد أن يطفئ لهيب الضغوط الإعلامية والجماهيرية الممارسة على ناديه ليحظى بالسبق المتمثل في توثيق هذه المظاهر أو الرد على العبارات المؤثرة حتى لو كان على حساب قدرات فريقه المالية، إما بإنشاء مجسمات أو متاحف أو قاعات، ولو استلزم الأمر إقامة حفل تكريمي فلا أعتقد أن هناك ما يمنع من ذلك طالما كان الرد منساقاً لما يطلبه المتعصبون!
لست ضد إقامة المجسمات أو القاعات أو المتاحف أو إشغال الوسط الرياضي بها ما دامت تدخل ضمن قائمة الأفكار والمنتجات والمشاريع الاستثمارية التي يريد النادي بالفعل تسويقها لجماهيره ومحبيه، لكن أن تكون ردود أفعال أو استسلاما لضغوط جماهيرية وإعلامية تمارس على أنديتنا وتتأثر بها، فهذا يضع عليها أكثر من علامة استفهام وتعجب!
إن أنديتنا بحاجة بالفعل إلى كوادر تستثمر ميزانياتها المرصودة بالشكل الصحيح، وتبدأ بالمهم فالأهم، فليس من المعقول أن تغفل الأندية أولويات في غاية الأهمية كصرف رواتب اللاعبين المتأخرة، أو مستحقات الأندية الأخرى، أو مكافآت الفوز التي ينتظرها اللاعبون بكل لهفة عقب كل مباراة، من أجل أن تركن إلى الماضي البعيد وتستسلم للضغوط وتحفل بالمظاهر والألقاب الشكلية.
كل هذه السلبيات تضعنا أمام أزمة من نوع خاص لن تنتهي، تُثار في وسائل الإعلام ويُعاد تدويرها في مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار، وتؤثر في نفسيات أنديتنا عندما تدخل منافساتها المحلية والقارية، لأنها باختصار لا تدرك حقيقة الفرق الشاسع بين الماضي والحاضر، وبين التخطيط والعشوائية، وبين البطولات الحقيقية والصورية، وبين ما يستثمر وما لا يستثمر، وبين ما يشتت أذهان الفريق وما يستدعي الاستقرار والتركيز!